بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي يقضي بين عباده يوم القيامة في ما كانوا فيه يختلفون، القائل: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ * هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}، والصلاة والسلام على من بعثَه الله بالحقّ المبين، إمامِ الأولين والآخرين، وقائدِ الغرّ المحجلين، أتقى الناس وأنصحِهم للعالمين، لا خيرَ يعلمه لهم إلا دلّهم عليه فهو الرسول الأمين، وعلى آله وصحبه الغرّ الميامين، البررةِ الطاهرين، النصَحةِ العدول الصادقين، وعلى أتباعهم الصابرين، وعلى من سار على نهجهم إلى يوم الدين، يومَ تبيضّ وجوهُ أهل السنة والجماعة، وتسودّ وجوهُ أهل البدعة والفرقة؛ أما بعد..

فقد أذيعَ قبل أيام خبرُ مؤتمرٍ عُقد في "جروزني" من أرض الشيشان، انتسبَ المؤتمرون فيه -فيما زعموا- إلى "أهل السنة والجماعة"، وحَمَلوا فيه على عواتقهم -كما دلّت توصياتُهم- اختصارَ تعريف "أهل السنة والجماعة" واختزالَه في طرائقَ كلامية، ومناهج بدعية، يعرِفُ كلُّ من له مسْكة من علم، أنها لم تكن على عهد صاحب السنّة صلى الله عليه وسلم، ولا انتسبتْ إليها الجماعةُ الأولى من القرنِ الأول والذين يلونهم.

وكفى بإلزام المسلمين الانتسابَ إلى ما لم يوجِب الله ولا رسولُه الانتسابَ إليه، كفى به بدعةً مُحدثةً، "وكلُّ مُحدثةٍ بدعةٌ، وكلُّ بدعةٍ ضلالة".  

   وإنّ المؤمنَ ليتلهّف حينَ يبلغُه خبرُ اجتماعٍ يُدعى إليه منتسبون إلى العلم والسنة، أن يُدبَّج بيانُهم وخطابُهم بقلم المستمسك بالكتاب العزيز الذي لم يرَ القارئُ منه في "البيان" حرفاً! أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي لم يأتِ في "البيان" ذكرٌ لمكانتها أوحثٌّ على العناية والاسترشاد بها, رغم نسبتهم أنفسهم إلى "أهل السنة". 

    وإن السُّنيَّ الطاهرَ من أدران المحدثات والبدَع، السالمَ من نزعاتِ الهوى والتعصّب، ليشرئبُّ عنقُه ويتطاولُ، يومَ يسمع اجتماعًا لأهل السنة والجماعة، رجاءَ أنْ يُعظّم فيه الله جل وعلا ويُثبت فيه ما أثبتهُ لنفْسهِ من الأسماءِ الحسْنى والصّفاتِ العُلا ويدعى فيه إلى عبادة الله وحده لا شريك له والتمسك بهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، ويُحارب فيه الشرك بشتى صوره وأنواعه، ويُنصر فيه المسلمون في كل مكان، ويُدعى فيه إلى رص الصفوف وتآلف القلوب على الكتاب والسنة، قبل أن يُعظَّم أبوالحسن الأشعري وأبومنصور الماتريدي.  

     وإنَّ أمةً لا يجمعها اعتقادُ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ وفقهُهم رضي الله عنهم، فلنْ يجمعَها من دونَهم.

     أوَما يُغني هؤلاء المجتمعين أن يُوصوا ببيانِ حقيقة الإسلام الصافي والدعوة إليه، عن التصوّف "الصافي" والدعوة إليه!

ليتَ هذه الجهودَ والاجتماعاتِ كانت للنظر في نوازل الأمة، ومصايبِها المتتابعة، والبحث عن أسباب كفّ عادية كفّار الشرق والغرب عن بلاد المسلمين، لا استرضائهم.

 ليتَ سهامَ هذا "المؤتمر" كانت موجّهةً لمنْ لم يرفعْ بسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام رأسًا، ولم يوقّر وزراءَه وأصحابَه وأزواجَه من المنتسبين إلى الإسلام، ليتَهم اجتمعوا للنظر في حال الأضرحة في بلاد المسلمين التي يحجّ  إليها من الناس كلَّ عام، أكثر ممن يحجّ إلى بيت الله الحرام، أهذه من سنة النبي صلى الله عليه وسلم في شيء! فكفى بهذا البيان ضلالا وانحرافا أن لم يذكر اللهَ جلّ وعلا وتعظيمه بالدعوة إلى عبادته وتوحيده!

وليتَ هذا "البيان" أمَرَ الحكوماتِ بتحكيم شرع الله والتحاكم إليه، في قوانينها وأنظمتها، بدلَ أن يدعوَ إلى "تشريع قوانين" جديدة! 

   وإنّ امرأً لم يرْضَ بالأسماء التي سمّانا الله بها، وتسمّى بها رسول الله وأصحابُه، فلا أرضاه الله، قال الله تعالى:{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}.

