الحاج سرحان دخل البرلمان
بقلم: محمود خليفة
بعد انتخاب الحاج سرحان كرئيس للجنة الشباب والرياضة بأغلبية ساحقة، وقف الحاج موتة رئيس مجلس النواب ليقدم الحاج سرحان لأعضاء المجلس:
-أقدم للسادة النواب الحاج سرحان الصاحي وهو جدير باختياركم...
وضع الحاج موتة يده على فمه ليكتم التثاؤب، وبعدها دخل في فترة سباته الصباحية.
وقف الحاج سرحان في منصة البرلمان يشرح برنامج لجنة الشباب والرياضة:
-الأخوة النواب المعترضون على توليتي رئاسة لجنة الشباب والرياضة غلطانون!
ضاق نفس الحاج سرحان فأخرج بخاخ الربو وأخذ نَفَسين وأكمل:
-أنا أكثر واحد يعرف مطالب الشباب.
وواصل:
-يا أخوة، أنا حاصل على ترتيب الأول في اختراق الضاحية عام 1953، وأنا حاصل أيضا على الترتيب الأول في العدو مسافة 500 متر في نادي مختار التتش عام 1954؛ فأنا فلست بعيدا عن الشباب والرياضة...
صمت الحاج سرحان ليتنفس بعمق وليدخل أكبر قدر من الهواء إلى رئتيه، وأثناء صمته قال الحاج راضي مرضود بصوت عال:
-أنا معي (سى دي) للحاج سرحان وهو يتسلم كأس نادي محتار التتش عام 1954!
حدث لغط وجلبة وصخب، وقال أحد الأعضاء:
-الكمبيوتر لم يكن موجودا عام 54 يا حاج راضي!
وأردف عضو آخر:
-ولم يكن في ذلك الوقت أي أسطوانات أو سيديهات المعروفة الآن!
فاعترض الحاج راضي بعنف:
-لا، الكمبيوتر معروف منذ بداية الخمسينات.
فغضب عضو ثالث:
-ولكن بلدنا لم تكن تعرف الكمبيوتر في ذلك الوقت!
وعضو رابع:
-والكمبيوتر في الخمسينات كان حجمه يملأ غرفة كبيرة يا حاج راضي ولم تكن به أي أسطوانات!
فقال عضو خامس بحماس ونبرة ساخرة:
-أحضر أسطوانة الحاج سرحان عام 54 غدا يا حاج راضي.
فضحك عضو سادس بسخرية أكثر وقال:
-يا سادة يا نواب، الحاج راضي مرضود كان عمره 3 سنوات عام 1954!
فقام الحاج راضي غاضبا وقال:
- أنا ورثت السيديهات عن المرحوم أبي!...
*****
أفاق الحاج سرحان من سرحانه في فضاء قاعة مجلس النواب وقال:
-أنا بردان يا وهيبة، هاتِ الجاكت.
فانفجر المجلس ضحكا...
همهم أكثر من عضو من البرلمان:
-الحاج سرحان عنده عته الشيخوخة.
-يبدو أن ضيق وتصلب الشرايين قد أثر بقوة على الذاكرة.
-ضريبة ندفعها عند شيخوختنا.
-أنا كنت معترضا على انتخابه كرئيس للجنة الشباب.
-يا ليت الشباب يعود يوما!...
*****
بدأ الحاج سرحان يشعر بالدفء، فقال بحماس:
-أنا معترض على القسم الذي نقسمه في مجلسنا الموقر لأنه لا توجد فيه جملة "وأن نحترم ونعظم الموتى".
فاعترض عضو 1:
-أنا أختلف معاك يا سيادة النائب على تعظيم الموتى؛ لأن هذا سيؤدي إلى الشرك بالله والعياذ بالله!
فقال عضو 2:
-ليس فيه شرك بالله.
وعضو 3:
-فيه شرك بالله.
-ليس فيه شرك بالله.
-فيه شرك بالله ...
-ليس فيه شرك بالله لأننا لن نعبد الموتى.
وامتد اللغط والجدال والاختلاف بعرض المجلس وطوله، وكان الحاج موتة، رئيس المجلس، لازال نائما في غفوته الصباحية...
غضب عضو 1 وهتف بقوة:
-تعظيم الموتى يؤدي إلى الشرك بالله يا سادة يا نواب الشعب...
امتعض رئيس لجنة الشباب والرياضة:
-ليس هناك أي شرك بالله يا سادة.
وأردف:
-وأنا مندهش من مجيء العناصر المتطرفة إلى مجلسنا الموقر!
وتابع:
-وحضارتنا القديمة كانت تعظم الموتى بدون شرك بالله.
فاعترض عضو 1 وهتف:
-حضارتنا القديمة كانت حضارة وثنية!
وكرر كلمة (وثنية)...
حدثت جلبة في المجلس لاعتراضهم على عضو 1، وقال أحدهم:
-حضارتنا القديمة ليست وثنية يا هذا.
-بل وثنية.
-ليست وثنية.
-بل وثنية، وكانت تعظم تماثيل الموتى.
-ليست وثنية.
فتضايق الحاج سرحان وزعق بأعلى صوته:
-أقولها لرابع مرة: منْ الذي جاء بالعناصر المتطرفة إلى مجلسنا الموقر؟!
وتقلصت الشعب الهوائية للحاج سرحان وانكتم نَفَسه؛ فأخرج بخاخ الربو وأخذ نفسين وقال:
- الرياضة لا تعني أن ننسى نهاية كل مواطن على تراب هذا الوطن الغالي.
وبدأ يقرأ من أوراق أمامه برنامج لجنة الشباب والرياضة:
- أولا: مشروع كفن لكل مواطن لأن إكرام الميت دفنه.
