أعلن فريق بحثي دولي مشترك أن عدد الكواكب الصخرية التي يمكن أن تتواجد في النطاق الصالح للحياة حول نجوم مثل الشمس في مجرتنا درب التبانة نحو 300 مليون كوكب، الأمر الذي يفتح الباب من جديد للتساؤل عن قصورنا في إيجاد آثار للحياة في محيطنا الكوني... ؛ في هذا الكون العظيم اللامتناهي والذي قد يضم ملايين بل مليارات المخلوقات الاخرى واشكال حياة قد تكون اكثر رقيا وتطورا من حياتنا البشرية الارضية بمئات المرات او بما لا يستوعبه الخيال البشري ؛ ماذا تعني لنا هذه الحياة القصيرة ؟
ويعتقد العلماء أن المستقبل يحتوي على اكتشافات أكثر دقة في هذا النطاق، لكن كلما حققنا عددا أكبر منها تزداد الحيرة، ومن جديد يُطرح على طاولة النقاش سؤال الفيزيائي الشهير إنريكو فيرمي: أين ذهب الجميع؟
ويقصد فيرمي أنه رغم التوقعات بوجود مليارات العوالم حولنا، والتي يمكن أن تحوي فرصا لوجود حياة، فإننا لم نتلق أية رسائل من تلك العوالم بعد، ويضاف لسؤال فيرمي أننا حتى لم نجد أية صور لحياة دقيقة بعد، إلا في الأرض.
ويطرح علماء البيولوجيا الفلكية إجابات عدة، أولها أن فهمنا لهذا النطاق لا يزال بدائيا، كون الكوكب يقع ضمن النطاق الصالح للحياة هو فقط شرط واحد من شروط كثيرة جدا لوجود الحياة، لكن التلسكوبات مثل كبلر لا تجيب إلا عن تحقق هذا الشرط فقط.
من جانب آخر، يعتقد بعض العلماء أن الحياة العاقلة قد تكون نادرة بحيث تحتوي مجرة كاملة على عدد قليل من الحضارات، أو ربما حضارة واحدة فقط، ولذلك فإن التواصل معها قد يكون صعبا للغاية، أما بعض المتشائمين منهم فيقولون إن الحضارات المتقدمة عنّا موجودة، لكنها لا تود أن تنخرط في علاقة مع حضارات بدائية مثل حضارتنا!
وحياتنا مرتبطة بشكل او باخر بهذا الكون السحيق , وقوانين الكون تجري على كوكبنا كما تنطبق على الكواكب الاخرى , فالحياة تسير من دون توقف وكل شيء فيها يتغير الا قانون التغير نفسه يبقى ثابتا , ولعل كتاب القران اشار الى ذلك المعنى من خلال بعض الاشارات القرآنية ؛ مثل : (( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْن )) ؛ فهو كلُّ يومٍ في شأنٍ يستحدثُ أشياءَ ويُجدِّد أحوالًا، فيهلك حضارات ويبيد مخلوقات ويستحدث اخرى تحل محلها ... وهكذا .
فحياتنا البشرية اشبه بالطلقة غير المرئية التي تمر من امامنا اسرع من الضوء ؛ فنحن فيها بين اليقظة والاحلام ؛ اذ سرعان ما تنصرم ايامنا وتمضي اعوامنا من دون رجعة – أنّ ما فات قد فات و لن يرجع الماضي فهيهات هيهات - ؛ وكلما تقدم بنا العمر نشعر بأن الزمن يمر بسرعة قصوى لا نستطيع من خلالها ترتيب اوراقنا وتنظيم شؤوننا ومعالجة امراضنا وجراحنا ... , اذ يُعَد الإحساس بسرعة مرور الوقت كلما تقدمنا في العمر واحدًا من أكبر الألغاز المرتبطة بالإحساس بالوقت .
