البعد الحقوقي في رواية موسم الهجرة إلى الشمال:

لا ريب في كون العمل الأدبي مرافعة حقوقية  إن تاريخيا وإن اجتماعيا وإن سياسيا وإن ثقافيا،  ومنه، فرواية موسم الهجرة إلى الشمال لا تكاد تخرج عن هذا الإطار، لاسيما وأن صيغتها الرمزية الاستعارية ألبستها توب المرافعة الحقوقية في أبعادها الأربعة، وقامت بتشغيل أو تفعيل الثنائيات الضدية بشكل يخدم القضية التي يطرحها صاحب العمل، الطيب صالح،  ألا وهي طبيعة علاقتنا مع الغرب. هذا الكيان الذي لطالما ارتكب جرائم باسم الحقوق وباسم الحضارة والانسانية في حق الحقوق والانسانية ذاتها، شعوب كثيرة تلاشت وتضررت من فعل الامبريالية الغربية، فعلاقة الشرق أو إفريقيا بالغرب،  ومسألة الاستعمارية المتوحشة،  أو الميز العنصري وهجرة الأدمغة وقضية الهوية أو النحن في مقابل الآخر  كلها قضايا وآليات شغلتها الرواية بشكل رمزي،  أضفى عليها بعدا حقوقيا بامتياز.

ولإيضاح هذا الفعل الحقوقي نستعيد مكونات العمل الروائي ونقوم ببسطها على مستوى التيمات أو القوى الفاعلة وإن مكانا أو زمنا أو أحداثا:

تيمة الجنس :

هناك نمطان من الجنس ، الأول يخص مصطفى سعيد والثاني لود الريس وعبد الكريم، الأول جناية في حق النساء الاوربيات، ويمكن اعتباره – رمزيا- رغبة في رد الثأر ، كقضاء وحكم عادل، انتصر لدول الجنوب على دول الشمال، لكون كل شخصية تمثل حضارة وهوية، وفي مستوى من مستويات التأويل يمكن القول إن ما فعله الغرب في مستعمراته يعد أكثر من اغتصاب في حق الشعوب  هوية وكرامة. والثاني يمكن اعتباره ترافعا ضد الرجعية والتخلف.

القتل:

الأمر نفسه ينطبق على فعل القتل، وقد نقول إنه قصاص، بالتالي حكم عادل ، وفعل للتخلص من العلاقة العنصرية، أو أيقونة لهذه العلاقة.

الانتحار:

أما فعل الانتحار  فهو خلاص لكل حضارة تسيء إلى الإنسانية " انتحار الفتيات الاوربيات عقب إقامتهن لعلاقة جنسية مع مصطفى سعيد" وهو انتحار متواتر يُبين عن صورة رمزية تفسر باعتبارها نوعا من تواتر الرفض الغربي للعرب، أو باعتبارها صورة للتآلف المصطنع بين الغرب والشرق. بالتالي فنحن أمام علاقة غير عادلة ، وأمام نهاية عادلة. وبهذين الفعلين يتضح مقدار عدالة مخيال الطيب صالح.

مناهضة الميز العنصري:

وتستمر المحاكمة العادلة بمحاربة الميز العنصري، يقول الراوي:" أريد أن حصتي الشرعية من الحياة بالقوة وأريد ان اعطي بسخاء، أريد للحب أن يتدفق من قلبي، إلى أن تنضج الثمار.."  فلابد أن تستعيد الحياة موازينها الطبيعية وأن تسقط معالم الظلم والعنصرية،ومن أنصع هذا الميز في الرواية كان عند محاكمة مصطفى سعيد  في لندن بالمعاملة الخشنة من قبل  المحاميين ص(56-ص57).


و حاصل القول مما سلف، إن رواية موسم الهجرة إلى الشمال مكتنزة بالجاذبية والغموض، فلطالما لفت انتباه القارئ طابعها الغريب إن على مستوى الشخصيات وإن أحداثا أو زمنا ومكانا، حيث يشتغل كل شيء بشكل رمزي، وكل ذلك بجمعها بين سمو القضية الفكرية التي تطرحها والبناء السردي الرصين.