في هذه الحياة، تتشكل لنا العديد من الشخصيات التي نواجهها يومياً، شخصيات تختلف أمزجتها وتفكيرها وثقافتها، فهناك شخصيات تخفي في باطنها ما تظهره لمن حولها، تلك العينات من البشر التي ترافقك وهي غير مؤمنة بنجاحاتك، تحاول تعكير صفوك وتحطيم طموحاتك، تخلق منك إنساناً ليس لك أي قيمة في هذا الوجود وتحاربك لكي لا تنال ما تحلم به أو ترغب في تحقيقه. (مكانة الأم). (اقرأ المزيد من المقالات ىعلى موقع مقال من قسم خواطر).

مكانة الأم

ولكن هناك شخصية من هذه القائمة اليومية تبادلك مشاعر الحب والتقدير وتضعك في اهتماماتها الأولى، بل تعتبرك كل شيء بالنسبة لها. هذه الشخصية هي الأم فبها تتحقق الجنان وبالقرب منها تجد كل حنان، تسعد بلقياك وهي مليئة بالهم والأحزان، تُلطف عليك الأجواء إذا كان هناك ما ينكُد صفوك ويعكر المزاج. تراها تقابلك بابتسامةٍ تضيء ما حولك من ظلامٍ وأشجان.

وصدق الشاعر أبو العلاء المعري حين قال:

العيش ماض فأكرم والديك به     *  والأم أولى بإكرام وإحســــــــــــــان

وحسبها الحمل والإرضاع تدمنه  *  أمران بالفضل نالا كل إنسان

هل الأم هي المؤثر الأول في سلوك الأبناء؟

وكما ذكر الأديب السعودي عبدالكريم الجهيمان رحمه الله أن الأم هي المؤثر الأول في سلوك الأبناء واتجاهاتهم وهي التي تمنحه العاطفة والاهتمام به فيقول: ” الأم هي دليل الطفل وقدوته هي قوام جسمه وعقله هي ضجيعه في الليل ورفيقه في النهار وسميره في الوحدة .. هي المؤثر الأول في أخلاقه واتجاهات .. في ميوله ورغباته!!”

من هي الأم التي تلقب بالنفيسة؟

وفي هذا المقام أتحدث عن أمٍ تلقب بالنفيسةِ وهي عظيمةٌ حقاً في كل ما تقدمه من أعمالٍ لأبنائها وأقربائها ومن تقوم على إسعادهم في كل حين. إنها الأم الفاضلة النبيلة التي نسعد بقربها ونفرح بوجودها، إنها مريم بنت عبد العزيز النفيسة، أمي فلذة قلبي وسعادة فؤادي، هي التي بفضلها وبدعائها بعد الله سبحانه وتعالى السبيل في تحقيق أمنياتي وتطلعاتي وسعادة إخوتي وأخواتي. شخصية محبوبة من الجميع، لا تؤمن بالنقد المباشر وتتعامل مع الناس بطريقة سلوكية احترافية كأنها خبيرةٌ في تطوير الذات. بكلماتها ودعمها وحبها الذي لا ينقطع أوصلتنا إلى مراحل عليا في التعليم مع أنها لا تقرأ ولا تكتب.

الثقة التي تمنحها تلك الأم لأبنائها

بتفاؤلها الذي حققنا ما نصبوا إليه في حياتنا .. فهي تمنحنا الثقة كلما نتحدث إليها .. بكلماتها الإيجابية المحفزة تغمرنا بالبهجة والسعادة. تصغي بكل جوارحها لأحاديثنا .. تهتم كثيراً بكل تفاصيلنا .. تحاول أن تجد حلاً لكل مشاكلنا .. تسعد كثيراً بكل منجز نحقق وكأنه لها وليس لنا .. تعير اهتماماً بالغاً بأطفالنا .. تهتم بهم أكثر مما تهتم بنا .. لأن حبها الواسع لنا ولّد حباً جماً لأبنائنا .. تداريهم وتستمع إليهم وتعطف عليهم ولا تقول لهم أي كلمة تغضبهم ولا تنهرهم ولا تقسوا عليهم إذا قاموا ببعض الأعمال الشقية في منزلها.

