(لكل من يهتم بقضايا الفكر السياسي وبقضية تطوير الفكر السياسي العربي بعد كل تلك التجارب الكبيرة والمريرة وكل هذه الخسائر الكثيرة بسبب التورط في أفكار مثالية طوباوية شكلانية متطرفة وغير واقعية!!)


""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
ما هي الديموقراطية الليبرالية؟، وما الفرق بين الليبرالية والديموقراطية؟
وهل بالفعل الليبرالية بدون الديموقراطية استبداد فردي على حساب الجماعة؟ والديموقراطية بدون الليبرالية استبداد جماعي شعبي على حساب حقوق الفرد!!؟؟
*********************************
على الرغم من أن الديموقراطية المطبقة في الغرب هي الديموقراطية الليبرالية فهي، في الحقيقة، مزيج بين (روح الديموقراطية) كطريقة سياسية للحكم وفق إرادة الأغلبية، وبين (روح الليبرالية) كفلسفة اجتماعية تقدس حقوق وحرية وملكية وخصوصية الفرد إلا أنه، عند التأمل الدقيق والعميق، فإن (روح الديموقراطية) تبدو كما لو أنها تعاكس (روح الليبرالية) وتتناقض معها!!، والعكس صحيح، فمن حيث المبدأ فإن الديموقراطية تقوم على تقديس الجماعة وحق الأغلبية، بينما الليبرالية تقوم على تقديس الفرد وحقوق الأفراد والأقلية، وحماية هذه الحقوق من تغول وتطفل واستبداد الأغلبية!!، فكيف تم الجمع بين هذين (النقيضين) في النظام الثقافي والدستوري والقانوني والسياسي الغربي؟؟ 


الليبرالية من حيث الأساس والمنطلق تقوم على مبدأ ضرورة أن تحترم (الدولة والجماعة والمجتمع وبقية الأفراد) ملكيتي الخاصة كفرد ( My property وخصوصيتي كفرد My privacy وحريتي الشخصية كفرد My Personal Liberty) ، فهذا هو جوهر واساس بل ومنطلق الليبرالية التي أطلق عليها البعض اسم (المذهب الفردي) كنقيض لـ(المذهب الجماعي)، أما الديموقراطية من حيث المنطلق والأساس فهي تقوم على إمرار رأي وقانون وإرادة الجمهور (الأغلبية) ولو لم توافق إرادة ورأي الفرد والأقلية !!، لهذا يبدو كما لو أن الديموقراطية ذات النزعة الشعبية الجماعية تتناقض مع الليبرالية ذات النزعة الفردانية!!؟
كان الحل التوفيقي في الغرب لهذه المعضلة، وهذا التناقض الظاهري، هو الربط بين الأمرين بطريقة ((توفيقية ذكية متوازنة)) مفادها أنه: ((لابد من إمرار حكم ورأي وإرادة الجمهور، أي أغلبية الشعب، ولكن دون المساس بالحقوق الأساسية للأفراد وحقوقهم الطبيعية والانسانية، فحقوق الافراد (الانسانية والطبيعية) حد على حرية الأغلبية كما هي حد على تصرفات السلطة السياسية الحكومية (الدولة) وعلى تصرفات السلطة الدينية (الكنيسة)، وكذلك هناك حد ليبرالي آخر وهو عدم المساس بحقوق الأقليات سواء كانت هذه الأقلية أقلية دينية أو عرقية أو حتى سياسية (المعارضة)...))..... 
وهكذا لم تعد الديموقراطية تعني حكم الشعب المطلق والسيادة المطلقة للشعب كما في فكر (جان جاك روسو) حيث للشعب - الذي يحكم نفسه بنفسه لنفسه بشكل مباشر - أن يحكم ويقرر ما يشاء كما يشاء بدون قيود وحدود حتى لو كان ترتب عن هذا القرار الجماعي الشعبي لجمهور الأمة الحد من حرية وملكية الافراد إلى أضيق الحدود لصالح المجموع!.. فالديموقراطية كما في فكرتها الشعبية الشعبوية الطوباوية (المثالية) ترى أنه مادام الأغلبية وجمهور الشعب قرر ذلك، أي مصادرة حقوق الافراد وملكياتهم والتغول على خصوصياتهم لصالح الجماعة/الأمة فهو، إذن، قرار ديموقراطي سليم لا غبار عليه(!!)
