القبح والعشوائية في شواطئ مصر

بقلم: محمود خليفة

   

     حبا الله مصرنا الحبيبة بشواطئ متعددة وممتدة بطول مصر وعرضها، ومع ذلك، لم نستثمرها سياحيا حق الاستثمار، ولم نحافظ عليها، بل أهدرناها أسوء هدر.


خصخصة الشواطئ

أول ما تصطدم به في شواطئ مدينة الاسكندرية -على سبيل المثال- هو استيلاء كل منْ هب ودب على شواطئها ووضع اثنين من البلطجية ومعهما أوراق تذاكر دخول الشاطئ!

وهذه الظاهرة القبيحة بدأت على استحياء منذ التسعينات في القرن الماضي، وأمست الآن مستفحلة ويبدو أن لا حل لها حتى في عصر المنعوت (بالدكر).

ومنْ الذي أعطى هؤلاء حق انتفاع الشاطئ؟ ومنْ الذي عين هذين البلطجيين لجباية رسوم الدخول للشاطئ؟ وأين المحافظة والحكم المحلي وإدارة الأحياء؟!

أفهم أن الشماسي والكراسي لها سعر تأجير، أما دخول الشاطئ نفسه فكيف (يخصخص) في جل الشواطئ؟! وإذا بحثت عن شاطئ مجاني لا تجد، وإذا وجدت، فإنه يكون دائما مزدحما ولا يطاق!

فدخول الشواطئ إما بكارت اشتراك أو برسوم، والرسوم كانت مثلا في العام الماضي في شاطئالبيطاش(الشعبي الآن والراقي فيما مضى) ستة جنيهات، وفي هذا العام بعشرة جنيهات!

حتى رسوم الدخول الشواطئ تتعرض لارتفاع الدولار أمام الجنيه المصري الكسيح!

وهل توجد شواطئ في العالم كله لا يملكه الشعب، ويملكه (شوية) بلطجية وشركات وهمية؟!

وإلى حكام مصرنا المكلومة:

متى تعود ملكية الشواطئ إلى الشعب المصري؟


الأبراج تطل برأسها القبيح في كل مكان

في كل مدن العالم المتمدين والمتحضر والمحترم، نجد الأبراج لا تبنى إلا في وسط المدينة حيث الفنادق الكبرى ومكاتب الشركات والمتاجر وحركة التجارة والبورصة، أما باقي الأحياء، فتوجد المباني السكنية لتلك الشعوب المتحضرة، والتي لا يزيد ارتفاعها عن دورين وملحق، حتى في بعض دول الخليج نجد مثل هذا النظام الدقيق في توزيع الأبراج والمباني السكنية؛ فمدينة (الرياض) على سبيل المثال، لا تُبنى الأبراج والعمارات الشاهقة الارتفاع إلا في وسط المدينة (في حي العُليا وما حوله)، وباقي مباني المدينة لا يزيد ارتفاعها عن دورين وملحق (روف).

أما عندنا في بر مصر كله، فنجد الفيلات تُهدم ويبنى مكانها أبراج شاهقة قبيحة ولا يلتزم أصحابها بقانون ارتفاع المبنى والذي ينص على أن يكون ارتفاعه مرتين ونصف عرض الشارع الذي سيبنى عليه المبنى.

وفي كل بر (التي كانت محروسة)، تجد الظاهرة القبيحة نفسها؛ فأي منزل قديم يهدم ويبنى مكانه برج سكني قبيح، حتى لو كان البرج في حارة أو شارع لا يزيد عرضه عن ستة مترات أو أقل؛ وكل هذا بسبب عقلية وجشع وسوء أخلاق التجار والمقاولين، وفساد مديري الأحياء الذين يغضون الطرف بكل قوة عن كل قبيح!

وانظر إلى حي المعادي العريق والراقي كيف امتدت يد العشوائية والفوضى وهي تنهش في شوارعه الهادئة والمتميزة بمبانيها الراقية، وكيف امتلأ الحي بأبراج شاهقة قبيحة المنظر تضغط على البنية التحتية في المياه والصرف الصحي والكهرباء وتزيد من الازدحام بأعداد بشرية زائدة في حيز صغير، غير الازدحام بسيارات قاطني تلك الأبراج، والضوضاء، وضوضاء المقهى الموجود في أسفل أغلب الأبراج، وكأن المقهى أضحى في بر (التي كانت محروسة) مشروعا استراتيجيا جبارا!...

ولا تقتصر ظاهرة بناء الأبراج السكنية الشاهقة على حي المعادي، إنما امتدت لكل أحياء مدن مصر وحتى في الريف، وإذا سرت في شوارع حي الزمالك الراقي وحي شبرا الشعبي وحي الشرابية المجاور والزاوية الحمراءوحدائق القبة والزيتون ومصر الجديدة وعين شمس والمرج وحتى على الطرق الدائرية حيث العشوائية على أعلى صورة، تجد تلك الأبراج القبيحة الشكل تطل برأسها القبيح والمقزز، وبعض تلك الأبراج عرضها لا يزيد عن عدة مترات ولا تصلح إلا لبناء مبنى من دور واحد فقط، والمبنى يبدو وكأنه إبرة شاهقة الارتفاع (مسلة حديثة ولكن قبيحة).

