.الحرية حلم من يفقدها وهي عشق الثائرون وطريق الحالمون ولا يشعر بها الخانعون، ونحن في فلسطين تُكَبِلُنا القيود التي سَلَبت منا هذه الأحاسيس، إلا أننا أطلقنا لعقولنا العنان لنتذوق طعمها القادمُ من فجر القيامة، وفي هذا السجن الكبير صنعنا لأجسادنا وأرواحنا أجنحةً تحلق في كل الأرض حتى وصلت إلى ضفاف الخلود.


وهذا قدر الله لنا ولأسرانا القابعين خلف متاهات الزمن يرابطون بصمت أبلغ من كل الكلمات، يثبتون كل يوم أنهم ذلك الجيل الذي سيزلزل العروش بكرامة وشرف، صمتهم وجوعهم أبلغ من كل ما قيل على الصفحات وما خط بين دفات الكتب، فنصرخ مكبرين لهذه الهامات الشامخة، مضرب العز والفخار.


هذه المعارك الحقيقية التي تدار اليوم في فلسطين أبطالها من جيل أخر، رجل ملقى على سريره لا حول له ولا قوة إلا بالله، ثم الإصرار والعزم والتحدي، سلاحه أمعاءه الخاوية، سلاح لم يُستخدم في أي من الحضارات السابقة وعلى مر التاريخ، وبعزة وشموخ يُسئُ أسيرنا بجوعه وجوهٌ كالحة يُمرغها في مستنقعات الوحل، فينتصر بضعفه ويهزمهم بصمته ويقتلهم بجوعه، معادلة جديدة في أرض الإسراء ومفهوم جديد لوعد الأخرة يقودها جيل خرج كطائر الفينيق من رماده، يضرب أمثلة جديدة في الصبر والصمود وهو هناك مكبل بصمت خلف القضبان.


فلست أسيرا يا من يشاطرك حزنك الألاف ولست وحيدا يا من تدعوا لك الحناجر مخلصة لأنك أثرت في أرواحهم لا أجسادهم، الارض التي سجنت من أجلها وتدافع عنها مباركة ومبارك ما حولها، ولقد أمر الله أنبيائه بالهجرة إليها، والرباط فيها، وهذا الجسر الذي تمد جسدك النحيل ليعبر عليه العابرون للتحرير وهو جسر أوله يعلمه المناضلون وأخره يعبر عليه الفاتحون لتحقيق وعد الأخرة، وما أنتم إلا البقية الباقية من العمالقة الجبارين الذين سيمرغون الوجوه الكالحة في الوحل، صبرا يا من تبعث في الأمة بجوعك روح الإنتصار، صبراً يامن يتعلم الصبر منكم صبره والجلد، فالله معكم وأنتم خلف قضبان الخلود... أنتم وعد الله في إسرائه فالصبر أيها الصابرون المصابرون المرابطون فسوف ينهزم الجلاد، ويذعن للحق رغم أنفه، وينتصر أسيرنا وهو هيكل كساه اللحم، شامخ كالفرسان في قلب المعركة، عزيز بعزة دينه، فاالله من أعطاه هذا العزم وهو عز وجل من أتى بهذا الجيل من قدره ليصمد أمام قدره، ليعيد كتابة النص القرآني "إن بها قوماً جبارين" بصبره وصموده، ويزلزل بجوعه عروشهم الواهنة ويحقق أول شروط النصر في وعد الأخرة (لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ)، قائلاً لمن سبقوه أيها الصابرون مثلي على صبركم، أيها العابرون فوق جراحات موتكم، أيها المرابطون في جنبات الهم وحدكم، يا من صمدتم بصمت بليغ فكسرتم حواجز الظُلم والظَّلَمة، ورسمتم لنا الطريق الذي مهدته أرواحكم الطاهرة حين عَبَرت جنبات الخلود معلنة بشارات النصر القادم من وعد الأخر قائلةً:

قسما سأعود إليك يا وطني

فإن لم يعد جسدي

فروحي عائدة لا محالة

وهناك ستقف فوق بوابات القدس

على فرسها المجنح

تكبر مع العائدين

.

نبض القلم: مصطفى بلبيسي
مدير المركز الثقافي الجزائري في فلسطين
www.omelketab.com