بينما كنا نشعر او نتذكر ان ايام الطفولة والمراهقة كانت تمر ببطء شديد , ولا ادري لأننا جئنا للتو لهذه الحياة كنا نشعر بهذا الشعور ؛ بينما شعرنا بان عقارب الساعة تجري بسرعة اكبر , عندما تقدم بنا العمر ؛ ولعل السبب في ذلك الشعور اقترابنا من النهاية المحتومة ؛ وكما قال الشاعر العراقي ابو العتاهية :
أَيا إِخوَتي آجالُنا تَتَقَرَّبُ ......وَنَحنُ مَعَ اللاهينَ نَلهو وَنَلعَبُ
أُعَدِّدُ أَيّامي وَأُحصي حِسابَها ......وَما غَفلَتي عَمّا أَعُدُّ وَأَحسُبُ
غَداً أَنا مِن ذا اليَومِ أَدنى إِلى الفَنا ......وَبَعدَ غَدٍ أَدنى إِلَيهِ وَأَقرَبُ
إن للعمر طرفان، طرفٌ من قِبَل المولِد، وطرفٌ من قِبَل الأجل؛ فكلما انقضى عام ابتعدت عن يوم مولِدِك، واقتربت من يوم نهايتك، وأنت منذ أن خرجت إلى الدنيا، وأنت تهدِمُ في عُمُرِك و تُنقِصُ من أجلِك ؛ وكما قال الشاعر :
وما هذه الأيامُ إلا مــــــراحــلُ *** يحُثُّ بها حادٍ إلى الموت قاصدُ
وأعجبُ شيءٍ لو تأملتَ أنها *** منازلُ تُطـوى والمُســـافِرُ قــــاعِدُ
أرأيت إلى هذا التقويم الذي نضعه فوق المكتب في بداية كل عام، أو نعلقه على الجدار ، إنه مليء بالأوراق، وفي كل يوم نأخذ منه ورقة واحدة فقط، وفي نهاية العام لا يبقى منه إلا الجلدةَ فقط، هكذا عُمْري و عُمْرُك ؛ مجموعة أيام، ومجموعة ليالي، كلما مضي يوم أو انقضت ليلة نقصت أعمارنا، ونقص رصيد أيامنا في هذا الحياة حتى ينتهي ذلك الرصيد، ثم نغادر هذه الدنيا.(1)
كم يتمنى المرء تمامَ شهرِه! وهو يعلم أن ذلك يُنقص من عُمُرِه؟ كيف يفرح بالدنيا من يومُه يهدِمُ شهْرَه؟ وشهرُه يهدِم سنتَه؟ وسنتُه تهدِم عُمُرَه؟ كيف يفرح من يقودُه عمرُه إلى أجلِه، وتقودُه حياتُه إلى موتِه؟
قال الحسن البصري العراقي : يا ابن أدم إنما أنت أيام، كلما مضى منك يوم مضى بعضك.
إنـا لنفـرح بالأيـامِ نقـطَعُها *** وكـلُّ يومٍ مضى يُدْني من الأجلِ
كلُّ المخلوقات تنتهي أعمارها، وتُطوى آجالها، وتُمزَّق صحائفها , وتنتهي مدة ارزاقها واوجاعها وآلامها , وتتحل اجسادها وتنفى اجسامها وتتطاير كذرات في هذا الكون الكبير ... .
عامٌ بعد عام يتولى , وعقد بعد عقد ينصرم , وقرن بعد قرن يمضي ... ؛ بين مولود ومفقود، وباك وضاحك، ومريض ومعافى , وغني وفقير , وضعيف وقوي ... مضت ايامنا وعشنا حياتنا ؛ كم استبشرنا فيها بمولود فرح به أهله وأقاربه، فمن مهنٍ ومن مهدي، ملأ عليهم بيتهم، وغمرهم بالفرحة والأنس، فهم به فرحون، وعليه خائفون، وبتربيته قائمون... ؛ وكم ودعنا فيه من أحبة، و فقدنا فيه من أعزة، أسلمناهم إلى الردى والبِلى، وتركناهم في مكان موحش مظلم، و والله كما ودَّعنا فسوف نُودَّعْ، وكما بكينا فسوف يُبكى علينا، وكما حَمَلْنا فسوف نُحمَل، وكما تَركنا أحبتنا فسيتركوننا.