حتى الشواطئ تبنى عليها الأبراج

في أغلب أحياء مدينة الإسكندرية، باتت الأبراج السكنية في كل مكان وهي تشب إلى أعلى لتعلن عن نفسها ولو في حارة، و(سلم على الخصوصية والكرامة الإنسانية)، وحتى على الشواطئ، تجد تلك الأبراج القبيحة تطل برأسها القبيح بمنتهى البرود والسماجة؛ ففي مصيف البيطاش مثلا، توجد أبراج شاهقة على الشاطئ، وموقعها ثاني نمرة على البحر، ومكان البرج كانت توجد فيلا فيما مضى في العهد الذهبي لمصرنا العظيمة قبل أن تمتد يد العشوائية والفوضى والقبحلتعيث فسادا في كل شيء مع حكم العسكر البغيض في انقلاب يوليو 1952!


هذا البرج ارتفاعه 14 دورا في منطقة الفيلات في شاطئالبيطاش بالعجمي وموقعه ثاني نمرة على البحر


القمامة تتنزه على الشاطئ

وما يصطدم المصطاف على الشواطئ وخاصة شواطئ الإسكندرية هو تواجد القمامة بأشكال مقززة وكأنها تصطاف مع المصطافين، وطبعا الأحياء الداخلية ممتلئة بأكوام القمامة التي تتفاعل مع بعضها لكي تتقيأ لنا روائحها الكريهة والفظيعة!




القمامة في داخل أحياء مدينة الاسكندرية



القمامة حتى على الشاطئ


الأسعار متفاوتة من حي لأخر

وما تفاجئ به أيضا في المصايف، هو تفاوت الأسعار وتباينها من منطقة لأخرى، وإذا سألت التاجر عن سر ذلك يخبرك بأن الدولار هو السبب، وإذا كان ذلك كذلك، فلماذا تختلف الأسعار من حي لآخر؟ هل الدولار يختلف من حي لأخر؟!

وفي مدينة الاسكندرية مثلا، أسعار السلع في وسط المدينة أقل من الأسعار في أطراف المدينة، وفي الأطراف تختلف من مكان لآخر، ومن حي لآخر، ومن محل لأخر؛ ولا ضابط أو رابط لتلك الأسعار، والحجة هي الدولار.


الإسكندرية عروس الصرف الصحي

أما الذي يصعق المصيفين في مدينة الإسكندرية، فهو صرف مياه (المجاري) على الشاطئ مباشرة!

ومنْ يشاهد شواطئ أبي قير والدخيلة والعجمي (بيانكي)، فسيفاجأ بتلك المياه العفنة والمحملة بشتى الجراثيم والروائح الكريهة والمقززة حتى للحيوان، وهي تتهادى رويدا رويدا من ماسورة ضخمة في بداية الشاطئ لتصب في النهاية داخل مياه البحر؛ ولا عزاء لصحة الإنسان والأسماك، ولا عزاء للذوق والأخلاق والحضارة!...



ماسورة الصرف الصحي تصب مباشرة فيشاطئ أبي قير    


https://youtu.be/TCYbkbhBpHo


السمك المصري سمعته في الحضيض

حتى الثروة السمكية أهدرناها وربينا السمك في مزارع مياه الصرف الصحي حتى باتت سمعة السمك المصري عربيا وعالميا في الحضيض!


الهواء لازال مجانا

أما الظاهرة التي تستحق الشكر لله، فهي (مجانية الهواء) على الشواطئ، ولو تمكن أولئك البلطجية والمفسدون أصحاب الشركات (الوهمية) من الهواء؛ لباعوه لنا في زجاجات!


أين الضبط والربط في الأحياء وكل مديرها لواءات سابقة؟!

وإذا كانت كل أحياء مصر وأجهزة المدن الجديدة لا يديرها إلا لواءات سابقة سواء كانوا في الجيش أو الشرطة، فكان من المتوقع أن الضبط والربط والنظام والجدية هي شعارات العمل بكل أنحاء مصر، ولكن العكس هو الجاثم على مصرنا المكلومة في القرن الواحد والعشرين، ويبدو أن ذلك الحال لن يتغير حتى في القرن الواحد والعشرين بعد المائةطالما أن أهل الثقة، وليس أهل الخبرة، هم منْ يتولون أمورنا! 

إن مصرنا الحبيبة كانت مهد الحضارة وأم الدنيا، أما الآن فهي فقد أمست متخلفة في كل شيء (شبه دولة) على يد حكامنا العسكريين منذ انقلاب 1952 المشئوم وحتى الآن. إن النظافة من الإيمان.


منشور في ساسة بوست في هذا الربابط:

http://www.sasapost.com/opinion/ugliness-and-indiscriminate-beaches-in-egypt/