لمرةٍ فقط لا تتخذي قراراً وتتسرعي، دعي الأمورَ تأخذُ مجراها دون أن تندمي أنك ضيعت ما ظننتِ يوماً أنه لكِ.
اجعلي بين عينيك إيمانُك بأن ما كُتب لك مُقدرٌ عليكِ لترتاحي، فليست كل الأمور بيدك.
في الطريق تذكري أن أباكِ علمكِ السباحةَ وجدك علمك ألا تخافي من الماء، وأنتِ لا تخشيه! لكن تذكري تعليمات أبيك دائماً: "هدفُكِ أن تبقِ على السطح وإن كان جسمك داخل الماء لكن ابقِ رأسك خارجه لتنجي! ، لا تتركي نفسك للغرق فقد تضيعُ حياتك بلحظة.
لا تخدعك المياه إن كانت راكدة فتتركي نفسك لها لتحملك وتتمددي مسترخية عليها، تذكري أنها تستطيع خداعك! لا تستسلمي لذلك الشعور اللطيف وخاصةً إن كان تحت شمسٍ دافئة وعيناك تتطلع إلى السماء التي بسطت غيومها كلوحةٍ فنية فيأخذك جمال الحياة وتنسين أنك محمولة على ماء راكدٍ حتى حين، وأن الأمور قد تتغير بلحظة.
وإن تغير، فلتكن لديك المرونة للعودة إلى المبدأ! تذكري أنك تتقنين السباحة، حركي قدميك ويديك وابذلي الجهد واستعيدي توازنك وستصلين إلى الضفةِ الآمنة.
وتذكري أن "الضفةً الآمنة" ليست واحدةً فقط، لا تجعلي وجهتك تنسيك أن الأمان قد يكون حيثُ بدأتِ، لا تنسي أنك انطلقت من ضفة وأنها أيضاً يابسة، لا تقسِ على نفسك وتحكمي عليها أنها عادت من حيثُ بدأت متجاهلة الأمان الذي أنت فيه وأنك في مأمن من الماء والغرق، استحضري دوماً أن هذا هو الأهم.
على ذكرِ الغرق، تذكري أنه احتمالٌ وارد، رغم دروس أبيكِ واعتيادك السباحة في الماء العميق لسنينَ طويلةٍ، فقد لا تكونين بمأمنٍ دائم من الخطر الذي يرافق كُل مغامرة، ولهذا تجهزي بنفس المبدأ التي عُلمتهِ في صِغرك، قومي بتمرين النفس لأكبر فترةِ تحت الماء، لا تفزعي وتجزعي وركزي على إنقاذ نفسك.
أهم ما في الأمرِ هُنا، أن كثير ممن يهمه أمركِ سينتبه أنك تغرقين وسيمدُ لك يدهُ أو حبله لتنجي، لا تتجاهلي هذه الأيدي ولا تحسبيها وهماً أو سراب، لا تستسلمي وتقولي هذا ما قُدري!
آمني بالقدر نعم، لكن لا تتنبئي به! سُمي قدراً لأنك لا تعرفينه وعلى هذا فمن من الممكن أن يكون قدرك أن تنجي عن طريق يدٍ مُدت لك. لا تتجاهليها!
استمتعي بالرحلة، سواءً كانت المياه راكدةً أم هائجة، نقيةً أم عكرة، مالحةً أم حلوة، سواء كان الجو مُشمس أو ماطر، عاصفٌ أم صحو. ألم تعتادي التحديات؟ بل وأحببتها واستمعتي بمواجهتها ، ألم تختاريها بإرادتكِ أحياناً؟ فقط لأنك جربت شعورَ نشوة تجاوزها وأدمنته!
لا تستثني أي تجربة! فلكُلٍّ لها تحدياتها سواءً أحببت وجودها أم لا. ركزي فقط على خوضها كما اعتدت، وإن فشلتِ فأنتِ خيرُ من رضيَ وقال: "حاولت ولم يُقدّر لي!" رضيتِ بأصعب من هذا وخضتي من التحديات أكبرها فما الجديد الآن؟
فقط لكونك تعلمتي السباحة بعمرٍ صغير وسبحتي في مسابح وبحار وبحيراتٍ؛ لا يعني أنكِ جربتِ كُل شيء، فمهما خُضتي ونجوتِ في بحارِ الحياة، هناك بحارٌ لا تعلمين عن أمواجها شيئاً ولا عن أعماقها معلومةً، ولهذا أُذكرك أنه ليس عيباً أن تستعيني بوسائل تُساعدك على الطفو على الماء، حتى وإن كُنت بمرحلةٍ ما قد علّمتِ غيرك الطفو وأنقذتهم من الغرق، لا تُخدَش كرامتك أمام نفسك إن استعنتِ بما يساعدك على خوض بحار جديدة أمواجها مجهولة، ورياحها عاصفة وبرُ الأمان فيها لا يُرى إلا سراباً. أن تقبلي لنفسك طلب المساعدة خيرٌ لك من وحش الغرق، فإنك لا تعرفين كم سيستغرق الوصول إلى جزيرةً آمنة، تكونين فيها بمأمن من كُل مخاوفك.
وأخيراً، لا تستهيني بالفطنةِ والحدس والتحليل والدراسة على طول الطريق، فإذا ما رأيت واحةً سوداء في منتصف المحيط، اعلمي أن تلوثاً ما قد حصل؛ قد يكون أنبوب نفط تحت البحار قد انفجر، ابتعدي فهذه لم تُعد مغامرة ولا تحدي، فأنتِ تعلمين أن الموتَ مُحتمٌ هنا، والحتميةُ مؤكدةٌ بما رأته عينك ولربما شممه أنفكِ وبتحليلك المنطقي أن بقائك هُنا يعني نهايتك.
هنا فقط أنقذي نفسك! وأما ما عدا ذلك فخوضي التجربة وعيشيها إلى نهايتها ولا تستعجلي الحُكم عليها ولا على نفسك!