على لسانِ أحد هؤلاء الذين أغرقتهم الدنيا وعادوا للحياة ..على لسانِ شخصٍ ذاق من الحياة ما يذوقه رجلٌ طاعنٌ قارب الستين ..بدا مُنهمكاً وهو يعطي تجاربه لمن يظنه وليداً في الحياة:
سأُخبرك يا عزيزي بِسر ..
أُريد منك أن تضعه حلقة في أذنك لأنني ما عُدت قادراً على تحمل اي خبايا في داخلي
وكلها ايام ويواريني التراب
فتذكر ذلك مني لعلي اكون قد قدمت شيئاً يُنتفع به بعد مماتي
أنصت إلي يا عزيزي وكن لكلماتي ملاصقاً ولا تفرط فيها ابداً
فاعظم الكلمات تلك التي تخرج من فم امرئ تشبع بالحياة
وبات منتظراً للموت "مُرتقباً" له.. !!
سيلتف يا بني حولك الكثير ..
كُلٌ لأجل شئ في خاطره لا يُفصح عنه .. فمتى انتهى منه .. رحل وتركك وحيدا!!
(حتى وإن فعلت لأجلهم الكثير) !!
قليلون من " سيقدرون "
فلا تتعلق باحد ولا تروي حكايا قلبك لاحد واستمر في رفقة عقلك وقلبك للأبد ولاتجعل لهما شريكاً في حياتك ..
أتعلم يا عزيزي كم شاقيت طوال عمري من الناس ؟!!
أتعلم تلك المشقة التي تصيب القلب فترجفه رجفاً وتجعله يهوي ارضاً كم آلمتني ؟!!
الناس ياخذون الدواء رشفات..
وانا كنت اتجرع الألم جرعات حتى كادت تهتك بي ..
ستحاول اخباري بان بعضهم ليسوا سيئين ..
وانا اعيد كلامي واقول لك " سيتغيرون "..
أنا لم أدعي الحياة لأنني موقنٌ أنني مت الف مرة قبلا ..
ولا اعلم ماإذا كنت انا من أخاطبك أم طيف يتلاشى امامك !!.
الحياة قاسية لانها لم تعلمنا منذ البداية كيف نحياها .؟!!
تركتنا في دواماتها نهلك وهي تنظر بعين قاسية باردة ..
لتعلم يا صديقي ..
أن كل ما أحكيه لك هو عبرة ألم على عمر طويل لم أتجرع فيه سوى الحزن والندم ..
سترى في حياتك كيف ان كلاً يرى الناس بعين طبعه.
ستسمعهم يضحكون عليك ..
ومن جهة اخرى ..
يبتسمون في وجهك ..يشعرونك بأنك الأفضل ..
ولكن كل تقربهم الزائف ماهو إلا لنقد كل شئ فيك.. ليعلموا كل شئ عنك ومنك!!
ويجعلوا ذلك طريقاً لهم ل"يقتلوك".. !!
سأحكي لك إحدى حكاياتي مع الزمان لعلك تأخذ ذلك مني وتتقيه بعدي .
فاسمع مني ..
فلربما تكون نهاية حديثي معك ..
كانت تلك الفرحة التي اتذكر اني عشتها في حياتي ..
كنت شاباً ذو الخامسةوالعشرين من عمري
أتمتع بريعان الشباب وليتني لم أشب !!
مرت الأيام وانا اتخبط في متاهات الحياة من إعصار الى إعصار
وكأنه قاربٌ مكسورٌ موشكٌ على الغرق اتخبط فيه بين الموج من حين الى آخر..
لم أكن أبالي بأحد .. لم أستمع يوماً الى ذلك ما يسمونه الضمير وأظنه أختفى منذ القرون الأولى..
وصدقني
كنت أتألم أشد الألم..وأعيش في دوامات الحزن
كان قلبي ميتاً عن كل شئ وعيني تهوى كل شئ يزيد قلبي ظلاماً وحياتي ضنكا.
أردت أن اعيش كما يعيشون ولو ساعة واحدة " فلم أعش أبداً " !!
فهمت الحياة خطأً .. فأردتني صريعا ..
جربت تلك الأشياء التي قالوا بأنها تسعد وتفرح لكي أريح جناني قليلا من الكآبه .. فما زادتني إلا حزنا وألما..
فتعلم مني ..
فلا أملك شيئا اعلمه لك سوى تجربة مررت بها أهلكتني حتى يومي هذا وانا انتظر الموت
لعلي أجد فيه تلك الراحة التي لم اذقها طوال حياتي ..
يا ذلك الذي يسمعني أنصت إلي
أترى تلك النجوم التي تبرق وتشع في دجى السماء الواسعة, أصعبةٌ منالها ؟
أترى كم هي بعيدة ؟!
فاحصل عليها
لاتظنني يا عزيزي أخرقاً ..فلربما قد طال بي العمر إلا أنني من أكثر الناس تجربة للحياة ..