أتيتُ القبورَ فناديتُها ... أين المعظَّمُ والمحتقر!
تفانوا جميعا فما مخبرٌ ... وماتوا جميعا ومات الخبر
وبما ان الحياة قصيرة ولا تكفي لإنجاز ما نصبو اليه ؛ فلا تستحق أن نهدرها في المكان غير المناسب أو مع الاشخاص المزيفين ... , ولكن المشكلة في الامر ان الحياة لا تمنحك سرها ولا تكشف لك عن نفسها الا في وقت متأخر , وحينما تكون غير قادر على العودة للخلف وتصحيح الاخطاء ؛ وقد تعرف عندها انك لم تكن حيا اصلا ؟! ؛ وكما قال احدهم : ((نحن لا نحيا في الحياة بل نموت فيها )) بينما عبر احدهم عن هذه الحالة قائلا : ((كأنني أجلس على حيز الموت وكأن الحياة حبة صغيرة وردية أتناولها كي لا أفقد حيز الفكرة )) .
ولعل هذا المثال المتداول يبين لنا جزء من حقيقة حياتنا البشرية القصيرة والتي هي اشبه بومضة حياة منها الى الحياة ؛ لذلك اطلق كتاب القران على الحياة الاخرة قياسا بحياتنا الارضية ؛ اسم : ((وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ )) : فبعد 100 عام من الان – مثلا - ؛ سنكون جميعا نحن مع اقاربنا واصحابنا واصدقائنا تحت الارض ؛ اذ تبدأ اجسامنا بالتحلل ولكن بعد الموت تمر اجسادنا ب 15 مرحلة في رحلة أجسادنا إلى التحلل : وقد تبدو تتحرك وتُصدر أصوات – في بعض مراحل تحلل الجسد - ؛ اذ يشير الموت، بمعناه الروحي إلى نقطة النهاية لحياة الإنسان في هذا العالم، لكن من الناحية المادية فإنه يعني الدخول في رحلة طويلة نحو التحلل... ؛ وفي اخر مرحلة من مراحل التحلل لا يتبقى سوى العظام : بعد البكتيريا والفطريات والكائنات الأخرى التي تتخلص مما تبقى من الجسم، يتحلل البروتين في العظام في نهاية المطاف، تاركا الهيدروكسيباتيت ، وهو معدن عظمي يتحول إلى غبار... وهنا اتذكر قول الخيام :
ذراتُ تراب أرضنا قدْ كانتْ ... أقمارَ وجوهٍ فاتناتٍ غيدِ .
وسوف يسكن بيوتنا واراضينا اشخاص غرباء , ويملك اموالنا وممتلكاتنا افراد اخرون , ولن يعرفوا شيئا عنا او نخطر في ذاكرتهم , فمن منا تذكر جده الخامس - مثلا – او فكر في حياته ؟
سنكون مجرد سطور قصيرة و صور مشوشة غير واضحة المعالم في ذاكرة بعض الناس فقط لأسباب معينة اسماؤنا واشكالنا سيطويها النسيان ويلفها الدهر ؛ هناك بعد مئة عام وسط الظلام والفراغ والفناء والسكون ؛ لو قدر لنا التفكر والتأمل لادركنا حينها – ولات حين مندم - : كم كانت الحياة البشرية قصيرة و وهمية , وكم كانت احلامنا بالاستزادة منها سطحية وقشرية , وسنتمنى حينها اننا لو رجعنا اليها كرة اخرى ؛ لغيرنا السيرة وصححنا المسيرة ... .
................................................................................................
- ومضى عام / عبد السلام بن إبراهيم / بتصرف .