منذ زمن طويل وشمسنا العراقية العظيمة تميل نحو الغروب وبعد طول انتظار بدأت خيوط الفجر العراقي تظهر في الافق ... , اذ شهدت السنوات الماضية تزايدا ملحوظا في ارتفاع مناسيب الوعي السياسي والحضاري للجماهير العراقية , و شيوع الظاهرة الوطنية من خلال الاهتمام بكل ما هو عراقي اصيل ؛ واقصاء ونبذ كل ما هو اجنبي وغريب ودخيل عن الساحة العراقية , واحتدام النقاشات والحوارات الثقافية والفكرية والنخبوية حول مفهوم الامة العراقية وتأصيل الهوية الوطنية الجامعة .
نعم ان للتاريخ دورة وهو يتحرك وفقا للسنن التاريخية والنواميس الكونية والارهاصات والمخاضات الاجتماعية والثقافية والفكرية والسياسية ... ؛ وها قد بدئت بوادر تحرك عجلة الأمة العراقية لكي تعود وتنهض من جديد ؛ فالوطن الذي صنع اول عجلة في التاريخ ينبغي ان لا تتوقف عجلته كل هذا الوقت الطويل .
يراودني الامل في ان تكون السنوات القادمة هي سنوات نهوض وصحوة للأمة العراقية , و تحررها من كل الاغلال والقيود الخارجية والداخلية ؛ فلن تكون سجينة عند الاخرين ؛ او واقعة تحت رحمة الدول الاستعمارية والاستكبارية والاقليمية ودول الجوار؛ فهؤلاء اضعف من يجهزوا على الامة العراقية العظيمة ؛ والصراع التاريخي بيننا وبين هؤلاء الدخلاء والغرباء المنكوسين والاجانب المحتلين والمستعمرين لا ينتهي ؛ ففي قلب كل عراقي اصيل ثورة عارمة وغضب هادر على الاجانب والغرباء والدخلاء المنكوسين وعملائهم من ابناء وجماعات الفئة الهجينة ومرتزقة و(غمان ) الاغلبية وباقي مكونات الامة ؛ لأنهم كانوا دائما لا يجمعهم سوى شيء واحد : الا وهو تمزيق العراق وتدميره وتخريبه والحاق الاذى والضرر بالأغلبية والامة العراقية فحسب .
نعم استخدمت الفئة الهجينة بالتعاون مع الاجانب والغرباء والمرتزقة والمنكوسين من حثالة الاغلبية والامة العراقية ؛ كل وسائل الإعلام ومراكز الفكر والثقافة في تشويه سمعة الامة والاغلبية العراقية وتأخير نهوضها وتحررها من خلال صنع النماذج النمطية المشوهة والسلبية ؛ فقد زرعوا في اذهان الناس والعرب والعالم صورة نمطية عن ابناء الاغلبية والامة العراقية ؛ اذ قالوا عن العراقي الاصيل : بانه شخص مجنون وعاطفي وجاهل ومتخلف وهمجي و وسخ وشاذ ورجعي وشيوعي وشعوبي ومنحرف وسارق وعديم الشرف والغيرة ولا يستحق الحياة فضلا عن الديمقراطية ... الخ ؛ بالإضافة الى بث الاخبار والرؤى والافكار السلبية والكاذبة والهدامة ونشر الخوف والرعب والقلق والخرافة والاوهام بين اوساط العراقيين ؛ وهم مبدعون في ذلك فقد أخرجت استوديوهات واذاعات وصحف ومجلات ومعاهد وجامعات هؤلاء الغرباء الدخلاء المشاهد البائسة والمسرحيات الكاذبة والسيناريوهات المفبركة لتشويه سمعة الاغلبية والامة ؛ وتثبيط عزيمتها وشل ارادتها ؛ في اكبر كذبة عرفها التاريخ العراقي المعاصر ؛ اكاذيب مقيتة وافتراءات مقززة لدرجة القرف والتقيؤ يرددها هؤلاء الاعداء ضد العراقي الاصيل .... , هؤلاء العملاء الاوغاد يستخفون بعقول العراقيين الاصلاء ؛ وهذا هو ملعبهم الحقيقي : صناعة التدليس والتزوير والدجل و الخداع والكذب فقط .... ورغم كل هذا الضخ الهائل من الأكاذيب ؛ وصناعة الصور النمطية لكل ابناء الاغلبية والامة العراقية ؛ تبقى صورة العراقي الاصيل ناصعة , فلن تحجب الشمس بغربال ؛ و سوف ينتهي كل هذا العبث والدجل والى الأبد .... .