نعم ، أحصل عليها..
أبداً ..لاتنظر خلفك ولا تلقي بالاً لمن هم تحتك أرتقي درب آمالك وحلق عالياً..
للقمة "أُناس " هم كذلك منذ ولادتهم لأنهم فتحوا أعينهم على بصيص الأمل
وارتوو بالطموح والتفاؤل والعمل .
ستصعد وسترتقي وسيخذلك الكثيرون !! فثق بذلك
ان ظهر لك منافسين فنافسهم وأحب الخير لهم ؛ فإن الحقد جذوة نار في البشر ينتظر ليوقد وقداً؛وقد يأكل صاحبه أكلاً .
أخبرتك يا صديقي أن تحذر الناس وأعيدها لك لعل ذلك لا يبتعد عن خاطرك فتنشغل وتهوى في الظلماء .. احذر الناس وعاملهم بحذر وراقب كل حرف يصدر من فمك..فمن الناس من يراقبك لينتظر زلتك وينتظر سقوطك في تلك الهاوية ..
ساعدهم متى احتاجوا ذلك منك ..أحبهم ..ولاتكن بحبك مفرطا فتزداد صدماتك وتخيب ظنونك وتتدمر تلقائيا ..
تعلم من ذلك العجوز الذي رقد تحت التراب ..خلف ركام الخيبات والحسرات ..
أظهرت لك كم انني عشت ذلك قبلاً ؛ ولا أود أن يعاد ذلك المشهد بتفاصيله المؤلمة.
دعني يا عزيزي
فقد جرحتني الذكريات كثيراً ؛ وطعنني الماضي مجدداً رغم استحالة عودتي اليه ولكنه أشبه بالموت المستمر
الذي يدعك تتمزق ..
وتتمزق.. حتى تنتهي ..!!
أما زلت تذكرني يا عزيزي ..
نعم أنا من قص لك قصة ألمه ..
أنا من أعاد لك شريط ذكرياته من خبائه ..
أنا الذي اصابتني نوبة الحياة لأصبح بلا حياة
انا هو..
وبلا اي فخر او جذوة منه حتى..
اتعلم بم اشعر ؟.. اشعر بأنني لست شيئاً ..بلا قيمة
حتى تلك الجمادات أظنها افضل مني ..
كنت إنسانا ..والآن " منسيا "..
سأخبرك بأنني من ضيعت كل شئ بيدي لأنه كان بيدي ..
بدأت أسقط في الوحل شيئاً فشيئا
حتى صرت جزءاً منه ولم أنقذ نفسي او ينقذني احد..
نعم ؛
الحياة تجربة .. اختبار.. فرشاةٌ وألوان .. دفتر حكايات
ولربما الأخيرة هي ما تروقني .
دفتر حكايات ..كتبت فيه كل حكايات الأسى والحزن والألم ..
يإلآهي ..وكأنه ليلٌ طويلٌ يأبى ان ينبلج
إياك ياصديقي أن تغرك الحياة ..فإنها حتماً قبيحة ..قبيحةٌ للغاية.
ولكن الغرور الأكثر عذاباً وهلاكا ..هو غرور نفسك يا أيها المستمع لحكاياتي الطويلة ..
ستجدك تتجهم بألفاظ عجيبة داخلك ..
تظن الآخرين لا شئ ..في حين انك انت الذي تصنع من نفسك لا أي شئ
ربما قد لاتظهر ذلك ..لكن احاديث قلبك يا عزيزي لا تخفى على ربك ..
فإياك وغرور النفس ..
كن دائماً على عهد بأنك انسان ناقص تسعى للكمال .. ولن " تصل "!!
الغرور .. الكبر .. الكذب ..هم أكثر الأشياء هلاكاً00
فلا تقترب منهم ..واكثر معاتبة نفسك فإنك إن تذلها في داخلك تعتاد الأبتعاد عن كل ما يهلكك ..
كن شامخاً بلا تكبر.. جوهرك لسانك بلا كذب ولا إدعاء ..
كن كهذا الواثق بنفسه وبربه قبلاً ..حتى انك تظنه إن أراد التقاط نجم السماء لفعل .. (لشدة ثقته بخالقه )..
إياك أن تعتاد التقاط أنفاسك كثيراً بين كل مشقة ..بل كن مثابراً ..لاتتعب ولا تمل ..حتى ترقى .
اعذرني يا رفيقي على كثرة ثرثرتي ..
ولكن قلبي مهيجٌ بالذكرى ..
ملبدٌ بالآلام.. فقد ذقت مرارة العيش طويلاً ..
واعذر مني تسميتك رفيقاً ..
ولكنني أردت أن أجعلك رفيقاً في حكايتي حتى تكتمل قصتها
وتنسج نقطة نهايتها..
لأنني اشتقت للنهاية..
وبشدة ..
# أمضيتُ عمراً وسأروي لك