ومن اروع ما تفوهت به القديسة سانت كاترين من سيينا في بيان حقيقة الحب قولها : ((للجمع بين شيئين معًا يجب ألا يكون هناك شيء بينهما أو لا يمكن أن يكون هناك اندماج كامل. أدرك الآن أن هكذا يريد الله لروحنا أن تكون ، دون أي حب أناني لأنفسنا أو للآخرين فيما بينهما ، تمامًا كما يحبنا الله دون أي شيء بينهما.)) .
الاندماج بعد جمع الاثنين يعد امرا مؤكدا ؛ اذ يندك احدهما في الاخر ويذوب فيه ؛ بشرط ان لا يكون هنالك شيئا ثالثا بينهما ؛ لأنه سوف يحول بين انصهار الاثنين واندماجهما معا , فلكي تحيا الحب الحقيقي وتعيش الحب الانساني الخالص ينبغي ان تخلصه من شوائب الحب الاناني لأنفسنا او للآخرين , فالحب إحساس دافئ وجميل وسامي ونبيل وله تأثيرات إيجابية على أطرافه ؛ متى كان انسانيا بعيدا عن الأنانية و طبيعيا بعيدا عن الشهوانية والحيوانية والعقد المرضية ؛ فهنالك فرق بين الحبين واختلاف بين الامرين .
الكثير منا يحب ويعيش مشاعر العطف والحنان والشوق بل ويتصف بالعطاء والكرم تجاهه محبوبه ؛ الا ان حبه مطبوع بطابع الانانية وموصوف بالحالات والعقد المرضية , لأنه يحب المحبوب لا لذاته الانسانية المجردة انما بسبب المال او المصلحة او الشهوة او حب التملك او عشق الجمال او بسبب الرابطة القومية والعنصرية والقبلية والمناطقية والدينية والمذهبية ... الخ ؛ لذلك لا تستغرب من البعض عندما تراه يحب اطفال بني قومه بينما يذبح اطفال الاخرين بدم بارد ؛ او كما يفعل الجلادون مع الضحايا بينما تراهم مشفقون على ذويهم , لأنه يحب نفسه وذاته فقط وهو يرى نفسه في اهله وقومه وحزبه ... الخ , ولو كان حبه طبيعيا خالصا وانسانيا ساميا لاحب الجميع ومن دون استثناء ؛ لاحبهم لكونهم مواطنون مثله , او لانهم نظراء له في الخلق والانسانية , كما يحب الخالق المخلوق من دون توسط امرا ثالثا ؛ كذلك ينبغي للشخص السوي ان يحب المواطن بغض النظر عن شكله ولونه وعرقه ودينه ... الخ , ويحب الانسان لإنسانيته وبشريته لا غير ؛ لذلك نحن نرى المشاعر الصادقة و الاحاسيس النبيلة في بعض المجتمعات الراقية والتي تؤتي اكلها في كل ركن من اركان المجتمع , وثمارها ونتائجها واضحة للعيان ؛ لأنها نابعة من الحب الانساني الخالص السامي والذي يرتكز على فلسفة اخلاقية قويمة وسليمة وايجابية وخالية من شوائب الانا والعنصرية والعقد والامراض النفسية والاجتماعية ؛ وعليه لا تندهش من مقولة محمد عبده : ((ذهبت إلى بلاد الغرب رأيت الإسلام ولم أرى المسلمين وذهبت بلاد العرب رأيت المسلمين ولم أرى الإسلام! )) .
فالحب الطبيعي والانساني : هو ذلك الحب الخالص الذي تتجلى فيه مشاعر الود والعطف والحنان متزامنة مع كثير من الأمور الأخرى كالاحترام والتقدير والسمو الاخلاقي والواجب الانساني والوطني ، وهو الحب الذي يتمتع فيه الجميع بالحرية والاحترام والتواصل والارتباط الانساني ... وهو الحب الذي لا يقتل شخصية المحبوب ولا يحرمه حريته ؛ فهو حب بناء والتزام اخلاقي وانساني وصمام امان للمجتمع , وهو الذي يكفل سعادة المجتمع ورضا ابناءه عن انفسهم , فالحب غير الأناني او الحب الانساني او الطبيعي : هو ذلك الحب المقدم لجميع الناس ، سواء كانوا من أفراد الأسرة أو الغرباء البعيدين ؛ اي محبة الإنسان للإنسان القائمة على أساس انساني نبيل واخلاقي سامي ؛ فهو الحب المتعالي والذي يجعلنا ندعم ونساعد بعضنا البعض في مساعينا اليومية والذي يرفدنا بالطاقة الايجابية والشعور بالرضا والامن والسكينة مما يصيرنا اشخاصا ايجابيين .
واما الحب الاناني : هو ذلك الحب الذي يكون محوره الذات ومنطلقه الانانية , والذي يتغذى على الشهوة ويرتكز على المصلحة والمنفعة , و يدوم بالعصبية القومية والدينية والقبلية , ويستمر ما دامه يشبع غرائز وعقد الشخص وامراضه النفسية ... الخ ؛ لذلك تراه سرعان ما ينهار بذهاب اسبابه ؛ اذ بمجرد اشباع المحب رغباته من المحبوب لا يستمر طويلا ويضمحل كأنه لم يكن ؛ فإن حب شخص ما بدون أنانية يعني أنك تتخذ قرارات لا تستند إلى ما تريد ، ولكن ما هو الأفضل لمن تحب او لما يتوافق مع منظومتك الاخلاقية والانسانية ... ولكن بمجرد منحك حبًا غير أناني ، لا تجد أفضل شخص بداخلك فحسب ، بل تقدم أعظم هدية للشخص الذي تحبه ؛ والشيء بالشيء يذكر ؛ يروى ان احد المتدينين ذهب الى زيارة عمته وكانت شيوعية , فطرق الباب وسألته ما الذي جاء بك بعد كل هذا الانقطاع والهجران ؟ فقال جئت لزيارتك قربة لله ؛ فردت عليه : اخرج من بيتي فورا ؛ متى ما تأتي لزيارتي انا كإنسانة ومن دون دوافع دينية او غيرها فأهلا وسهلا بك .