لهذا - وسط التدافع والتجادل الفلسفي والفكري والسياسي الطويل في المجتمعات الغربية ولدت الديموقراطية الليبرالية كحل وسط بين هذين النقيضين للحيلولة دون طغيان الفرد والأقلية وكذلك للحيلولة دون طغيان الجماعة (جمهور الشعب)!! حيث أصبحت، في الديموقراطية المحقونة بجرعات كافية من الليبرالية ، حماية حقوق الافراد وحرياتهم وخصوصياتهم الشخصية من شر وتطرف التغول الجماعي - أي من شر الديموقراطية الشعبية (الديموقراطية الجماعية المطلقة) - أمرًا أساسيًا في فلسفة ودستور الدولة الحديثة، لكن - وفي المقابل - أيضًا أصبحت حماية حقوق الجماعة (الشعب/ الأمة/ المجتمع الوطني) وحماية حريتها وخصوصياتها الوطنية العامة من شر وتطرف التغول الفردي، أي من شر  (الليبرالية الفردانية المطلقة) - أمرًا أساسيًا في هذه الثقافة والفلسفة الاجتماعية وهذا الدستور، فكما من حق الافراد أن لا تطغى عليهم الجماعة بدعوى الديموقراطية وحق الاغلبية فتلحق الضرر بحرياتهم الشخصية وخصوصياتهم وملكيتهم الفردية وتضيّق عليهم الخناق وتتغول على مجالهم الفردي أو العائلي والمنزلي الخاص، فإن من حق المجموع (المجتمع/الجماعة/ الأمة/ الشعب) أن لا يطغى الفرد على حقهم وخصوصيتهم وملكيتهم الجماعية/المجتمعية ، وأن لا يلحق الضرر بالمصالح العامة للمجتمع!، وهو ما يُعرف في القانون بـعدم (التعسف في استخدام الحق الشرعي والمدني)(!!؟؟)
وهكذا ولدت الديموقراطية الليبرالية كفلسفة اجتماعية سياسية متوازنة توازن بين حق الاغلبية وحق الأقلية، وبين حقوق الافراد وحقوق الجماعة، حيث ((لا ضرر ولا ضِرار)) (( لا تظلم ولا تُظلم)) بعيدًا عن الليبرالية المثالية (الطوباوية) المطلقة كما في خيال فلاسفة الليبرالية الأوائل ذات النزعة الفردانية الأنانية (المُطْبِقة) التي تميل إلى رفض أي تدخل للجماعة بأي شكل من الأشكال في ضبط حريات الفرد بما يحفظ حق الجماعة/المجموع.... وبعيدًا عن الديموقراطية الجماعية الشعبية المثالية (الطوباوية)  كما في خيال فلاسفة الديموقراطية الشعبية الأوائل ذات النزعة الجمهورية  (المُطْبِقة) التي تعطي الشعب حرية وسيادة مطلقة بلا حدود، حيث يصبح من حق الجمهور والأغلبية - في هذه الديموقراطية الشعبية الشعبوية - تقرير ما يحقق مصلحة الجماعة ولو بمصادرة حقوق وأملاك وانتهاك خصوصية الفرد مادام الشعب قرر ذلك!!... 
إذن فالديموقراطية الليبرالية هي صيغة وسطى بين هذه وتلك، فهي حل عقلاني رشيد متوازن يرفض استبداد الفرد باسم الليبرالية ويرفض استبداد الشعب باسم الديموقراطية!.... وإذا فهمت هذا ، فهمت ما هو موجود في الغرب حاليًا كفلسفة اجتماعية وسياسية عامة يقوم عليها النظام الديموقراطي الليبرالي الحالي مع فوارق واختلافات في التطبيقات بين كل بلد وآخر، وهي تباينات واختلافات، في الغالب، تتعلق ب((نظام الحكم والإدارة)) المناسب لكل بلد، هل هو ملكي أم جمهوري؟ رئاسي أم برلماني أم مختلط؟ مركزي أم اللامركزي؟فيدرالي أم غير فيدرالي....... فالديموقراطية الليبرالية - بالنهاية - تتمتع بقدر كبير من ((المرونة الكافية)) التي تجعلها قادرة على أن ((تتكيف)) مع ((خصوصيات)) كل بلد وكل شعب.
والسؤال هنا : حول هذه الديموقراطية الليبرالية - بهذه المواصفات الأساسية العامة - بغض النظر عن تطبيقاتها المتفاوتة نسبيًا في كل بلد حسب خصوصياته الثقافية والاجتماعية - هل هي تتناقض بالفعل مع ((ثوابتنا الدينية والوطنية)) في عالمنا العربي!؟؟.... هذا هو السؤال الذي يجب أن نجيب عنه بموضوعية وعقلانية وأمانة كي نمضي خطوة إلى الأمام في توطيد وتأسيس فكر عربي ديموقراطي ليبرالي جديد...و... رشيد!؟؟
**************
سليم نصر الرقعي