ثانيا: مشروع تبييض المقابر في البلد كلها وتوحيد هذا اللون، ويمكن أن نناقش اللون المناسب ونصوت عليه في الآخر.
ثالثا: مشروع زرع الصبار أمام حوش كل مقبرة وسقيه كل فترة.
وضرب المنصة بيديه بقوة وزعق بأعلى صوته:
-للأسف الصبار يترك أمام المقابر لفترات طويلة بدون سقي؛ وهذا يجعله يذبل!
وواصل وهو يهتف بحماس بالغ:
-سقي صبار المقابر مشروع أمن قومي.
وتساءل بعنف:
-أتفهمون؟...
*****
ضاق نَفَس الحاج سرحان بقوة ؛ فتهف بأعلى صوته:
-هاتِ البخاخ يا وهيبة!
فانفجر المجلس ضحكا، وصاح أكثر من عضو:
-البخاخ في جيب الصِديري يا حاج سرحان.
فأخرج بخاخ الربو وأخذ نَفَسين ولم يضعه في جيب الصِديري، إنما استمر فترة يتنفس من البخاخ...
وضرب أكثر من عضو بيديه وغمغم أكثر من صوت:
-كان الله في عونه.
-كيف اخترناه؟!
-الله يخرب بيت الذين أمرونا أن ننتخبه.
-رئيس لجنة الشباب!
-المفروض أن يكون رئيس لجنة الموتى!...
ضحك كثير من الأعضاء ساخرين، وتراشقت التعليقات الساخرة:
-مشروع كفن لكل مواطن!
-تبييض المقابر.
-زراعة الصبار أمام كل مقبرة.
-سقي صبار المقابر مشروع قومي!
وقهقه عضو خامس وهو يقول:
-الأفضل أن تكون بيوتنا بجوار المقابر للمشاركة في المشاريع المقابرية القومية للحاج سرحان!...
*****
تحسنت صحة الحاج سرحان فقال وهو يفحص عيون النواب بنظرات متثائبة ناعسة:
-وهذه المشاريع ستوفر فرص عمل للشباب.
واستكمل من الورق الذي أمامه:
-ومن برنامج لجنة الشباب والرياضة:
إنشاء مصانع التوابيت في كل محافظات بلدنا المحبوب.
زراعة أشجار الصندل لاستخراج خشب التوابيت.
اعترض أكثر من عضو على شجر الصندل:
-أنا أرى أن نستخدم خشب زان.
وآخر:
-أنا أرى أن نستخدم خشب السرو.
وثالث:
-لا، يجب استخدام خشب أرو.
ورابع:
- خشب البينو متين وشكله رائع.
فاعترض الحاج سرحان وقال:
-لا يا سادة، خشب البينو يستورد من الخارج بالعملة الصعبة.
فقال عضو خامس بحماس:
-أنا أرى أن نستخدم خشب الموسكي لأنه رخيص.
فقام عضو سادس معترضا وقال بزعيق:
-خشب الموسكي ليست له متانة، ويمكن أن ينكسر والميت داخل التابوت!
فحدث صخب ولغط وقهقهة؛ فأفاق الحاج موتة رئيس المجلس من غفوته وقال بتثاؤب:
-لا داعي للاختلاف يا أخوة.
ووضع يده على فمه المتثائب وأردف بصوت ممطوط:
- يمكن أن نقترع على ما تختلفون عليه.
لم يترك الحاج سرحان فرصة للاقتراع، وقال:
-سأكمل برنامج لجنة الشباب والرياضة وبعدها سنقترع على نوع الخشب المناسب لصناعة التوابيت مع العلم أن خشب الزان غال الثمن وكذلك خشب البينو.
وتحمس وهو يقرأ البرنامج من الورق:
-إعادة تشغيل التشريفة أمام كل نعش.
توظيف مهنة الحانوتي في الدوائر الحكومية، وأن يعمل السيد وزير المالية على توفير درجات مالية لهذه الوظيفة، وأن تكون فرص التوظيف للشباب.
زيارة كل عضو منا للعزاء لكل ميت في دائرته...
اعترض أكثر من عضو على البند الأخير، وقال أحدهم:
-كيف سنزور لنعزي كل ميت في حينا؟!
وثان:
-هل يوجد وقت لهذا؟!
وثالث:
-الأفضل أن نعزي في أهل العزوة.
ورابع:
-فعلا، يجب أن نعزي في العائلات الشهيرة والتي ستأتي لنا بأصوات في الانتخابات المقبلة.
وخامس:
-أنا غير موافق على الإكتفاء بالعزاء في العائلات الشهيرة بسبب غرض مادي، إنما الأفضل أن يعزي كل عضو في كل الموتى في دائرته؛ لأن هذا العمل لله وحده.
فقال عضو 1:
-الأفضل أن نعزي ساعة الدفن لأن هذا هو الدين الحق، أما العزاء في سرادق العزاء فهو بدعة!
فرد عليه عضو 2:
-سرادق العزاء ليس ببدعة.
-بل بدعة.
-ليس ببدعة.
وتراشق الاتهامات والموافقات والاعتراضات كالعادة...
بدأت غيوم من سحائب اللاوعي تتحرك أمام عيني الحاج سرحان؛ فانتبه وقال بصوت واه:
-يا وهيبة، أحضري الأنسولين من السيارة.
وأكمل بصوت أكثر وهنا:
- لقد نسيت أن أخذ الجرعة صباحا...
وبعدها أغمى عليه...
نشر في جريدة الشعب في هذا الرابط:
http://www.elshaab.org/elshaab-mail/view/217046/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A7%D8%AC-%D8%B3%D8%B1%D8%AD%D8%A7%D9%86-%D8%AF%D8%AE%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86