لقد اخترنا لكم في هذا المقال أجمل ما انشده الشاعر الاديب مصطفى صادق الرافعي : ( في الاعتماد على النفس ) :
المرء يُمنى بالرجـــــا واليــــــاس ِ ... ويضيع بينهما ضعيف البــــاسِ
فإذا عزمت فلا تـــكــن متــــــــرددا ... فسدَ الهوا بتردّدِ الأنفـــــــــاسِ
وإذا استعنتَ فبالتجارب إنهــــــــا ... للنفس كالأضراس للأضـــــراسِ
وعلامَ ترجو الناس في الأمر الذي ... يعنيك أنت ، وأنت بعض الناسِ؟
النفس قوس والعزيمة سهمــــها ... فارْمِ الرّجا من هذه الأقــــــواسِ
وأضئ حياتك بالمعارف إنّـمـــــــا ... هي في ظلام العمر كالنبـــراسَ
واجعل أساس النفس حبّ الله إذ ... لا خير في بيت بغيــــر أســــاس ِ
لولا توالي الحزن والفرح والرجاء واليأس والصحة والمرض والعسر واليسر ... لفقدت الحياة بهجتها والدنيا لذتها ؛ اذا عرف المرء هذه الحقيقة وتكيف معها عاش بسعادة وقوة في الحياة , ويضيع فيها ضعيف البأس والشخصية والمتردد في اتخاذ القرارات ؛ ومن اروع ما قاله الرافعي بهذا الصدد : (( في جمال النفس يكون كل شيء جميلاً ، إذ تلقي النفس عليك من ألوانها ، فتنقلب الدار الصغيرة قصراً ، لأنها في سعة النفس لا في مساحتها هي ، وتعرف لنور النهار عذوبة كعذوبة الماء على المطر ، ويظهر الليل كأنه معرض جواهر أقيم للحور العين في السماوات ، ويبدو الفجر بألوانه وأنواره ونسماته كأنه جنة سابحة في الهواء )) ؛ إنه الرضا الذي يجعل الصعب سهلاً و يجعل المرفوض مقبولاً و يجعل القبيح جميلاً , إنه الرضا الذي يقلل من تأثير العجز ويملأ نفوسنا بروح الكفاح والسعي .. إنه الرضا الذي يملأ النفس سروراً فيجعل للألم مذاقاً مقبولاً – كما قيل - .
والانسان في هذه الدنيا قد يتعرض للأهوال والمصائب والامراض والازمات ... ؛ وعندها يجب عليه الاستعانة بتجاربه السابقة وخبراته فهي التي تعينه وتدفعه للخروج من عنق الزجاجة ؛ وكما قيل : ما حك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمرك ؛ وعلام ترجو مساعدة والناس مثلك وانت منهم والامر يعنيك انت ولا شأن لهم به وهم مثلك لديهم مشاكلهم ومصائبهم ومسؤولياتهم الخاصة فلكل منهم شأن يخصه ويهمه ,و كل شخص مشغول بنفسه ويقف بجانبها دائما قبل الجميع ؟!
وتذكر دائما انك قد جئت لهذه الحياة وحدك وسوف ترحل وحدك ؛ لذلك عليك ان تقاتل وتكافح وتناضل وتسعى وحدك , فعلام تطلب من الناس المساعدة وهم مثلك فقراء وضعفاء ومرضى ؟!
انهض وانفض الغبار عن نفسك وقدرها حق قدرها فهي المسؤولة عنك , والاعتماد عليها هو طريقك الصحيح في هذه الحياة وصراطك المستقيم , ومن لم تساعده نفسه ولم تنهض به روحه لا تنفع مساعدات الاخرين له , فلا تنتظر احدا ولا تتوقع الخير من احد , لا احد يقف بجانبك سوى نفسك ؛ فكن انت بطل نفسك وفارسها وكن انت المنقذ لك ؛ فأنت قادر على معالجة الازمات وتولي المسؤوليات وتخطي العراقيل والعقبات ؛ ومما نسب الى حكيم العراق الامام علي قوله :
وتحسب أنك جـِرمٌ صغير *** وفيك انطوى العالم الأكبر
داؤك منك ومـــــا تبصر *** دواؤك فيك ومــــا تشعر
فأجعل نفسك هي المبتدئ والمنتهى والذي يعجز عن مساعدة نفسه فهو عن غيرها اعجز , و لا تعتمد على شخص معين كلياً فحتى ظلك يتخلى عنك عندما تكون في الظلام ؛ و لا تدع غيرك يلون حياتك فقد لا يحمل سوى قلم أسود ؛ وذلك لأنه ربما يكمن في داخله الحقد والغل تجاهك وانت لا تعلم مما يدفعه إلى جعلها سوداء مظلمة .
و لقد حثت بعض الوصايا الدينية والفلسفات الانسانية الإنسان على الاعتماد على نفسه في سائر أمور حياته، كما نهت عن اللجوء إلى الناس في معالجة سفاسف الأمور وطلب العون منهم في صغائر الاشياء ؛ او الاعتماد على الآخرين في أمور الحياة ، وبالأخص حينما يكون ذلك الأمر متعلق بالشؤون الشخصية، فالاعتماد على النفس يُعتبر من أهم الأساسيات التي تقود الفرد نحو الفوز والنجاح في تحقيق المقاصد والغايات المرجوة، والاتكال على الغير من أجل تحقيق المصالح، يجر الفرد نحو التكاسل والتقاعس، مما يجعله شخص غير مستقل نهائياً ، وقد أشار علماء النفس في مختلف الكتب النفسية والتربوية الى : أنّ الإنسان الذي يعتمد على نفسه هو من يضمن سعادته المعنوية والمادية ؛ فلا ينبغي على الإنسان التوقع أن يقوم الآخرين بالعمل بدلاّ عنه، إذ يجب عليه الخوض في أعماله والقيام بها بنفسه.
وقد ختم الشاعر قصيدته بحب الله والتفاعل معه وجعل هذا الحب اساسا لبناء النفس القوية والشخصية الناجحة ؛ وهذا ما ذكرني بمقولة الشاعر الإنجليزي ويليام وردسورث : ((من أجل الشخصية والنجاح ، يجب أن يتماشى شيئين ، متناقضين كما قد يبدوان ، … الاعتماد المتواضع على الله والاعتماد الرجولي على الذات )) .
ولكي ننجح ونتخطى الصعاب ونعالج المشاكل ونتحدى العقبات والتحديات ونتحمل المسؤوليات ؛ يجب أن تكون لدينا الإرادة للنجاح والنضال والكفاح ، وينبغي أن تكون لدينا القدرة على التحمل والصبر والتعلم والتصميم والمثابرة ، والاعتماد على الذات ، والإيمان بقوى الكون العظيمة وقدرة الخالق العظيم .