ظلت المملكة العربية السعودية عقوداً من الزمن رمزاً دينياً ومحوراً إسلامياً , خلقت رمزيتها من احتضانها للحرمين الشريفين ومازالت السعودية تمتلك نفس الرمزية التي وهبتها لها المقدسات التي على أراضيها لكن رمزيتها الدينية وخطابها الديني الذي كان لفترة ماضية يعتبر الخطاب الإسلامي السني الأول بدأ يذبل.
جمود الخطاب الديني ومقاومة السلفيين لدعوات التغيير ومحاولات الإصلاح والتجديد واصفينها بالتغريب تارةً وبتمييع الدين تارة أخرى ومحاولة العلمنة في الآونة الأخيرة جعل من هذا الخطاب خطاباً قديماً لا يتوائم وعصره حتى أصبح عبئاً على المسلمين ضد هجمات "الإسلاموفوبيا" التي تشتم المسلمين برجعيتهم مستدلين بذلك على النظام الديني في قلب العالم الإسلامي الذي يمنع المرأة من قيادة السيارة ويفرض على الراشدة ولياً قد يصغرها سناً ويكفر المخالف بالمجمل ...ألخ , مايدفع بهؤلاء المسلمين إلى الدفاع عن دينهم بالتملص من هذا الخطاب وأنه يعني السعودية كنظام سياسي ولا علاقة لهم كمسلمين به .
الإسلام السعودي أو مايطلح على تسميته بالوهابية لايملك مشروعاً نهضوياً وهذا مايجعله عبئ على الجميع , فكل مايفعله رموزه هو تثبيت أقدامهم على المكابح في حين تتدحرج العجلة إلى الأمام , العجلة التي يقودها جيل مسلم متنور وصفتهم الغارديان البريطانية بأنهم "الجيل المسلم الذي سيغير العالم" كونهم جيل يملك هوية ومتمسك بدين وفي نفس الوقت لديه القدرة على الإندماج مع النموذج الحضاري العالمي في لبسه واهتماماته بالموضة والتكنولجيا وتسريحة الشعر والمثفقين والحضارات المختلفة في حين يتمسك بحجابه وأداء صلاته وعباداته المؤطرة بإطار ديني.
هذا الجيل الحداثي يحتاج إلى خطاب حديث يشبع له طموحه في أن يقدم له هويةً اسلامية تحترم وتحكم سلوكه في نفس الوقت تشبع له طموحه في أن يعيش جزء من العالم الحديث والمتسارع ويجد فيه مايمكن أن يجده في تلك البلدان التي كان يحلم بالهجرة إليها , هذا الشئ لا يجده في قلب العالم الإسلامي "المملكة العربية السعودية".
منذ اندلاع الربيع العربي ظهر للعالم الإسلامي نموذجاً لبلد يشبه كثيراً دول المهجر لكن هنا هم ليسوا بحاجة للتخلي عن هويتهم ليذوبوا في مجتمعها كونها تقدم خطاباً ونموذجاً إسلامياً حديث وعصري , جعل لها ذلك هالة عظيمة جداً استثمرتها تركيا كقوة ناعمة خدمت نفوذها في الشرق الأوسط والأدنى وإقتصادها ايضاً حيث تحولت لقبلة سياحية للسائح العربي والمسلم وجعل من الخطاب السياسي الصادر من انقرة للعالمين العربي والإسلامي أكثراً تأثيراً من أي خطاب آخر .
تحول تركيا إلى محط أنظار وافئدة العرب والمسلمين كدولة ناجحة وتقدم خطاباً إسلامياً واضحاً ومتدرجاً يتضح ويزيد عمقاً كلما تقدمت السنوات بحزب العدالة والتنمية وهم في سدة الحكم , في حين ذهب البعض إلى ابعد من ذلك فجمهور أردوغان في العالم العربي ينتظرون اليوم الذي تنزع فيه تركيا عبائة العلمانية بشكل جذري وتتحول لدولة إسلامية اصولية صرفة , واعتقد بأن انتظارهم سيطول كثيراً وربما سيأتيهم أمر الله قبل ذلك اليوم فتركيا فهمت المعادلة وأدركت بأن تحولها لمحور للعالم الإسلامي ليس لأنها دولة إسلامية ناجحة بل لأنها دولة إسلامية "عصرية" ناجحة.
twitter: @_7ziiad