كثيراً ما نقابل في حياتنا عدداً من الشخصيات الاجتماعية البارزة التي نجد فيها ما يميزهم عن غيرهم من شخصيات المجتمع؛ ففي مرحلة من مراحل حياتي قابلت شخصية اجتماعية ثقافية لم أدرك أو أستوعب أن أرافقه يوماً ما .. شخصية تأسرك طيبتها وكرمها وتواضعها وثقافتها التي لا يمكن أن يتجاهلها أي إنسان تعرف عليه أو جالسه ولو لبضع دقائق .. فما بالك بمن زامله لأكثر من ٢٠ سنة .. إنه الأديب والمؤرخ الأستاذ محمد القشعمي .. حين التحقت بالعمل في مكتبة الملك فهد الوطنية كان هو الشخصية الأولى التي قابلتها في مبنى المكتبة .. لا أنسى كيف وقف لي وصافحني بتواضع جم وبدأ يسألني عن شهادتي ومن أي قسم تخرجت وما هي خبراتي .. للوهلة الأولى لم أدرك أنه محمد القشعمي الكاتب المعروف .. ولكن ملامحه لم تكن غريبة علي وقلت في نفسي هذه الشخصية ربما شاهدتها في التلفاز أو في مكان ما .. ووجدت أن القدر يجرني للعمل مع هذه الشخصية .. وما أجمل العمل معه .. أيام لا أستطيع نسيانها ولا تتلاشى عن ذهني .. جمعنا مكتب واحد مع أنه كان مديراً للشؤون الثقافية في ذلك الوقت .. فالمفترض أن يكون له مكتب خاص به .. ولكن أصر أن أكون معه في نفس المكتب وهذا دليل قاطع على تواضعه .. تعلمت منه في تلك الفترة الكثير وعرفني على العديد من المثقفين والشخصيات المميزة في بلادنا .. يخدم من يعرفه ومن لا يعرفه معرفة جيدة .. فبعض الباحثين في ذلك الوقت كانوا يأتونه شخصياً في مكتبه لأخذ معلومة تنفعهم أو تساعدهم في إتمام بحوثهم العلمية .. لا يتوقف عن دعم كل من يتسنى له دعمه سواءً بالأفكار أو بالاقتراحات أو بالعلم .. ففي إحدى المرات حضر إليه أحد الزملاء طالباً منه مساعدته في إكمال دراسته في الخارج .. فرح كثيراً ولم يتوانَ أبداً في دعمه والتوصية بابتعاثه لإكمال الدراسات العليا. عملت معه في برنامج التاريخ الشفهي للمملكة والذي يعتبر من المبادرات المميزة التي تقدمها المكتبة لحفظ التاريخ الوطني .. فهو عبارة عن تسجيلات مرئية ومسموعة مع عدد من الشخصيات التي لها دور بارز في التعليم أو الثقافة أو الأدب في بلادنا .. كان التسجيل يتم في بعض الأحيان بمبنى المكتبة .. فهو بنفسه يقوم باستقبال الضيوف وتقديم اللقاء .. وكنت أرافقه في بعض الفترات خارج المكتبة للتسجيل مع الذين لا يستطيعون القدوم لمبنى المكتبة .. وكانت هذه المرحلة التي رافقته فيها بمثابة معرفة ومعلومات اكتسبتها ولا زلت أحتفظ بها في ذاكرتي .. فالروايات التي يسردها الضيوف كانت ممتعة حقاً وأيضاً طريقة إلقائه واستحضار الأسئلة التي يريد طرحها على الضيف كانت بإعداد متقن ومعرفة مسبقة بالضيف وأهميته، وحين ترك المكتبة قبل ثلاث سنوات تقريباً بعد أكثر من ٣٠ سنة من العطاء .. ظل موقعه شاغراً ومحبة الناس والزملاء له لا تزال موجودة وسيرته في المكتبة لم تغب أبداً .. فالكثير يسأل عنه وعن صحته ولم ينسوه قط .. فهو الإنسان الذي لا يغيب وهو الإنسان الذي لا يُمل، واستمرت صلتي به حتى بعد تركه العمل .. ولا زلت في كل لحظة أتذكر أيامه الجميلة التي لا أستطيع نسيانها.
أسأل الله عز وجل أن يمنحه الصحة والعافية وأن يمد له في عمره على طاعته. 


رابط الخبر