بِسْم الله الرحمن الرحيم
الله هو الخالق و كل شيء دون ذلك هو مخلوق. و عند خلق سيدنا آدم عليه السلام قال الله تعالى لملائكته "إني جاعل في الأرض خليفة." ليستخلف الأرض و يعمرها كما يريد الله، قال الله تعالى "وما خلقت الانس و الجن الى ليعبدون" و كمال العبادة هي في الإمتثال لأوامر الله و إعمار الأرض بما يرضي الله و العدل بين خلقه، ولله في خلقه شؤون. فنزل ابن آدم الى الأرض مع عدوه اللدود إبليس. ومنذ ذلك الحين و الحرب مستمرة لا تنتهي الا بانتهاء الحياء و انتهاء الوجود ويبقى وجه الله ذو الجلال و الإكرام رب آدم و رب إبليس و مالك كل ملك الذي ليس له بداية ولا نهاية.
ولكن لماذا استخلف الله الإنسان و ليس الملائكة؟
هل لان الإنسان مخلوق أسمى و أعلى من الملائكه؟ كيف، وهم من نور و نحن من طين؟ كيف ذلك وهم يسبحون بحمد الله صبحاً و عشيا و نحن نلهوا و نرتكب الذنوب؟ والجواب هو: نعم. الله سبحانه وتعالى جعل الإنسان مخير و مسير. وليس محدود الإختيار كالملائكة. فكل له روح و هي من أمر ربي ولكن ليس كُلُ له نفس تأمره بالسوء و توسوس له. ولذلك فان الإنسان في صراع دائم مع نفسه و في تقلب في إختياراته.
فاختبار الدنيا هو ما يحدد مصير العبد و ذلك نتيجة أفعال العبد بنفسه. ولذلك نرجو ان يحاسبنا الله برحمته لا بعملنا. فان كان الله يُرى بالعين فلن نجد من يكفر به او من يدعي ان له شريكاً او ولدا، والعياذ بالله. و الإختبار الحقيقي و المصيري هو ماذا سيفعل العبد بقوة الإختيار و القرار عندما لا يرى الله بعينة و لا يسمعه بأذنه لاكن يأمن به بقلبه و يعرفه بعقله.
من أسس الإسلام و التوحيد الإيمان بالقدر خيره و شره و ذلك في نطاق الإيمان بالغيب. ولكن لكل إنسان مع ذلك أن يصنع قدرة "فما جزاء الإحسان إلى الاحسان". الإنسان يستطيع ان يتغلب على نفسه باتخاذ القرارات الصحيحة وعدم طاعه النفس والهوى فيما حرمه الله، الله حرمنا من أشياء ليعطينا حريتنا لا لأسرنا. ولذلك... فان شارب الخمر و المتعاطي هم من سجنته رغبته و أسكر و افتر عقله وصار عبدا للهوى. اما الذي انتهى و ابتعد عن المحرمات فهو الذي ينعم بالحرية. و الإنتصار على النفس هو الفوز على إبليس و الجائزة هي القناعة في الدنيا و السعادة في الآخرة. فجهاد النفس هو أشد جهاد.
ختاماً، قال سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه:
النفس تبكي على الدنيا وقد علمت
أن السعادة فيها ترك ما فيها
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها
إلى اللتي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخير طاب مسكنه
وإن بناها بشر خاب بانيها