تقديم وصلاة وتسليم :

بسم الله الرحمن الرحيم وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد هو خير من حج واعتمر ، واله وصحبه أخذوا عنه المناسك والدين حتى ظهر ، وعلى اخوانه ما منهم الا لهم اتبع واستغفر .

الحج لغة هو القصد " والمقصود الله " كما تقول الحكمة الدارجة .فليست رحلة الحج الا هجرة الى الله ورسوله يلبي المسلم نداء الله الملقى على لسان خليل الرحمان فيؤوب ويتوب طمعا في محو الذنوب . وهل يضام من حل ضيفا بالبيت الحرام ، ولبى وصلى بالمقام ، وطاف للقدوم والختام ، وسعى ووقف وهام، ونزل مزدلفة وذكر في المشعر الحرام، وبمنى بات ونام .

"الحج "سورة في القرآن بين "الأنبياء" و "المومنون " كما هو الحج عبادة الأنبياء ابراهيم واسماعيل ومحمد عليهم السلام بهداهم يقتدي المومنون .

1_الحج ذكرى وبشرى ومنافع أخرى :

تُطالعنا سورة الحج بالتذكير بالساعة وزلزلتها وذهول المراضع وسكرة الناس. تُنْكر جدال بعضهم في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير واتباعهم الشيطان المَريد. تُحَاجِج منكري البعث تقدم الدلائل تستحث العقول . تكشف شك الناس وضعف يقينهم في ربهم ونصره .

فما علاقة هذا بالحج ؟

في الحج يذكر المسلم الموت والساعة والحشر والنشر . فهو يودع الأهل ويوصي يعفو ويصفح ثم يغتسل ويحرم ويتجرد من اللباس كما يُغَسل الميت ويكفن ويُشَيَّع. وفي الطواف والسعي والرّمل في الأشواط الثلاثة والهرولة بين العلمين تمثل للحشر والنشر أما الوقوف بعرفة كالوقوف بين يدي الله للحساب والجزاء .

في الحج يذهل الناس من هيبة المكان والزمان ومن عظمة المَزُور وكرمه وتراهم سكارى بألطاف المقصود وأنواره وما هم بسكارى .

فيه يحرم الجدال "فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج" .جدال الناس في قضايا الناس فأحرى بالجدال في رب الناس.

ويُرجم الشيطان المَريد ويُعبد الله عن حق ويقين لا على حرف وشك .

في الحج تكون في توافق مع الكون تسجد كما يسجد من في السماوات والارض " أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ "_الحج /18_

تطوف كما تطوف النجوم في المجرات والالكترونات في الذرات .

في الحج أقوام وأجناس لكل ميقات "والمقصود الله " "وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۗ فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا"_ 34 الحج_ ." لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ ۖ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ ۚ "_67 الحج._

في الحج دفاع وتدافع لا يشغلنك ذاك عن ذكر لله .ولا يجرمنك ذاك أن تعتدي على ضيوف الله .

"ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز" ._40 الحج _.

في الحج تمكين ونصر .ايمان يتمكن في القلوب ونصر على الهوى والشيطان أولا يتلو ذاك تمكين للأمة ونصر بما تجدد من ايمان وبذكر لله واخبات له .

"الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمور"  _48الحج_

كان الحج _وسيعود ان شاء الله _ موعدا لمناقشة قضايا الأمة وحل مشاكلها والتعاون على البر والتقوى .رحم الله يحيى بن ابراهيم أمير صنهاجة الذي صحب في عودته من الحج من القيروان عبد الله بن ياسين ليعلم قبائل الصحراء الدين فأسس لدولة المرابطين التي فتحت افريقيا ومكنت للاسلام في الأندلس كل ذاك ببركات الحج وجهاد رجال صادقين .فرضي الله عن يحيى وبن ياسين وبن تاشفين .

2 _الحج فرقان بين الكفر والايمان :

هو للمؤمن نقاء وشفاء وتَحَقُّقُ رجاء وهو للكافر بلاء وجفاء وضنك شقاء. المؤمن يعمل صالحا ويقول طيبا يشهد منافع يصبر ويدافع ويذكر اسم الله والكافر يصد عنه يلحد فيه يظلم يَكْذب ويُكَذِّب .

نقرأ الايات التالية من سورة الحج دائما للمقارنة بين الايمان والكفر .

"إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ "_25الحج_

"فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ" _51 الحج_

"وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ" _58 الحج_

3 _الحج رفع حرج وارتقاء درج :

قال الله تعالى في ختام سورة الحج "هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ"

وروى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ما سئل عن شيء قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال :"افعل ولا حرج " .رفع الحرج هو سنة نبينا الزهراء و ملة أبينا ابراهيم الغراء . أما التكلف فليس من الدين في شيء .ذاك التكلف الذي يفرضه حكام الجبر على الحجاج بأثمنة ناصبة كاذبة واجراءات خاطئة غير صائبة وذاك التكلف الذي يُشيعه علماء النفط في الحج بالكلمة الفصل " بدعة يا حاج " .وذاك التكلف الذي يفعله كثير من الناس جهلا ورياء .

والحج اعتصام بالله فارتقاء الى درجات القرب من الله والولاية لله لا اله الا الله "هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير " _78 الحج_