   وإنّي -بعد هذا- أورِدُ على المجتمعين الذين حملَهم التعصّبُ الأعمى، وتقليدُ الآباء والأجداد، وطاعةُ الأقطاب والأوتاد، على هذه الجهالات والإقصاء، أورِد عليهم السؤال عن من سبق أبا الحسن وأبامنصور من أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، كابن مهدي، وابن القطان، والسُّفيانينِ، والحمّادينِ، والماجشون وشعبة، ومجاهد، وأبي العالية، وسعيد بن جبير، وسعيد بن المسيّب، وغيرهم من سادات التابعين، وأصحاب رسول الله المُكرمين، على أي وجهٍ كان اعتقادهم!؟ وهل جهلُهم لما اعتقده الأشعري والماتريدي يضِيرُهم؟ فإن لم يكن يضِيرُهم؛ فما بالهم لم يعقّبوا وارثًا، وعقّبَ ذانِكَ وارثِينَ!

وماذا عن الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد, والذين نصّ "البيانُ" على أن أهل السنة على مذهبهم في الفقه, فنسألهم على أي عقيدة كان هؤلاء الأئمة رحمهم الله؟ وهل كانوا على مذهبِ الأشعريِّ والماتريدي اللّذَين لم يكونا إلا بعدهم؟!.

ثم ماذا عن من جاء بعدهما، ولم ينتسبْ إليهما من مشاهير العلماء، والأئمة الأجلاء؛ أهم مشمولون بهذا النفي والإقصاء، عن أهل السنة والجماعة!؟

ماذا عن أبي الحسن الدارقطني، والخطيب البغدادي، وأبي عمر الطلمنكي، وأبي عمر ابن عبدالبرّ، وأبي القاسم اللالكائي، وأبي عبدالله بن منده، وأبي سحاق الإسفراييني، وأبي الحسن الكرجي، وغيرهم كثير كثير..!

ألا فلْيفخرْ السنّيُّ إنْ ناله ما نالَ هؤلاء في دينهم؛ "فتلكَ شكاةٌ ظاهرٌ عنْك عارُها".

ثم عاد "البيان" ليشرح لنا من طرْفٍ خفيٍّ، معنى التطرّف والإرهاب، الذي نبذه وذمّه؛ فهو لا يشمل -بالتأكيد- "روسيا الاتحادية" التي أوصى "البيان" بإنشاء قناة تلفزيونية تبثّ على مستواها، فـ"روسيا الاتحادية" -حسب دعواهم- تحتاج إلى أن تُعرّف براءة الإسلام من إرهابها، وأن الإسلامَ دعا -بزعمهم- إلى سلْمها! 

وما أدري -واللهِ- إذا لم يكن الإرهابُ الذي أمر الله به في كتابه، لمثلِ روسيا اليومَ، وهي تفعل ما تفعل في ديار المسلمين من صنوف الجرائم، فلا أدري لمن يكون الإرهاب، ومتى يكون! فبئس الراعي لهذا "المؤتمر" وبئست الرعيّة, وبئست القناة تُنشأ في الدولة الكافرة الساعية إلى هدم الدين وقتل المسلمين. 

فحسبك لسقوط هذا المؤتمر وضلال أهله ومن قام عليه أن انعقد تحت ظل هذه الدولة الكافرة "روسيا"، وذلك أن الشيشان دولة محتلة من قبل هذه الدولة الظالمة، ورئيسها السابق أحمد قاديروف وابنه رمضان "راعي المؤتمر" إنما هم عملاء لهم!. 

ثم تتالتْ في "البيان" فقراتٌ عائمة مضللّة، يقرأها كلٌّ على ما يهواه، ولا يخلُص القارئُ منها إلا بشيء واحدٍ، وهو الطعن واللمز في مَنْ لم يشملْه حدُّ أهل السنة الذي رسمه كتّاب هذا "البيان"، وما له من اسمه نصيب.

ثم مثَّل لحواضر العلم عند أهل السنة والجماعة، فلم يذكرْ مكةَ شرّفها الله، ولا مدينةَ النبي عليه الصلاة والسلام، فأيّة سنةٍ تلك تنأى عن مهبط الوحي! وأيّ علم ذاك يرغب فيه عنهما!

لعلّها حواضر "العلم الآمن" الذي دعا إليه بيانُهم، والذي لعلّه لا يُعرف له في التاريخ اسمٌ ولا رسم ولا وسم، إلا في ورقتهم هذه.

ولإنْ كانت سَوءةُ "البيان" ظاهرةً لكلّ عينٍ -إنْ لم يكنْ كلّه سوءةً- فلا يخفى أيضًا ما شمله "البيان" من لهجةِ استخذاءٍ واسترضاءٍ للكافرين، التي عزّ على كاتبِه أن يَقسِمَ بعضها لأهل ملّته ممن لم ينتسب إلى ما انتسب إليه.

ولا عجبَ؛ فإنّ من لم يبْصرْ أحدَ الطرفين، أو كليهما، فلن يصحّ في ذهنه للتطرّف معنى، وإن ادّعى البصيرة و"التبصير".

وإنّ المتأمّل لحال "المؤتمر" وتوصياتِه، ليظهر له جليًّا أنّ مؤدّاه مزيدُ تفريقٍ لأهل السنة والجماعة، بل هو دعوةٌ بيّنةٌ للتعصّب والتطرّف بين المسلمين، تحت أسماء لم يأمر الله بها ولا رسوله، مع إفلاسه من الناحية العلمية؛ فهو لم يبرهنْ لدعوى واحدة من دعاواه العريضة؛ وإنما سعى إلى استعداء القوى الظاهرة والخفيّة، على كلِّ من لم يرضَ بمخرجاته، وعند الله القضاء {يَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ * فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ}.

سبحان ربّ العزة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

عبدالله بن عبدالرَّحمن السَّعد 

الثلاثاء 27\11\1437 هـ