يفرق علماء الاجتماع بين الحراك [الاجتماعي] الطبقي والحراك الفردي، وهذا تفريق مهم جداً. فالحراك الفردي يعني أن صعود فرد لطبقة أعلى ينتج عنه بالضرورة نزول فرد آخر لطبقة أدنى. وعلى العكس، يكون الحراك الطبقي نتيجة لتغيرات في توزيع الوظائف. وبسبب الانخفاض الحاد في التصنيع خلال العقود الثلاثة الماضية، بدأت وظائف العمال (ذوي الياقات الزرق) بالتراجع. وغالبية الحراك [الاجتماعي] منذ ستينات القرن الماضي كان طبقياً، فأبناء الطبقة العاملة أو القادمين من خلفيات ريفية كانت لديهم فرص جيدة للانتقال للوظائف مكاتب (الياقات البيض)، بسبب الانتشار النسبي لهذه الوظائف مقارنة بغيرها من الوظائف.
ومن غير المرجح أن ينكمش التصنيع أكثر، فكل من التصنيع والزراعة يعمل فيهما ما يقارب 14% من القوة العاملة [في المجتمع البريطاني]. فبدلاً من الحديث عن انخفاض معدل الحراك الاجتماعي، يجب أن نعرف أن هناك مشاكل جديدة يجب على صانعو السياسات البت فيها. ويليتز كان محقاً تماماً عندما جادل بأنه يجب تهميش دروس النحو، فدروس النحو تنتمي لوقت كان فيه الحراك الطبقي كبيراً، فقد مكنت دروس النحو الأطفال من الخلفيات الأكثر فقراً بالانتقال إلى قطاع الياقات البيض المتنامي.
ويجب علينا أن نركز على قضايا أخرى اليوم، فالطبقات المهنية وطبقة ذوي الياقات البيض هم الغالبية الآن، وأصبحوا قادرين على التلاعب بالنظام التعليمي لما فيه مصلحتهم. ونتيجة لهذا فالذين تعوزهم مثل تلك الإمكانيات يعلقون في أسفل المجتمع، وهم غالباً من الأقليات. وبالمحصلة يظهر لدينا انقسام جديد في الحصول على فرص أفضل في الحياة، انقسام بين هؤلاء الحاصلين على تعليم عال وأولئك الذين لا يحصلون عليه.
كيف يجب أن نواجه هذه المؤثرات؟
في الدول التي لديها أعلى نسب في الحراك [الاجتماعي] مثل الدول الاسكندنافية، قامت هذه الدول بالاستثمار بشكل كبير في النشء. ولهذا فعلى السياسات الحكومية الحالية [في بريطانيا] التي تستثمر في النشء أن تخلق فرقاً. مثلاً، منذ عام 1997 تحسنت الرسوم الدراسية التي يتم تقديمها لرعاية الأطفال، رغم أنها تظل قاصرة بالمعايير الاسكندنافية. وخلافاً لما يقوله الكثيرون، فالرسوم الدراسية تساعد فعلاً الأطفال القادمين من خلفيات اجتماعية محرومة، فقبل تقديم الرسوم الدراسية كان فقط 11% من الأطفال من الطبقات الأدنى في التعداد يدخلون التعليم العالي، بالمقارنة مع دخول أكثر من ٨٠٪ من الأطفال من خلفيات مهنية أو إدارية للتعليم العالي. فتقديم الرسوم الدراسية ولدت موارد لمساعدة الأطفال الأكثر فقراً للحصول على تعليم عال.
وقد ركزت الحكومة [البريطانية] على الاستثمار في التعليم كوسيلة رئيسية لتطوير الحراك [الاجتماعي]، وهذا مهم لكنه بالتأكيد لا يكفي، فأحد الدروس التي يجب أن نستفيدها من الاسكندنافيين أن الحراك [الاجتماعي] يرتفع كلما انخفض عدم المساواة. فخلق فرص أكبر للحراك الاجتماعي ليس بديلاً عن تقليص التفاوت بين فئات المجتمع، بل يعتمد أحدهما على الآخر. فالتعليم غالباً يعكس عدم المساواة التي تتم على النطاق الواسع بدلاً من تخفيفها. ويجب أن نعمل على خفض عدم المساواة من المصدر إذا أردنا تأسيس مجتمع أكثر عدالة.
* المصدر:
https://www.theguardian.com/commentisfree/2007/may/24/comment.politics
الكاتب: أنتوني غيدنز، وهذه ترجمتي.
ما بين هذين القوسين [ ] من إضافتي لتوضيح مقصد الكاتب، لأني اقتطعت جزء من المقال وهو الجزء الذي يهمني.