Image title


يستعرض رئيس الهند ومهندس الصورايخ الراحل أ ب ج عبدالكلام الشهير باسم " كلام " في مذكراته الشخصية تجربته المؤسسية في قيادة الهند والدخول بها إلى نادي الفضاء الحصري. تتميز مذكرات كلام باحتوائها على تفاصيل فنية و تنظيمية دقيقة عن التقنيات والمشاريع والأحداث والمواقف ونسبتها لأصحابها دون طول ممل أو اختصار مخل.  جمع كلام بين خلفية هندسية قوية واهتمام عميق بالإدارة وتدينًا روحانيًا صافيًا فمكنه ذلك من النفاذ إلى جوهر من تعامل معهم والأحداث التي عاصرها، فكانت تستوقفه كلمة ويلهمه موقف مما أضفى على تجربته نكهة فريدة نعرض لمقتطفات سريعة منها.

كانت الطبقية التي تعج بها المنظمات الهندية من وجهة نظر عبدالكلام أكبر عائق أمام أي مشاركة فعلية لتحقيق هدف بحجم توطين تقنية الفضاء في بلد مثل الهند. فالطبقية تمنع الكبار من سماع رأي الصغار و تخلط بين القسوة و الحزم وتصنف العاملين إما كأبطال عظماء أو أصفار ليس لها قيمة. لذا كان لزامًا أن يبذل جهد مضني لتغيير هذه البيئة الخانقة. 

يعَد كلام أن أول منجزات برنامج الفضاء الهندي وأحد أهم عوامل انطلاقته السريعة هو بناء الثقة على مستوى الوطن أفرادًا ومؤسسات، والذي تطلب كثيرًا من التخطيط والعمل الشاق والصبر والتغاضي عن الهفوات والتركيز على التواصل الفعال فكان نتاج ذلك تفعيل التعاون بين أكثر من ٥٠ بروفسور و١٠٠ باحث ينتمون إلى ١٢ مؤسسة أكاديمية و٣٠ معملاً بحثيًا وطنيًا والعديد من المنشآت الصناعية الوطنية لإنجاز المشروع الحلم نجاح وفي فترة قياسية لم تتجاوز عقدين من الزمان. وأي مدير مشروع يدرك حجم التحدي الذي تنطوي عليه مهمة بهذا الحجم. جدير بالذكر أن برنامج الفضاء الهندي بدأ بتطوير صاروخ لقياس الأحوال الجوية بالتعاون مع ناسا عام ١٩٦٣ ثم تبعته مجموعة من المنظومات المشابهة التي أسهمت في استنبات تلك التقنية وطنيًا ومهدت لظهور أجيال من المنظومات الصاروخية ذات الأغراض المدنية والعسكرية. 

يحكي كلام أن روتينه اليومي يبدأ بالمشي الصباحي المبكر يستعرض خلاله مع نفسه أهم ثلاثة مهام يود التركيز على إتمامها ذلك اليوم وأن يكون أحدها طويل ذو هدف بعيد، أول أعماله التي يقوم بها حال وصوله إلى مكتبه ترتيب سطحه كناية عن فتح صفحة جديدة ينطلق منها للإنجاز. 

يؤكد كلام أيضًا أن التركيز على إنجاز أهداف المشروع فقط وإهمال العاملين يؤدي إلى التطرف في التسيطرة والتحكم مما قد يؤدي إلى نوع من العصيان الصامت وعدم التعاون الذي يدخل المنظمة في دوامة الأداء المتدهور. ومما يؤمن به أيضًا أن ثمن البحث عن الكمال في أداء العاملين والمنجزات باهظ جدًا مقابل مواصلة العمل والتعلم من الأخطاء،  لذلك كان يهتم بالتأكد من أن خطط العاملين معه تتضمن القيام بتجارب مستمرة والتي بدون شك سينتج عنها أخطاء يجب استثمارها كفرص عظيمة للتعلم،  وينسب الفضل في تلك المنهجية لرئيسه وملهمه البروفسور ساربهاي. 

من أكثر النصائح التي تأثر بها كلام كانت من عالم الفضاء الألماني ڤيرنر فون براون قائد برنامج الأمريكي للهبوط على سطح القمر وذلك أثناء زيارة الأخير للاطلاع على منجزات برنامج الفضاء الهندي عندما قال له :" إذا أردت أن تقوم بشئ في مجال الفضاء فعليك القيام به بنفسك .. صحيح أنك تواجه صعوبات في بناء السفينة الفضائية التي قمتم بتصميمها محليًا لكن تذكر دائمًا بأنك لاتبني على النجاح فقط بل تبني على الفشل أيضًا ..والنجاح في هذا المجال لا يتطلب منك العمل الشاق فحسب بل أن تهب حياتك له بالكامل لتحقق نتائج عظيمة في وقت قياسي .. "، يبدو أن تلك الكلمات ظهر أثرها بوضوح على الجانبين التقني والإداري في برنامج الفضاء الهندي وعلى حياة كلام الذي كرَس حياته لهذه المهمة فعاش طوال عمره أعزبًا يسكن حجرة صغيرة متواضعة.