و لكن لابد إن لا يطول صبر الأمة العراقية على هذا الغبن والعداء السافر ... ؛ وهذا الواقع المزري الذي لا يليق بالعراقي الاصيل ولا يعكس كبرياء وعنفوان و تاريخ وحضارة الأمة العراقية العظيمة ؛ و لإزاحة هذا الواقع الخارجي المفروض على الامة وابعاده عن المشهد العراقي ؛ لابد لنا من القيام بثورة ثقافية وفكرية واجتماعية وسياسية واقتصادية كبرى ؛ نصحح من خلالها اخطاء الماضي ونقوم المعوج ونضع الرجل المناسب في المكان المناسب ... ؛ فلا اليمين ولا اليسار العراقي لدية الحل ؛ ولا يوجد في جعبة الاحزاب والحركات الاسلامية والقومية والاممية والطائفية والعنصرية شيء غير الشعارات الرنانة والخطب الطنانة ... ؛ وعليه لم يعد إمام هذه الأمة العراقية طريق نجاة سوى التحول نحو العقيدة الوطنية , والتمسك بالهوية العراقية العريقة , واحياء مشروع الامة العراقية الجامعة .
ويبقى السبب الجوهري والرئيسي في تأخر نهوض الامة هو: غياب القيادات السياسية والثقافية والفكرية والاجتماعية الفاعلة والايجابية ؛ والتي يجب ان تكون على قدر المسؤولية التاريخية ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية والمتمثلة بالأعداء والخط المنكوس ... , فالأمة العراقية قد حباها الله بالخيرات والثروات والطاقات البشرية العظيمة ؛ نعم ان ابناء الامة العراقية هم الاذكى والافضل والانشط من حيث اكتساب المعلومات واتقان الصناعات والمهارات على الإطلاق قياسا بشعوب وامم المنطقة والجوار ... ؛ فتخيل معي عزيزي القارئ : تحول ابناء الأمة العراقية قاطبة الى ميادين العلم والمعرفة والصناعة والزراعة والتجارة والانتاج والاختراع والبناء والتنمية مع توفر كل هذه الإمكانيات المادية من الثروات الطبيعية الهائلة والطاقات البشرية والعقول المفكرة والمبدعة ... ؛ عندها تنصهر المادة والعقل والطاقة والتاريخ والحضارة في لحظة زمنية عظيمة وبوتقة وطنية مغيبة لم يتصورها الجميع ؛ حقا هنا فقط سوف "ينتهي دور الاعداء والخط المنكوس " ... ؛ ويتحقق الحلم العراقي العظيم ويبزغ فجر الامة من جديد ؛ فلا دموع تماسيح الفئة الهجينة ولا عواء الغرباء ولا نهيق الدخلاء ولا تدخلات دول الجوار السلبية تقوى على الوقوف امام هذا المارد العراقي الجبار المرتقب ؛ ولتتحالف بعد ذلك كل الكلاب السائبة ولتتجمع في الخرائب العفنة ؛ فتلك الحركات المنكوسة والنشاطات المشبوهة لن تجدي نفعا وقتها ؛ لان الأسد البابلي العراقي فوق كرسيه في بابل متوثب لابتلاعهم جميعا , والفالة الجنوبية بانتظارهم .
ولا تيأس اخي العراقي الاصيل لأنني اكتب هذه السطور وسط كل هذا الركام من الضياع والهوان والتشظي والتقهقر وفقدان البوصلة والتدخلات الاجنبية والغريبة التي تمر بها امتنا العراقية – اقصد بذلك نسبة كبيرة او اغلبية الامة - ؛ لان هذه التجارب والازمات والانتكاسات قد مرت بها امم اخرى ايضا وقد عانت أكثر من معاناتنا الحالية , بل ان تلك الأمم مرت بظروف قاسية جدا جعلتها أكثر ذُلاً وهوانا وانكسارا من حالنا اليوم ، ومع ذلك نفضت عنها غبار الهزيمة والذل ونهضت من جديد وانتصرت في الكثير من الميادين ... .
وليكن في علمكم سادتي الاعزاء ان نهوض الامة العراقية متوقف على احياء الروح العراقية الاصيلة اولا وبناء الانسان العراقي وتنميته وتطويره ثانيا ؛ فلا فائدة من امتلاك الأسلحة , وبناء الجامعات وناطحات السحاب , وتطوير الطرق والجسور والشوارع , وانشاء المعامل والمصانع , واقامة المتاحف والمختبرات , والتنقيب عن المزيد من النفط والغاز والمعادن واستقطاب الاستثمارات ... ؛ قبل أن نبني الفرد العراقي الاصيل - المنتمي للعراق - الذي يعتز بلغته وتاريخه وحضارته وتقاليده وعاداته الايجابية وامته العراقية ، عند إذ سنتمكن من بناء وطن قوي منيع ومتطور يكون ضمن دائرة منظومة الحداثة العالمية.