المكان: حي الياسمينة في البلدة القديمة من مدينة نابلس

الزمان: شهر يوليو/ تموز 2022

الهدف: قتل عنصرين من مؤسسي مجموعة عرين الأسود على يد قوات كبيرة من جيش الاحتلال خلال اقتحامها نابلس.

هكذا بدأت إسرائيل أولى عملياتها الانتقامية الهجومية ضد مجموعة عرين الأسود في البلدة القديمة بنابلس شمالي الضفة الغربية، بمشاركة قوات خاصة وقناصين وطائرات وجيش مهلهل، فمن هي مجموعة عرين الأسود ومن هم عناصرها ومن يمولها وكيف تنظر إسرائيل إليها وما علاقتها بالفصائل الفلسطينية الأخرى؟

عرين الأسود التي خرجت من مدينة نابلس معقل عدد من الفصائل الفلسطينية وخصوصاً كتائب شهداء الأقصى، ظهرت كمجموعة مسلحة عام 2022 تضم في صفوفها كافة عناصر المقاومة الفلسطينية المسلحة بلا استثناء، ومقرها البلدة القديمة في نابلس شمالي الضفة الغربية وتتخذ من حي الياسمينة والقصبة كمعقل لشن هجماتها ضد القوات الإسرائيلية.

النشأة والانطلاقة

بدأ اسم عرين الأسود تحت مسمى "كتيبة نابلس" في بداية العام الجاري، بعد اغتيال 3 من أعضائها في شهر فبراير وارتقاء كل من محمد الدخيل وأشرف مبسلط وأدهم مبروكة الملقب بالشيشاني، وبعد ستة أشهر وبالتحديد في شهر يوليو، قتلت إسرائيل كل من عبد الرحمن صبح ومحمد العزيزي ونجا من المحاولة إبراهيم النابلسي، وفي الشهر الموالي قتلت كل من إبراهيم النابلسي وإسلام صبوح، وفي حفل تأبين كل من الشهيد عبد الرحمن صبح ومحمد العزيزي، تمّ الإعلان عن أنهما هم مؤسسي جماعة عرين الأسود، وبهذا الإعلان انطلقت كتيبة نابلس تحت مسمى عرين الأسود.

أوضحت المجموعة خلال حفل التأبين أن الشارة الحمراء التي يضعها عناصرها على أسلحتهم هي دليل على أن هذا السلاح لن يتم توجيهه إلا إلى صدور المحتلين ولن يتم إطلاق رصاصة واحدة في الهواء في خارج إطار العمل العسكري ضد إسرائيل، وأن عناصرها جاؤوا من بيئة تجارية وتعليمية وصناعية وهم أصحاب كفاءات وليس كما يروج له الاحتلال أنهم أشخاص يائسون من الحياة.

عناصر العرين

تتكون المجموعة من خليط من الشباب من كتائب شهداء الأقصى وسرايا القدس والجبهة الشعبية وحماس، وهم أغلبهم في العشرينيات من العمر، ودائماً ما يُمجدون في بياناتهم كبار زعماء قادة المقاومة الفلسطينية كأحمد ياسين وفتحي الشقاقي وأبو عمار وأبو علي مصطفى وغيرهم كإثبات قويٍ على أنهم يجمعون الكل الفلسطيني تحت راية واحدة، وهو ما جعل الشباب الفلسطيني تنضم إليهم والمجتمع المحلي يناصرهم، وليس أدّل على ذلك من أنهم دعوا أكثر من مرة عموم الشعب الفلسطيني ليخرجوا في مظاهرات ليلية لمواجهة قوات الاحتلال، وكانت الاستجابة فورية بين الجماهير وبأعدادٍ كبيرة.

آلية العمل ضد الاحتلال

تعمل المجموعة منذ نشأتها على عمليات الكر والفر ضد الاحتلال وقطعان مستوطنيه في نابلس بشكلٍ شبه يومي، ولا ينتظرون الاحتلال أن يكون هو المبادر، فكل عملية اقتحام لنابلس ومحيطها تتصدى المجموعة للقوات المُقتحمة بصليات من الرصاص والعبوات الناسفة المحلية الصنع، وعادة ما تؤكد في بياناتها وقوع إصابات في صفوف القوات الإسرائيلية لكن الأخير ينفي عكس ذلك مطلقاً.

عمليات السلطة الفلسطينية ضد عرين الأسود

حاولت السلطة الفلسطينية وبضغط كبيرٍ من إسرائيل اعتقال أو إيقاف عناصر العرين، فاعتقلت الناشط في حماس مصعب اشتية وعميد طبيلة الناشط في الجبهة الشعبية وهما ناشطين أيضاً في عرين الأسود، وخرجت مظاهرات في مدينة نابلس إلى الشوارع بأمر وتأييدٍ من مجموعة العرين احتجاجًا على اعتقالهما، وبدأت التظاهرات تتحول إلى صدامات مع قوات السلطة الفلسطينية لمدة أيام، لكن توصلت المجموعة مع السلطة إلى تفاهمات تقضي بعدم ملاحقة عناصرها.

وبحسب المحلل في القناة 13 الإسرائيلية ألون بن دافيد، فإن الجيش الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية يبذلون أقصى جهودهم للقضاء والعمل ضد مجموعة عرين الأسود المسلحة في نابلس، حيث سيتمثل جهد السلطة الفلسطينية بالقضاء عليهم داخل المدينة، فيما يتمثل جهد الجيش بالقضاء عليهم خارجها، مؤكداً أن المنظمة الأمنية في إسرائيل تعي جيداً ان نابلس تشكل تهديداً أكبر من جنين.

