قد كشفت لنا مقولة ابن خلدون التالية نفسية الحاكم الظالم وما يعتمل في صدره من مشاعر سلبية تجاه شعبه ؛ اذ قال : (( يقلب الحاكم توجسه وغيرته من شعبه إلى خوف على ملكه، فيأخذهم بالقتل والإهانة )) ؛ الحاكم الذي يغار من شخصيات بلاده ويخاف من ابناء شعبه , يترجم هذه المشاعر السلبية الى خوفه على ملكه ومنصبه ؛ فيأخذ الشعب بالقتل والتنكيل والتصفيات الجسدية والاعتقالات التعسفية والمجازر الدموية والمقابر الجماعية ... ؛ بل ويقتلهم على مجرد الشك والشبهة كما كان يفعل المجرم السفاح الدكتاتور صدام بن صبحة ؛ ومما نقله البعثي السابق عبد الجبار محسن عن صدام : انه كان يكره الرجال والشخصيات جدا ولا يطيقهم ابدا .
وكان المفروض به اقامة العدل والعيش بصورة طبيعية من دون مخاوف وهواجس سلبية او لا اقل مراجعة الطبيب النفسي ؛ كي يجنب نفسه والشعب مخاطر هواجسه وامراضه وعقده النفسية وتداعياتها على مجمل الاوضاع العامة والقرارات الحكومية ؛ اذ كان يمثل القانون والعدل بنظر دوحي بن صبحة : ( جرة قلم كما عبر هو بنفسه عن ذلك في احدى لقاءاته التلفزيونية ) ... ؛ بينما يعد العدل من القيم العليا التي تتحقق بها إنسانية الإنسان الحقة، كما أنه بمثابة القاعدة المتينة لنهوض الأوطان، ويشمل العدل جميع جوانب حياة الفرد ولا يقتصر على جانب دون آخر، لأن وجوده يقتضي أن يعم كل المجالات الحياتية للأفراد ، فبدونه لا يمكن أن تُحفظ الحقوق ولا أن ينعم المجتمع بالأمن والاستقرار .
الا ان انظمة الفئة الهجينة - ولاسيما النظام البعثي التكريتي الصدامي- وبكل مؤسساتها البائسة ودوائرها التافهة لا ترى ما ذكرناه سلفا من حقائق بمنظور سياقها الحقوقي الملزم ، بل بما يرضي الإملاءات الخارجية الموجهة لها في الدرجة الأولى ثم يتبعها في الدرجة ما يضمن مصالحها الداخلية ويحققها ولو على ظهور مواطنيها ، المهم ألا تسقط هيبتها المتوهمة والمزعومة داخليا والمتجرد منها والمخلوعة خارجيا ، لهذا فأغلب قراراتها واختياراتها لا تنبع عن إرادة حقيقية ما دامت الأمور يتحكم فيها من الخارج ، وعليه لا تستغرب عزيزي القارئ من خوض النظام البائد ؛ الحروب العديدة بالوكالة والنيابة واهلاك الملايين وتدمير الاقتصاد العراقي لأجل عيون الاعراب و (الخلايجة ) والامريكان والبريطانيين .
ومن بين تجليات ذلك العهد الاسود والزمن الاغبر ؛ أن نجد الظالم هو نفسه القاضي وهو أيضا الجلاد، وإن تعددت الشخصيات لكنها في الواقع تخدم طرفا واحدا وهو الحاكم الظالم ؛ وابناء الفئة الهجينة فقط ؛ اذ كان أولئك الاوغاد يسكبون المزيد من الظلم على المواطنين لتزداد مصائبهم وويلاتهم، فَهُم لا يتوقفون عن استبدادهم وقهرهم بشتى الوسائل ومختلف الطرق ؛ فالقاضي والمحامي والمدعي العام والجلاد كلهم واحد ويخدمون حاكما ظالما واحدا لا شريك له في الحكم والعمالة .
كل شيء كان موجه ضد الاغلبية والامة العراقية ؛ وكل ادعاءات النظام التكريتي الصدامي الهجين مجافية للحقيقة والواقع ؛ فلم يكن الجيش يحمي حدود العراق ولم تكن القوات الامنية تسهر على امن المواطنين ؛ بل كانت كل تلك القوات والاستعراضات العسكرية المستمرة تستهدف الشعب العراقي فحسب ؛ وصدق هتلر عندما قال : ((عندما يستعرض الجيش قواته أكثر من 6 أشهر، ولا يقوم بمهاجمة العدو، نعرف أنه يشكل خطرا على شعبه )) كما فعل الجيش الصدامي – الذي هرب من قوات التحالف واستبسل على الشعب !!- في قمع الانتفاضة الجماهيرية وتدمير مدن الاغلبية عام 1991 .
