عن ثلاثة محاريب غادرنا أصحابها وتأثرت بقصصهم
26 ذو القعدة 1443
25 يونيو 2022
صباح ثقيل
فجعتُ في ذلك الصباح بوفاة الشيخ محمود خليل القارئ إمام مسجد القبلتين والمسجد النبوي المكلف
كنت أحاول تخفيف صدمة الخبر بالمشي في ممر بيتي أروح وأجيء. كيف أهدئ قلبي؟
أحتاج أن أستمع للقرآن أحتاج سورة البقرة تحتوي قلبي المفجوع. لمن سأستمع لها الآن؟
صوت داخلي قال لي لا ينبغي أن أسمعها الآن إلا بصوته -رحمه الله-
فتحت اليوتيوب واستخرجت المقطع وواصلت المشي
صارت دموعي تنهمر كالشلال
كان أحد المشاعر التي دفقت دموعي هي دهشتي وعجبي وإعجابي بأن
يموت شخص وينتقل للآخرة لكنه يوفق لأن يترك لنا صوته بالقرآن!
يترك لنا كلام ربنا بصوته!
نسمعه فنخشع، نسمعه فنتدبر، نسمعه فنزداد إيمانًا، نسمعه فتنغسل أرواحنا.
شعرت بغبطة عظيمة لكل مَن كان من أهل القرآن وحرّك القلوب بالآيات يتلوها ويترنم بها ويجمع الناس حوله يستمعون له خاشعين
فإذا انقضت فترته في هذه الدنيا ظلّ صوته من بعده مدوياً يملأناً إيمانًا.
7 ربيع الأول 1444
3 اكتوبر 2022
فتحت تويتر فوجدت هذا الاسم يتكرر في التغريدات
توفي اليوم الشيخ الأصولي العابد الزاهد الدكتور أسامة عبدالعظيم حمزة رئيس قسم الشريعة بالأزهر.
لم أكن أعرفه ولم أسمع به ثم قرأت عنه:
كان ممن يطيل في الصلاة ، فقد ختم في محرابه أكثر من ألفي وأربعمائة ختمة في رمضان وفي الفروض طيلة العام.
شاهدت مقطعًا للشيخ عبدالرشيد صوفي
يحكي أنه كان في مصر وطلب من سائق السيارة أن يوصله لمسجد الشيخ "أسامة عبدالعظيم" ليصلى المغرب خلفه.
وقال الشيخ لسائق السيارة منبهًا إياه: خلي بالك الشيخ هذا يطول في الصلاة (يعني شوفلك مسجد تاني لو ما تقدر)
فقال السائق: مافيش مشكلة.
وظن أنه تطويل بسيط
أقيمت الصلاة فاستفتح الشيخ أسامة ثم قرأ في الركعة الأولى سورتي آل عمران والنساء، وفي الركعة الثانية سور المؤمنون والنور والفرقان!
يقول الشيخ عبدالرشيد: انتهينا من الصلاة وما بقي على صلاة العشاء إلا خمس دقائق!
وأثناء الصلاة بدأ سائق السيارة يعمل حركات غريبة عن الصلاة يمد يديه على الجانبين وللأعلى (يبدو من التعب)
ثم لما فرغت الصلاة قال: دا مش صلاة! دا إجرااام
ويُسمع صوته للإمام: والله مش هاصلي هنا تاني!
المسجد مسجد مخصوص أي ليس للمارة وفي مكان عام إنما لمن عرف طريقة الإمام وأحب أن يصلي خلفه.
قال عنه المؤرخ عبدالعزيز العويد:
"انهدّ في مصر أمس جبل من جبالها، وانكسفت شمس من شموسها، وفقدت شيئًا من جمالها وجلالها
توفي العالم العابد الجليل القدر المربي الفاضل الشيخ " أسامة عبدالعظيم" وقد بلغ سبعين سنة.
نقرأ من كتب السلف من كان يحفظ القرآن كما يحفظ الفاتحة تمامًا
وأن منهم من يصلي العشاء إلى قبيل الفجر فكنا نظن أن هذه الأخبار نسجًا من خيال
حتى جاءنا أمثال الشيخ أسامة عبدالغظيم فجلّى الأمر لنا تمامًا.