الرد الإسرائيلي للقضاء على عرين الأسود

بعد تزايد وتبني عرين الأسود عمليات إطلاق نار ضد القوات الإسرائيلية والمستوطنين، والنظر إلى السلطة الفلسطينية على أنها عاجزة عن ضبط الحالة الفلسطينية، وبعد أن أصبحت هذه المجموعة الصغيرة تؤرق الاحتلال، بدأت إسرائيل بأمر من الشاباك ووزارة الجيش بتنفيذ عملياتٍ لتصفية رؤوس وأعضاء عرين الأسود في نابلس، ففي شهر أكتوبر قُتل أحد مؤسسي العرين، ويُدعى تامر كيلاني بانفجار دراجة نارية مفخخة في البلدة القديمة بنابلس، والتي وضعها أحد العملاء، لكن إسرائيل لم تتبنَ العملية، كما قُتل أيضاً أحد المؤسسين ويُدعى وديع الحوح في اشتباك مسلح مع قوات الاحتلال التي تسللت إلى البلدة القديمة في نابلس، حيث اتهمه الاحتلال بالتخطيط لعمليات مُسلحة كان من ضمنها عملية أدت لمقتل جندي إسرائيلي
.

وطلب الاحتلال بعد هذه العمليات من إدارة مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصاً "تيك توك" إغلاق كافّة منصات عرين الأسود، فاستجابت لهذا الأمر كل المنصات إلا منصة التيلجرام التي لا زالت نشطة عليها وتتشر بياناتها من خلالها، فيما أشار وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس بعد استشهاد تامر الكيلاني، أن إسرائيل تفعل كل ما في وسعها للقضاء على المجموعة بطرق مختلفة.

بعد اغتيال الكيلاني تزايدت أعمال المجموعة المسلحة، ووفق القناة 13 العبرية فإن عملية اغتيال تامر الكيلاني لم توقف أو تضر بأنشطة المجموعة، بل وأعلنت إسرائيل وتوقعت ازدياد عمليات الاغتيال ضد عناصر عرين الأسود، حيث أظهرت العمليات اللاحقة استخدام الجيش كافّة الوسائل القتالية الغير اعتيادية، كاستخدام القذائف المحمولة على الكتف واستخدام قذائف دبابات والطائرات بدون طيار، مع التركيز على جلب عناصر وحدة "الدوفدوفان"، والتي تعني بالعربية "الكرز" ولكنها في الحقيقة هي وحدة اغتيالات وميليشيات خاصة بالقتل فقط، كما ذكرت القناة أن الجيش استخدام أسلوب جديد في عمليته ضد عرين الأسود في نابلس لم يستخدمه منذ وقت طويل، لكنها لم تكشف عن ماهيته.

ومن أجل فهم أن عرين الأسود أصبحت عبئاً على الاحتلال، فقد شارك في اغتيال وديع الحوح ونشطاء آخرين خلال عملية واحدة، كل من الشاباك، واليمام، وسييرت متكال، و قناصين، وقوات جفعاتي والقوات الجوية من السماء، بالإضافة إلى قوات من السايبر والهاكرز الإلكتروني.

القادة الإسرائيليون اعتقدوا أن هذه المجموعة لصغر أعمار العناصر فيها، اعتقدوا أنهم همجيون وليس لهم من يديرهم، لكن القائد في دورية جفاتي الضابط أرييل جونين، قال مؤخراً أنه اتضح للمخابرات الإسرائيلية لاحقاً أن هذه المجموعة مُنظمة ومُرتبة ولها زعيم.

تمويل عرين الأسود

حتى كتابة هذا المقال لا يوجد داعم حقيقي لهذه المجموعة، وكل ما يرد في الإعلام عن دعم من إيران أو حماس أو غيرها من الفصائل الآخرى هي عبارة عن تكهنات فقط لا أكثر ولا دليل على ذلك، لكن الوارد على شبكات التواصل وبيانات العرين أن عناصرها هم من يشترون السلاح بأنفسهم من خلال أموالهم الشخصية، ومن ثم يذهبون لمنازلة قوات الاحتلال بعد تخطيط مُحكم.

كتيبة جنين وعرين الأسود

ظهرت كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس تقريباً بالتوازي مع ظهور عرين الأسود، ولكنها مختصة بمنطقة جنين وأصبح لها صيت ذائع كعرين الأسود من خلال عملياتها الجريئة في منطقة "عش الدبابير" كما يحلو للإعلام الإسرائيلي أن يُسميها، لكن في الأسبوع الماضي أعلنت عرين الأسود تبنيها لعملية في نابلس ولكنها هذه المرة افتتحت البيان بكلمة "مجموعات عرين الأسود"، فاستشفها المراقبون على أن العرين تمددت إلى باقي مدن الضفة الغربية وأنها أصبحت فكرة مُقاومة مسلحة مستقلة عابرة للمدن والقرى وقلوب الفلسطينيين على شتّى انتماءاتهم السياسية.

وحتى كتابة هذا المقال، فإن عمليات مجموعات عرين الأسود لا زالت متواصلة ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، ولا زال الأخير يعاني من هذه الضربات ويُقحم كافة أجهزته الأمنية لإيقاف أو للقضاء على هذه المجموعة، في محاولة يائسة منه لجلب الأمن للمستوطنين في مستوطنات نابلس ومحيطها وباقي مدن الضفة الغربية، فقد اعتقد الاحتلال أنه سيواجه كتيبة جنين لوحدها، لكن خرجت له عرين الأسود لتؤرق مضجعه ولتخفف الحمل عن جنين.