والمثير للقرف والتقزز أن المسؤولين في الأنظمة الهجينة الخائنة - ولاسيما الطغمة الصدامية - لا ينفكون يتحدثون عما يُطلق عليه بدولة الحق والقانون والقيم والعروبة ,ومقارعة الامبريالية والصهيونية واعداء الامة والثورة والحزب ، والتي تبدو في الأفق للمواطنين العراقيين المقهورين مجرد خِداع وتوهيم لهم ولعب بمشاعر الاغلبية والامة العراقية , وضحك على الذقون ، وبات السؤال البديهي المطروح : عن أي حق وقانون وعدالة وثورة يتحدث هؤلاء العملاء الاوغاد , وهم في الأصل من يسلطون سياط ظلمهم على المواطنين المستضعفين ؟!
إن الأنظمة السلطوية القمعية والحكومات الدكتاتورية تعتمد على عكاز الأمن لتمارس الظلم والجور والقهر مع مواطنيها بذريعة حماية الوطن من الخونة و تحت مسمى القانون و الذي يوضع على مقاس مصالح هذه الأنظمة الهجينة والتي تُفقد شرعية ذلك القانون أخلاقيا وإنسانيا، وتبقى تلك الأنظمة مهزوزة حقوقيا مهما رفعت من شعارات : الحرية والوحدة والاشتراكية , والامة العربية الواحدة والخطة الخمسية والعراق العظيم والقائد الضرورة ... و التي يظهر زيفها في أبسط الأمور الحياتية المعاشة بأرض الواقع ، فقد تحارب وتحاصر وتسجن من يختلف معها ولو في رأي موضوعي أو موقف سياسي ، لأنها تعتبر ذلك انتفاضا ضد ما تم سَنُّهُ من قوانين ظالمة ، فيحاسب بذلك المواطنون بحجة أنهم لم يحترموا ما نصَّت عليه تلك القوانين التي تجور عليهم وتكبح وعيهم.
حكموا العراق وقتذاك بقوانين العصور المظلمة ؛ اذ تعاون سوط الجلاد مع سوط الجوع الكافر على المواطن العراقي الاعزل .
علما أن الهاجس الأمني والخوف الذي تعيشه الطغمة الصدامية والزمر البعثية آنذاك اصبح بمرور الزمن هاجسا عاما في مناطق الفئة الهجينة وعند كل الغرباء والدخلاء ومرتزقة وشذاذ البلدان العربية ... لان هؤلاء الاوغاد يعتقدون ان الامن يتحقق بواسطة السلاح والسجون والاعتقالات والتعذيب ... ؛ ولكن الحقيقة تؤكد ان لانعدام الامن وخوف النظام اسباب عديدة ؛ وعلى رأسها الظلم والتعدي على حقوق المواطنين من قبل شراذم تكريت ولقطاء الفئة الهجينة وزبانية البعث السافل , واعتماد النظام الصدامي الهجين لمعايير مزدوجة والكيل بمكيالين تجاه الامة العراقية وقضاياها .
كان القلق والتوجس يسيطر على مشاعر صدام طوال حياته فهو المشرد بين الكراجات والذي طالما انتقل من حضن الى اخر ؛ اذ تلاعب به شقاوات بغداد كثيرا , مما صيره حاقدا غدارا لا يأمن بأحد , لذلك كان عندما يزور مدرسة ابتدائية للأطفال يذهب ومعه لواء من الحماية المدججة بمختلف الاسلحة ..!!
ومما تقدم تعرف ان الديكتاتورية : هي حكم الاقلية، سواء كان فردا او عائلة او عصبة او عشيرة او حزبا ؛ وان الديمقراطية : هي حكم الاكثرية التي تحترم حقوق الاقلية ولا تسحقها ؛ فالدكتاتوريات لا تحترم رأي الاكثرية لأنها تقمع الاكثرية في الطاعة والولاء – كما كانت تفعل حكومات الفئة الهجينة مع الاغلبية العراقية - ؛ اي ان الديكتاتورية ليست نظام حقوق ؛ بينما الديمقراطية نظام حقوقي لضمان الحقوق .
لذلك قال بروس بوينو دي ميسكيتا : ((إذا كنت تدير دكتاتورية ، فلا داعي للقلق حقًا بشأن الرفاهية أو حقوق الملكية للمواطن العادي؛ فقط الأشخاص الذين يبقونك في السلطة ، مجموعة صغيرة جدًا ، هم المهمون )) .