في حي غير مشهور وفي زقاق ضيق من أزقتها تجد مسجدًا مكونًا من ستة أدوار
لا يُعرف إلا باسم إمامه مسجد الشيخ "أسامة عبدالعظيم"
يزدحم عليه المصلون الذين يأتون من القاهرة ومن خارجها خلف إمام يطيل بهم الصلاة
يصلي بهم في الليلة الواحدة ما يقرب من ستة (٦) أجزاء
وفي رمضان يصلي بهم في الليلة الواحدة ما يقارب ثلاثة عشر (١٣) جزءًا
ختم الشيخ أسامة في محرابه وفي صلاته القرآن أكثر من (٢٤٠٠) ألفين ختمة
لا يهذ القرآن هذ الشعر وإنما يتلوه حتى يجعلك تعيش مع كل آية يتلوها!
ومع ذلك لم يكن منعزلاً منقطعًا في محرابه أبدًا وإنما كان جزءًا من مجتمعه...
كان أستاذًا لأصول الفقه في الأزهر، يشارك الناس في أفراحهم وأتراحهم
رحمه الله.
16 جماد الأول 1444
10 ديسمبر 2022م
وصلني الخبر بواتساب، حاولت أن أتذكر الاسم
تذكرت أن أحدهم حدثني عنه قبل مدة
الشيخ أحمد الحواشي أحد أعلام أهل القرآن وأحد عباد هذا الزمان !!
قضى ٤٣ عامًا وهو إمام المسجد الكبير في مدينة (خميس مشيط)
كانت صلاته طويلة وخاشعة، وكان الناس يأتون للصلاة خلفه من كل مكان !!
كان يختم القرآن في تراويح رمضان كل ثلاثة أيام مرة وكانت هذه عادته سنوات طويلة !!
- قال الشيخ أحمد الحواشى عن نفسه:
أكثر من سبعة و ثلاثين عاما لم تفتني صلاة الجماعة في المسجد تحت أي ظرف كان.
- و مما يروى عنه أنه لم يفتح المصحف منذ ما يزيد عن خمسة عشر عاما لمتانة حفظه للقرآن الكريم.
قال لشيخ محمد بن عثيمين- رحمه الله-: من أراد أن يصلي مثل الصحابة فليصلي خلف الشيخ أحمد الحواش.
وقال عنه الشيخ المطلق: هذا رجل عابد (تذوق الصلاة)
فهو لأهل المملكة كالشيخ أسامة عبد العظيم لأهل مصر وقد رحل كلاهما في عام واحد وعمر كل واحد منهما ٧٠ سنة.
قال د.عبدالعزيز الشايع واصفًا علاقة الشيخ بالقرآن:
"خفف عليه القرآن والتلاوة"
قال أحدهم عنه: كان يحب بيت الله أكثر من حبه لبيته!
يقول مغسل الأموات: قبل البدء بتجهيز جثمان الشيخ رحمه الله جاءني أحد أبنائه وأعطاني (بشت) وقال لي:
أريد أن تُطيّب هذا (البشت) بالعود والبخور لأننا نرغب بتغطية كفن الشيخ به ودفنه معه؛ لأن هذا (البشت) هو الذي كان يلبسه والدي دائمًا في قيام الليل
ويقول: "أنا الآن في الصلاة أقابل ملك الملوك سبحانه فلابد من أخذ الزينة كاملة".
* * *
هل خوت هذه المحاريب الثلاثة أم أنها خالدة؟
أظلمت أم أشعّت؟
هل هدأت أو أن صدى الآيات مازال يتردد في القلوب!
سيرتهم تجلّي لنا أن هذه الأمة أمة مباركة، لا يدرى الخير في أولها أو في آخرها
وتبعث قصصهم في النفس الرغبة في الإقبال على القرآن والانشغال به
وتقريب الآيات من القلوب وإقامة القلب والجسد بتلاوته والصلاة به
اللهم اجعلنا ووالدينا من أهل القرآن أهلك وخاصتك
اللهم اغفر لهم وارحمهم واجعل القرآن العظيم شافعاً لهم يوم القيامة
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد