المقدمة 

تشمل مهام مسؤولي الموارد البشرية استقبال مئات وحتى آلاف السير الذاتية، ومن ثم ترشيح عددٍ منها، وإجراء المقابلات الشخصية، ثم توظيف الأكثر تأهلاً، وما يتبع ذلك من المهام المتعلقة بالموظف، كالتدريب والامتيازات وإدارة الشؤون وما إلى ذلك، حيث يُقدّر ما يتلقاه مدير الموارد البشرية في شركةٍ كبيرةٍ ما يصل إلى أكثر من 500 استفسارٍ يوميّ في المتوسط، تتعلق بطلبات الإجازة والتأمين الطبي وتفاصيل الرواتب والتقييم ونتيجة المقابلة ونحوها.

يتزايد تأثير الذكاء الاصطناعي في جميع جوانب الحياة والعمل، ومن ذلك تأثيره الواسع على أساليب إدارة الموارد البشرية، فمع تقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبح في الإمكان محاكاة الوظائف المعرفية البشرية مثل التعلم وحل المشكلات والتنميط والتقييم وصنع القرارات، وبالتالي أتمتة أجزاءٍ كبيرةٍ من مهام مسؤولي الموارد البشرية، كالفحص الذكي للسير الذاتية، واستخدام أدوات المحادثة التفاعلية للإجابة على تساؤلات الموظفين. وتُخفف هذه التقنيات من المهام المُناطة بمسؤولي الموارد البشرية وتخلّصهم من المهام اليدوية الروتينية التي تأخذ معظم ساعات عملهم، ليتمكنوا من استغلال هذا الوقت في المهام الأكثر إنتاجيةٍ كتحفيز الموظفين وإثراء الحس الثقافي والإبداعي لديهم.

العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والموارد البشرية :

يتفوق الذكاء الاصطناعي على الأداء البشري في قدرته على إنجاز المهام المتعددة وتحسين جودة التوظيف والتفاعل مع الموظفين، إلا أن بناء نظام ذكاءٍ اصطناعي ليس بالأمر البسيط، بل يتطلب كميةً كبيرةً من البيانات وهو أمرٌ مكلّفٌ ويستغرق وقتاً طويلاً. ولتحقيق الاستفادة الأمثل من الذكاء الاصطناعي ينبغي أن تُغذّى الأنظمة ببياناتٍ محايدةٍ لتقليل التحيّز تجاه المرشحين للوظائف الجديدة، وتفادي التمييز العنصري بين الموظفين في القضايا المختلفة، كما يجب أن تكون الأنظمة الذكية على قدرٍ عالٍ من الأمان لتعاملها المباشر مع البيانات الشخصية للمرشحين والموظفين.

تُطبّق التحليلات التنبؤية على نطاقٍ واسعٍ في الموارد البشرية، وهي استخدام إمكانيات التحليل المتقدمة التي تغطي مجموعةً من الأساليب الاحصائية، استخراج البيانات، تحليل النص، التسجيل الفوري، وتعلّم الآلة. وتساعد هذه التحليلات في اكتشاف النماذج في البيانات ومعرفة ما حدث وما سيحدث من خلال إنشاء صيغةٍ أو خوارزميةٍ تحاكي النتائج لاستخدامها في التنبؤ بالمستقبل، وكل ذلك بهدف تمكين المدراء والمسؤولين من اتخاذ قراراتٍ أفضلٍ وبتكاليفٍ أقل. كما تُستخدم خوارزمية شجرة القرار لبناء النماذج التنبؤية، وهي طريقةٌ بسيطةٌ وشائعة، يُبنى فيها نموذجٌ يشبه الشجرة يتألف من قراراتٍ وعواقبها المحتملة، وتمثل كل عقدةٍ اختباراً لسمةٍ معينة، بينما يُمثل كل فرع النتائج المحتملة لذلك الاختبار، وتستخدم شجرة القرار للتنبؤ بنتائج الأعمال، وأداء المرشحين، وأثر السياسات التي تقلل من احتمالية استقالة الموظفين.

يعتمد مجال الموارد البشرية بشكلٍ رئيسي على التعامل فيما بين البشر، ولهذا يُعدّ توظيف معالجة اللغة الطبيعية محوراً أساسياً لاستخدام الذكاء الاصطناعي، وهو فرعٌ من الذكاء الاصطناعي يُساعد أجهزة الحاسوب على تفسير وفهم ومعالجة اللغة البشرية، وتكمن أهميته في السماح لنا بالتعامل مع الكميات الكبيرة من البيانات النصية والمسموعة، وذلك من خلال مجموعةٍ من الخوارزميات التي تعمل على عدة مهام مثل تصنيف المحتوى، النمذجة، الاستخراج السياقي، تحليل المشاعر، الترجمة الآلية، التلخيص، وتحويل النص إلى كلام والكلام إلى نص. ومع توافر تقنيات الذكاء الاصطناعي الممكن استخدامها في تحويل أساليب الموارد البشرية ، إلا أن المنظمات القادرة على بناء نماذجٍ تنبؤيةٍ لا زالت قليلةٌ جداً لمحدودية الوصول إلى بيانات الموارد البشرية وصعوبة استخدامها.

يُوشك الذكاء الاصطناعي أن يُنهي الطريقة التقليدية في فحص السيرة الذاتية وترشيح الموظفين الجدد، إذ يُمكن من خلال خوارزميةٍ متخصصةٍ جمع المزيد من بيانات المُتقدم عبر الإنترنت، مثل معلومات ملفات التعريف في وسائل التواصل الاجتماعي، وسجلات الوظائف السابقة والمؤهلات التعليمية استناداً إلى الوصف الوظيفي المطلوب، بما يمكن أن يقلص وقت التوظيف بما يزيد عن عشرين يوماً، ويمكن أن يُعثر فيها على المرشح المناسب من خلال عمليات بحثٍ غير منحازةٍ أو متأثرةٍ بالصور النمطية للعرق أوالجنس أو الدين. ولقد تبنّت شركة Opus AI تطوير نظام الفحص الأعمى للسير الذاتية، وهي شركةٌ ناشئةٌ مقرها نيويورك استخدمت الذكاء الاصطناعي لجمع بياناتٍ إضافيةٍ حول المرشّحين، مثل المهارات الشخصية ومهارات العمل والثقافة والشخصية، ويتجاوز النظام مجرد فحص السيرة الذاتية إلى تحديد تأهيل الشخص للمقابلة أم لا عبر إرسال بريدٍ إلكتروني يتضمن بعض الأسئلة التي تشابه أسئلة المقابلة الشخصية. ويتميز نظام الشركة بإزالة الأسماء من ملفات التعريف، وكذلك الجنس والعرق والعمر ونحوها من البيانات الشخصية لتُجرى مخططات المقارنة بين مؤهلات المرشحين فحسب، فتكون أحرى بعدم التحيز.