لقاء خاص مع الشهيد الصالح البخاتي ...
رحيم الخالدي
المعروف ومن خلال القرآن الكريم، أن للشهداء منزلة عظيمة، لا ينالها إلاّ ذو حظ عظيم، ومنهم من يسعى إليها ويدعوا في كل صلاةٍ! وعند الصباح الأول لصلاة الفجر، أو المغيب، ومنهم من تأتيه بدون موعدٍ أو سابق إنذار، والسيد صالح البخاتي الذي طالما كان يدعوا ربه، ليلحقه بركب الحسين مع الشهداء، وفي يوم من أيام معركة ضروس، أتت إليه إطلاقة قناصٍ داعشي، وإرتطمت بزاج المقدمة، ولم تخترق الرصاصة تلك النافذة، بينما كان هو ينتظرها بلهف وحنين، وكان يلعن الزجاج الذي حال بينه وبين تلك الشهادة .
بالأمس زرت قبر الشهيد البخاتي، وهو مع رفيق دربه شهيد المحراب وعزيز العراق، وكانت لي أسئلة كثيرة أستذكرها في مخيلتي، عندما كان مقاتلاً شابا،ً يقارع النظام الشوفيني في أهوار العراق، مع رفاقه وهم الذين خبروا القتال وتفننوا فيه، فكان القصب في الأهوار رفيق دربهم وصديقهم وأنيسهم، ويتكلموا معه لأنهم الوحيدون الذين يعرفون لغة السومريون، أهل الأرض الأصلاء، فكانت لهم بصمة ستتذكرها الأجيال، وسيكتبها التاريخ لهم بحروف من ذهب .
المعركة ليست ربح وخسارة فقط، بل هي السؤال عن الرجال الذين تسابقوا من أجل النصر، ومن هم وماهو إرثهم ومن أين ينحدرون، وما هي إنجازاتهم في الحياة، هل هي نيل الشهادة فقط ومحو الذنوب مثلاً؟ بعد ما أثقل حياته بالمعاصي! أو هو رجل مثالي يمتلك المقومات، ويحمل عقيدة ويأتمر بأوامر مراجعه، ويذهب حين التلبية لنداء الواجب التكليفي المناط به، فإذا كان كذلك ما هو المنتج من قبل الأحياء؟ هل زاروهم في قبورهم مع قراءة سورة الفاتحة عليهم! واستذكار بطولاتهم ودمائهم وأرواحهم التي بذلوها في سبيلنا .
سيدي البخاتي: ألم تكن بالأمس أول من يزف الخبر في تحرير منطقة الكرمة، بعد أن دنسها الإرهاب، أولم تكن أول من يتقدم أؤلائك الأبطال من الحشد الشعبي المقدس في الفلوجة، وقبلها في جرف النصر أو في تكريت وبيجي والصقلاوية، تلك كانت الكلمات التي سألت بها الشهيد البخاتي، وهو في مكان لم يكن بإختياره! وجمعه من كان قاتل معه جنبا إلى جنب في ثمانينات القرن الماضي، ولم تفصله عنه سوى سنوات قليلة، عاشها معنا ليلتحق به، وهنا أدعوا كل العراقيين الشرفاء بزيارة قبره، لان له دين علينا، كونه بذل روحه لننعم بالأمن والأمان .
مر شهرين على إستشهاده، ورفيق دربه المجاهد السيّد أبو مرتضى الحسيني، لا يقبل أن تقول أن السيّد صالح البخاتي قد غادرنا، بل ينهرك بكلمات قاسية! وتنقلب مراسيم وجهه، ويقول صالح بيننا، ويعيش في وجداننا وقلوبنا، بل كلنا صالح، وعند وصولنا لقبره تمدد ويقيس طوله معه، ويبكي بحرقةٍ كالطفل الذي فقد أمّه، ويناجيه، أخي لماذا تركتني؟ فأنا صديقك وأخيك، الذي لا يمر يوم وأنت في جبهات القتال إلا واتصلت بك، أو تتصل أنت بي لأطمئن عليك، واليوم سأتصل بمن؟ وسأناجي من، فمن سينصت لكلامي كما كنت، ولا أقول لك سوى بضع كلمات، أرجو منك أن تشفع لنا كونك شهيد، وللشهادة مقام كريم عند ربٍ لا يظلم عنده أحد .