يختلف المؤرخون والعوام حول إرث المماليك، هل يجوز اعتبارهم مصريين؛ لأنهم تلقوا تعليمهم في مصر، التي عاشوا حياتهم كلها فيها، وفيهم من مات دفاعًا عنها؟ أم الأصح اعتبارهم طبقة طفيلية دخيلة عاشت على الجباية والإتاوة وكنز خيرات الأهالي دون أن تتزاوج أو تتصاهر أو تتمازج بهم؟
الأمر يختلف إذن حسب منظورك للأمر، فكل له فلسفته ومنطقه الذي لا يخلو من وجاهة.
قد تفاجأ لمعرفة الجنسيات الشتى التي ينتمي إليها المماليك، فلقد كانوا أتراكًا، وجراكسة، وألبانًا، وصِرْبًا، وأروامًا "يونانيين"، وتترًا، فضلًا عن أوروبيين سكندنافيين"نرويجيين ودنماركيين وسويديين"، وقشتاليين"إسبان"، وإيطاليين، ومجريين، وقبارصة، وحتى ألمان ( )
هل ينتمي كل مملوك إلى هويته الأولى، أيًّا كانت هذه الهوية أم ينتمون إلى مصر؟ أم الأصوب اعتبارهم في مجموعهم تركًا كما نعتهم بذلك المؤرخ المملوكي ابن إياس نفسه، في أكثر من موضع بكتابه "بدائع الزهور في وقائع الدهور"؟
وفقًا للدكتور (إيناس محمد البهيجي) في كتابه "تاريخ المغول وغزو الدولة الإسلامية" فإن اللغة الرئيسية عند المماليك كانت التركية، وأنه لم تكن لهم معرفة بالعربية، ومع ذلك فكثير منهم أتقنوها وأصبحوا فصيحي اللسان بها، حتى إن منهم من صار فقيهًا مُفتيًا في أمور العامة كما هو الحال مع الأمير (ركن الدين المنصوري)، و(سيف الدين أرغون) و(علم الدين سنجر الجاولي).
وهو نفسه ما يقوله (إحسان أوغلي) في كتابه (الثقافة التركية في مصر)، فالرجل يخبرنا أن لغة الجيش والبلاط المملوكي هي اللغة التركية القبجاقية؛ لأن أغلب المماليك البحرية ينحدرون من قبائل القبجاق، إحدى أشهر القبائل التركية التي سكنت صحاري وسهول وسط آسيا، وهو يقول: إن اللغة التركية ظلت متسيدة في دولة المماليك البرجية رغم أن أكثرهم من أصول شركسية قوقازية.
كان (قنصوه الغوري) و(الأشرف قايتباي) يقرضان الشعر بالتركية، واعتقد البعض أن السلطان (المؤيد) تركماني رغم أصله الشركسي لفصاحته بالتركية، فيما كان الأشرف (إينال العلائي) جاهلًا بالعربية، عاجزًا عن التحدث بها، بعكس (قايتباي) مثلًا و(قنصوه الغوري) و(علاء الدين كتبغا) الذين أتقنوا العربية وقالوا بها الشعر.
هل زدتك إرباكًا؟
نحن الآن نتحدث عن اللغة معيارًا للهوية.
لنفترض جدلًا في المماليك تركيتهم، كما قال بذلك السابقون أعلاه، تعالَ الآن لنتأمل فكرة أن السلطان التركي العثماني (سليم الأول) حارب السلطان التركي المملوكي (طومان باي)، فانتصر عليه وانتزع ملكه، من الحتمي هنا أن نسأل:
هل كانت الطريقة التي يقدم بها الصراع المملوكي - العثماني في الأعمال الدرامية التاريخية سليمة تاريخيًّا؟
من كتاب #هدم_الإسكندر
#رامي_رأفت
#الرواق_للنشر