ومن اروع ما جادت به قريحة الشريف الرضي شعره : 

اكل قريب لي بعيد بوده ... وكل صديق بين اضلعه حقدُ

ان الشريف الرضي كما نحن احيانا ؛ نشكو حقد الاصدقاء وحسد الاصحاب وجفاء الاقرباء , وبما اننا اجتماعيون ونميل للتواصل والاختلاط بالناس ؛ و هذه الصفة  قد تمنحا  الفرص الثمينة لامتحان الرجال ومعرفة معادنهم .

وعادة ما ننتظر من الصديق والقريب أن يكون ساعدنا الأيمن في جميع الأحوال ، او لا اقل يكن لنا في قبله الود والمحبة ؛ فأساس الصداقة والقرابة هي مناصرة المرء في احوال الدهر ومكاره الحياة وحروب المجتمع ؛ وهذا ما يرجوه المرء  من الأقارب والأصدقاء.

فكل انسان سوي  يطرب لاجتماع إخوانه عنده ، ويرى أنسه بلقائهم  , وسعادته بوصالهم  ، وبالتالي هو ينتظر منهم  تبادل المشاعر الايجابية والعواطف النبيلة ؛ فكل قلوب بني البشر بطبعها ضمانة  الى موارد الود والمحبة .

وقد يشتاق الشخص إلى إخوانه عند البعد ولا يعلم ان قلوبهم كأجسادهم بعيدة منه بل أنى بعدا ، و قد يحن إليهم أرقّ الحنين ولا يعرف خشونة قلوبهم وجفاف عواطفهم ... ؛ وكما قال الشاعر :

فَما كُلُّ مَن تَهواهُ يَهواكَ قَلبُهُ ... وَلا كُلُّ مَن صافَيتَهُ لَكَ قَد صَفا

إِذا لَم يَكُن صَفوُ الوِدادِ طَبيعَةً ... فَلا خَيرَ في وِدٍّ يَجيءُ تَكَلُّفا

 

ذلكم إحساس كل انسان شريف  وشخص طبيعي بقيمة الصداقة والأخوة، ولكن هل  قلوب البعض تبادلك نفس المشاعر ؟  هيهات، ففي بعض الاحوال والاوقات تصادف اشخاص وتصدم بمقربين قلوبهم كالحجارة بل اشد قسوة ... ؛ الظاهر ان الشوق الى الاصدقاء ووداد الاقرباء أصبح من بقايا الزمن الغابر ؛ فهذه المشاعر النبيلة لا يعرفها الكثير منا في هذه الايام , لأننا نعيش في زمن عابس متجهم ، لا نكاد نرى فيه  حقيقة الناس حتى نختبرهم ونصدم بهم  .

قد صحت فراسة الشريف بأصدقائه واقرباءه وهو في ذلك الزمن الجميل فما بالك بزماننا ؟

نعم  غربة القلوب و وحشة النفوس قد تقتل فينا كل شعور جميل ؛ لاسيما واننا نعرف ان المودة تسري في القلوب  مسرى السحر في العيون ، وتجول في شعاب الروح كما يجول الصبا في قدود الملاح ، وتدخل على أصحاب الأذواق دخول البشرى بالأمن بعد الخوف ، وأنس اللقاء بعد وحشة الفراق ، وتصافح الأنفس مصافحة الأماني العذاب، وتعاقر أفواه المنشدين فتذكرهم معاقرة الرضاب ... مشاعر انسانية راقية لا يقدر قيمتها غير أرباب القلوب الشفافة والاحاسيس السامية ؛ فقد يعاني  القلب الألوف تقلبات مشاعر الاقربين وحقد الاصدقاء المزيفين ...  ؛ وقد يبتليك الدهر احيانا بإخوان لا تغفر لهم ذنوب ، إخوان يميلون عليك مع الزمان فيسقونك كأس العلقم والصاب ... (1) .

نعم لم يسلم أغلبنا من الحقد والحسد والغيرة التي تنفث من أعين وأفواه أقرب الناس إلينا ... !

فهل يُصدَّق أن تتمنى أخت لأختها المصائب والمشاكل ؟ أو أن يتسبب أخ لأخيه في الألم والحزن ؟ أو يحسد  صديق صديقه ويتمنى هلاكه ؟! 

مشاعر بغيضة مؤذية غُمِر بها البعض ، وقاموا بتحويل حياة مَنْ حولهم إلى جحيم... ؛ و ما آلت إليه أوضاع الناس في هذا الوقت ، من هجر للأقارب وتقطيع للصلات، وما تسبب به مكر الأقارب من ضرر وتعاسة ؛  دفع العديد من الأُسَر والاشخاص  إلى الانعزال عن أقاربهم واصحابهم  وتفضيلهم العيش بمفردهم في الحياة .

وبعد كان ان  ( القرايب حبايب ) صار ( الاقارب عقارب ) ... !! ؛  فقد يصل الامر بين الاقارب والاصدقاء الى القطيعة والسبب الحسد والغيرة والحقد  وان غلفت بأسباب اخرى ... . 

وصدق  الدكتور عبد الرحمن العشماوي عندما قال :

يخادعني العدوُّ فما أبالي ... وأبكي حين يخدعني الصديق.

..............................................................

  • عبقرية الشريف الرضي / بتصرف .