قبل بضعة أيام انتشر خبر مثير للدهشة حول هروب طفلين من الأردن في ربيع العمر من بيتهم بسبب كتاب" الأب الغني و الأب
الفقير ، الذي يصنف ككتاب للتنمية الذاتية. بعد تركهما لرسالة يتحدثان فيها عن تأثرهما بهذا الكتاب و ما يتضمنه من إرشادات للتركيز على تطوير الذات و ترك الجامعة؛ بذريعة أن هذه الأخيرة لا تعلم شيء ذي فائدة و حتى بعد الحصول على شهادة وعمل لا يصبح المرء غنيا بل يزداد فقرا و يغرق في بحر لا ينتهي من الديون. وقال الطفلين في رسالتهما: أنه يريدان أن تخدمهما النقود وليس العكس . و مهما اختلفت الآراء حول صواب ما قام به الشابان من عدمه، إلا أنه لا يمكن التغاضي عن تأثير كتب التنمية الذاتية و دعاتها في السنوات الأخيرة، حيث
اكتسحت هذه الظاهرة الغريبة بلداننا العربية ظاهرة تنمية أو " تطوير الذات"، و انتشرت عشرات و آلاف كتب التنمية الذاتية، فضلا عن دعوة الكثير من " صانعي المحتوى" على منصة يوتيوب لجماهيرهم كي يغيروا من تفكيرهم و يتوجهوا لاكتساب المهرات و العادات العملية عوض "تمضية الوقت" في المدارس و الجامعات.
هذه الظاهرة تم استيرادها من الغرب أساسا، فالغرب يعاني من ويلات التنمية الذاتية لسنوات؛ وحققت كتبها مبيعات ضخمة و أصبح مؤلفيها أغنياء و مشاهير بين ليلة و ضحاها،بينما لم يكسب القارئين أي قرش ولم يصبحوا أغنياء كما يدعي مؤلفوا هاته الكتب.
فهؤلاء المؤلفين يبيعون الوهم للناس ، و خاصة لأجيال الشباب و المراهقين، فيتولد لهم اعتقاد بأن مجرد ترك المدرسة سيجعلهم أغنياء.
وليس ببعيد عن المؤلفين، هناك مجموعة من الأشخاص تستفيد بشكل كبير من بيع هاته الأوهام، ألا وهم "خبراء" ومدربين التنمية البشرية؛ يقدمون دورات و محاضرات في الجامعات و المؤسسات المختلفة و ينظمون جولات عالمية، وكل هذا لنشر تعويذة" أو دجل و بهتان تحت أسماء علمية ، كعلم البرمجة اللغوية العصبية، و علم الطاقة و غيرها، فتعطي للمتلقي المغلوب عن أمره حماس لحظي و رغبة قوية في تغيير واقعه للأفضل سرعان ما تنفذ، و كل مايبقى هو شعور بالفراغ و فتور الحماس وعدم القدرة على فعل أي شيء باختصار.
إذن فالتنمية البشرية هي بمثابة غسيل للدماغ بصبغة علمية مزيفة ، فالكثير من الشباب يتأثرون كل يوم بموضة العصر الحديث و الاتجاه السائد في السنوات الأخيرة.
و بالعودة لقصة الشابان من الأردن، يتضح أكثر أن السبب الذي دفعهما لترك عائلاتهم و بيتهم لا يعتير سخيفا أبدا؛ بل هو سبب وجيه. فقد تعرضا لغسيل دماغ خطير؛ مثل العديد من شباب هذا العصر.
في الأخير يبقى طبعا دور الإعلام المتجلي في توعية الشباب بالخطر الناتج عن التوغل في عالم "التنمية الذاتية"، بدل الترويج لهؤلاء المدربين و الخبراء الدجالين.