إن الله تعالى - عز وجل - كائن أخلاقي كامل، قمة في الاخلاق، وهو المثل الأعلى في الاخلاق الحميدة العظيمة، فهو طيب، قمة في الطيبة، يحب الطيبين، عدل، قمة في العدل،  يحب المقسطين، صادق، قمة في الصدق، يحب الصادقين (ومن أصدق من الله قيلًا!؟؟)، وفيٌّ، قمة في الوفاء، يحب الأوفياء (ومن أوفى بعهده من الله!؟؟)، حليم، قمة في الحلم، يحب الحلماء، رحيم، قمة في الرحمة، يحب الرحماء، كريم، قمة في الكرم، يحب الكرماء، بل هو اكرم  المكرمين، حكيم، قمة في الحكمة، يحب الحكماء، شكور، قمة في الشكر، يحب الشاكرين، صبور، قمة في الصبر، يحب الصابرين، محسن، قمة في الاحسان، يحب المحسنين... وهو لا يحب الكاذبين والغادرين والخائنين والسراقين والزناة والطغاة والبغاة والظالمين والفاجرين والغشاشين والمنافقين والفاسدين والمفسدين حتى لو كانوا من أمة المسلمين!!، ولا يحب من لا يرحم اليتيم ولا يحض على طعام المسكين!.... وهو رب رحيم متسامح عفو يدعو إلى العفو والمغفرة والتسامح والرحمة والعدل والاحسان.... كل هذه الصفات الاخلاقية الطيبة لله تعالى نجدها مبثوثة في القرآن الكريم عرضَا وطولًا، فالقرآن الكريم هو أولًا وقبل كل شيء، بطاقة الله الشخصية!، بطاقة تعرّفنا به شخصيًا كما يريدنا أن نعرفه وبما تطيق وتفهم عقولنا البشرية المحدودة في هذه الدنيا!... القرآن أولًا وقبل شيء هو بطاقة الله الشخصية التي تبين لعباده هوية الله وصفاته الأساسية وسننه الكونية وشرائعه الدينية ، فهذا التعريف، التعريف بالله ، هو أهم ما في القرآن كله بل هو أكثر القرآن، فمن يريد أن يتعرف على الله معرفة شخصية فها هو القرآن المحفوظ، قطعي الثبوت، بين أيدينا فما الحاجة إذن في أن نحاول أن نتعرف عليه في غيره مما هو ظني الثبوت !!؟؟.


هذا هو الله الحقيقي ربكم الأعلى والأكرم، الله الطيب الودود البر الرحيم  الخلوق الذي يحب الطيبين والخلوقين وعلى رأسهم نبينا محمد الذي منحه ربه (شهادة تقدير) لا مثيل لها!، شهادة معلقة وسط هذا الكون تقول: ((وإنك لعلى خلق عظيم)) ((وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ))!!
واليوم - ومن أجل تجديد الخطاب الديني وتصحيح المسار - يجب علينا أن ننفض أيدينا من كل ذلك (الجدل العقيم الموروث) الذي ورثناه عن سلفنا الأولين! ونركز في عقيدتنا في الله لا على هذه (السفاسف) الموروثة عن ذلك الجدل العقيم والحقد العظيم بين (الخط المعتزلي) و(الخط الحنبلي) و(الخط الاشعري) كمحاولة للوقوف في منتصف الطريق بينهما، بل نركز على الجانب المفيد والمثمر في فهمنا وفي عقيدتنا في الله تعالى، وأولها أن الله تعالى هو ((كائن أخلاقي كامل الاخلاق وله المثل الأعلى في كل خٌلق كريم يحب الاخلاق الحسنة ويحب الخلوقين من عباده))، فإذا ربينا أولادنا على هذا المعنى الواضح بشكل جلي ومكرور في كل سور القرآن الكريم في شخصية وصفات الله تعالى، فلا شك أنه ستكون لهذه التربية - على هذا المعنى وهذا التصور العقدي القرآني لله تعالى - ثمار أخلاقية وتربوية كبيرة وكثيرة بخلاف لو ربيناهم على ذلك الجدل التافه العقيم الذي استهلك طاقات وأوقات الأمة لمدة قرون فانظر كيف كانت ثمرته على الأمة حتى يومنا هذا؟؟!!


فهذا هو ربكم الأعلى والأكرم الجميل الطيب الرحمان الرحيم، الذي هو معكم  أينما كنتم مع أنه في الوقت، وليس لله وقت، ذاته مستوٍ على عرشه يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، وهو كل يوم في شأن!!... بل هو أقرب الأقربين إليكم، أقرب إليكم من حبل الوريد، ولو عرفتموه حق المعرفة كما عرّف عن نفسه في كتابه المجيد لأحببتموه حق محبته!، كل شيء هالك إلا وجهه!...وليس لكم غيره في الدنيا وساعة موتكم ويوم بعثكم وحسابكم وكفى به وليًا، وكفى به نصيرًا، وكفى به وكيلًا بل وكفى به صاحبًا ورفيقًا وخليلًا ! فأروه من أنفسكم وأقوالكم وأعمالكم ومجاهدتكم لأنفسكم ما يُحب ويرضى حتى يحبكم بشكل شخصي ويذكركم بأسمائكم عند الملائكة والملأ الاعلى، ويجعل لكم ودًا ، وينظر إليكم في الدنيا ويوم القيامة، ويُقيم لكم وزنًا، ويكلمكم ويجعلكم ممن منحهم السعادة أبد الأبدين، سواء في الجنة أو ما فوق الجنة !!، قال تعالى: (( وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۖ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)) (هود: 108) ، فهناك عطاءٌ أرقى وأسمى من عطاء الجنة فهو عطاء غير مجذوذ ، غير منقطع، إلى ما لانهاية... إلى ما بعد الجنة!!.... هناك حيث لا نعلم الآن وحيث لا يمكن أن نتصور أو نفهم ونحن بهذه الحواس المحدودة وهذه القلوب المحدودة وهذه العقول والأفهام المحدودة وهذه الأجسام المحدودة ، في هذا الكوكب الصغير الضئيل المحدود الذي هو كحبة رمل لا تكاد تُرى بالقياس لكل هذه المجرات العملاقة التي تُولد ثم تموت ثم يُولد غيرها ويموت منذ ملايين ملايين السنين!!.. هذا الكون الواسع المتسع، لذا ترك الله الباب هنا مشرعًا على مصرعيه، لمن يستحقون من عباده - وبفضله -  ما هو أكثر وأرقى من ((الجنة)) على في هذه العبارة البالغة الجامعة في قوله: ((عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)) !!... فالباب ، في العطاء، مفتوح على كل الاحتمالات!!!، كل الاحتمالات الكريمة والعظيمة والسعيدة والمدهشة التي لا تخطر على بال بشر!!
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
أخوكم المحب
سليم نصر الرقعي
1 شعبان 1444
21 فبراير 2023