ومما قاله الكاتب الكبير وليم شكسبير : (( لا تهتم بمن يكون رائعا في البداية  ... اهتم بمن يبقي رائعا الى ما لا نهاية )) .

نعم عزيزي القارئ الكل جيد في البدايات او قد يتراءى لنا بأنه رائعا , والبدايات خفيفة المؤونة لاسيما في المجتمعات التي تكثر فيها حالات  المجاملات الزائفة والادعاءات  العاطفية الفارغة والعلاقات المزيفة ؛  فالعبرة ليست في البدايات ؛ بل العبرة بمن يمسك يدك حتى النهاية ؛ فليست البداية الجيدة شرطا لنهاية جيدة ؛ اذ قد تغوينا البدايات الجيدة وتوهمنا بأن النهايات سوف تكون كالبدايات ؛ ولا نعلم ان البداية تمثل نصف الطريق ليس الا , فكل أمر رأيته رائعا في البداية لا يعني بالضرورة انه سيكون رائعا في النهاية ايضا . 

بل قد تفضي بعض البدايات الجميلة الى نهايات بشعة ومؤلمة وجارحة ؛ وكما قالت الروائية  أحلام مستغانمي  : (( لم يعد يغريني أحد فجميعهم في البداية رائعون وفي النهاية حدث ولا حرج ))  ؛ بلى قد تكذب النهاية البداية ؛ العبرة بالنهاية وليست في البداية أبداً ، فالبدايات كاذبة مهما كانت مُقنعة ، والنهايات صادقة مهما كانت قاسية .  

يرى بعض الأفراد المرضى واللامبالين والسطحيين   أن كثرة الدخول في العلاقات الاجتماعية والعاطفية المتعددة ضرورة حياتية لممارسة المتعة والحصول على الخبرة ؛ فكثرة علاقاتهم تجعلهم يعرفون أكثر عن خفايا الحب واسرار الصداقة وما الى ذلك من التصورات ... ؛ ولكن هذه الاعتقادات ما هي إلا نوع من أنواع التضليل والوهم والخداع ، لأن الخبرة التي يحوزها هؤلاء الأفراد من جراء علاقاتهم المتكررة، ما هي إلا خبرة في "الإنهاء السريع للعلاقات والبدء من جديد" وليست خبرة في الحب نفسه  او الصداقة  ذاتها .

والروابط الانسانية والعلاقات الاجتماعية والعاطفية ليست بهذه السهولة والبساطة والسطحية , فهي علاقات تعكس جوهر الانسان وتبين معدنه وتقوم على الاسس الروحية والقيمية والالتزامات الاخلاقية المتبادلة بين الطرفين ؛ لذا نرى البعض يفضل الاعتزال والانطواء والانكفاء على الذات على ان يخوض تجربة حب كاذبة وغير ناضجة  او يدخل بعلاقة صداقة  ناقصة وغير صادقة ... فالحب رابطة من الروابط السامية  و الصداقة في معناها الحقيقي القرب لا البعد، الحب لا الكراهية، الصدق لا النفاق ...  .

لكن البعض يخوض تجاربه الاجتماعية والعاطفية على اساس الرغبة والمصلحة والظرفية ؛ فالرغبة هي اشتهاء الاستهلاك، والمصلحة لقضاء الحاجة , والظرفية لتضييع الوقت مع هذا وذاك ... اي التركيز على الذات والانانية وتهميش دور الاخر  ؛ اما الحب والصداقة والود والاخاء الصادق فهو على العكس التام مما سبق، فإنه لا يعتمد على مركزية الذات وهامشية الآخر.

وكلما ازدادت خبرتنا في الحياة ؛ استطعنا التنبؤ بنهاية العلاقات ومعرفة مصيرها من ارهاصات بداياتها ؛ اذ تصبح البداية هي النهاية بعينها , الا ان البعض يحب ان يعيش  اوهام جمال وروعة البداية على الرغم من خبرته وحدسه ؛ وكما قال الشاعر محمود درويش : (( لا أريد من الحب غير البداية )) ؛ ولعل مقولة الكاتب خوسيه ساراماغو تبين لنا هذه الاشكالية : (( لا أعتقد أننا أصبنا بالعمى ، بل نحن عميان من البداية ,  حتى لو كنا نرى ... لم نكن حقاً نرى )) . 

وطالما اعترانا الهم والحزن  واصبنا باليأس والاحباط عندما  تنتهي علاقة صداقة أو زمالة أو حتى حب ... ، وتتملكنا الرغبة بالاعتزال والابتعاد عن الناس ... ؛ والمفروض ان هذه التجارب تزيد من نسبة الوعي  والنضج العاطفي فينا , وتجعلنا اكثر تمسكنا بالقيم الاخلاقية والالتزامات الانسانية السامية   .

واخيرا : ينبغي ان لا ننسى ان الزمن هو أعظم الكتاب ؛ لأنه دائما يكتب اعظم النهايات ؛ نعم ساداتي حياة تمضي وتضمحل معالهما ثم تمضي الثانية كالسابقة لتحل محلها الثالثة , وهكذا دواليك الى غير نهاية ؛ والنهايات كلها تشبه أن تكون مقطوعة بمقص .