أسلوبها مع أبنائها ورقة قلبِها

إذا غضبت تخاطبنا بلغة رقيقة بسيطة حتى أنك لا تشعر باستيائها .. قلبها ملئ بالحنان .. فهو لا يكل ولا يمل من أجل إسعاد الآخرين .. تتجنب أن تسيء لأحد حتى ولو كان غريباً عنها .. ومن أساء إليها لا تحمل عليه أي حقد أو ضغينة بل تدعو له بالهداية من رب الأرباب والرحيم التواب. تعلمنا منها أن الإنسان بأخلاقه يسمو ولو وصل للشهادات والمناصب العليا .. فهذه الأمور سراب تختفي إذا ذهب عن الإنسان الأخلاق.

كلما بدأ النقاش يحتد بيننا في موضوع معين يمس حياتنا أو المجتمع المحيط بنا ترد علينا وتقول بلسانها المتفائل، لا تحزنوا ولا تستاؤوا يا أبنائي فكل شيءٍ مقدرٌ ومكتوب .. وطاعة الله عز وجل والتضرع إليه هي الحل لكل المشاكل والكروب. لها أسلوبها المميز في التعامل مع أبنائها .. وكأنها حاصلةً على شهادات عليا في علم التربية .. تعاملهم معاملةً واحدة ولا تفرق بينهم ولا تظلم أحداً منهم .. تقاسهم الأحزان وتشاركهم الأفراح .. تبدي لهم النصح والتوجيه عندما تتلاطم بهم أمواج الحياة ..

أتحدث هنا عن إنسانة لا تعرف المقارنة ولا تفكر في أن تصل لما وصل إليه الآخرون .. تعيش بسلام بعيدة عن كل ملهيات هذا الزمن .. لا يشغلها جمع حطام هذه الدنيا وتهتم كثيراً بتقديم كل مساعدة تستطيع عملها لمحبيها وأقربائها .. فهي باعتقادها وكما تُحدثنا دائماً أنه لا يوجد إنسان أفضل من إنسانٍ آخر، فكل فرد له قدراته ومواهبه التي أعطاها الله إليه.

دورها في تربية أبنائها

تقدم لي ولإخوتي دروساً في الأخلاق وفي التعامل مع الآخرين ومن هذه الدروس أن القيام بالشكر والثناء على كل عمل يقدم إليك سواءً كان صغيراً أو كبيراً من أي شخص تواجهه في الحياة هو الذي يقلل خطر الوقوع في المقارنة بالغير. وهي أيضاً تقوم بذلك العمل في العديد من المواقف التي تمر بها يومياً .. فهي دائماً ما تقدم شكرها وامتنانها إلى أي شخص قام بخدمة لها مهما كانت هذه الخدمة تختلف في حجمها وقيمتها.

هذه الصفات التي ذكرتها سابقاً لوالدتي .. نجدها تتكرر في عدد من الأمهات .. فلا يخلو بيتاً من أمٍ تتصف بهذه الصفات .. ولا تجد أبناءً تعاملهم أمهاتهم بقسوة أو بجفاء أو عدم اهتمام إلا ما شاء الله .. فالواجب علينا كأبناء أن نراعيهم ونهتم بهم وباحتياجاتهم وأن نحسن إليهم كما هم يحسنون إلينا في تصرفاتهم ومعاملتهم معنا .. فالأم هي الكنز الذي يملئ البيت بكل أنواع العطف والحنان والابتهاج. أدام الله على أمهاتنا الصحة والعافية وأن يغفر لمن مات منهم ويجمعنا بهم في جنات الخلد.

رابط المقال