في كل صباح تأتينا أخبار من مكان ما في هذا العالم، عن غني ظلم فقيرا، ومسؤول سرق مواطنا، وعن رجل احتقر آخر بسبب دينه، وأناس تعرضوا للتهميش بسبب عرقهم، ويحظى العالم "العربي" بنصيب الأسد من كل هذا، في الوقت الذي وصل فيه الغربي بأجهزته وآلاته، إلى المريخ والمشتري، ما زال المواطن عندنا يفكر في كيفية الوصول إلى منزله وهو يحمل لقمة العيش، ليجلس مع أهله ويحلم بهدوء في وطن تسود فيه الديمقراطية والعدل.
خاض أجدادنا معارك لا هوادة فيها لتحريرنا من الاستعمار، فلما تحقق لهم ذلك، ابتلينا بحكام، خلفهم المستعمر وراءه، عضوا على الكراسي كما تعض "التماسيح" الفريسة، اتخذ معهم الظلم المسلط على المواطنين أشكالا وألوانا مختلفة، من خلال هذه السطور، سنمر على بعض مظاهره في عالمنا "العربي"، سواء في الدول التي تكالب عليها الأعداء علنا واحتلوها، أو في البلدان التي سميت زورا وبهتان "بالمستقرة".
قبل حوالي سنة، تم الزج بمخترع تونسي في السجن، بتهمة "الإفراط في التفكير"، لو أن هذا حدث في عهد "بن علي"، لتقبلناه، باعتبار أن مثل هذه الممارسات في حق الشعب، كانت سارية المفعول خلال حكمه، لكن الغريب أن يحدث هذا في الفترة التي صارت تونس مضربا للمثل في العالم "العربي"، وقد نكون مخطئين، فربما نية السلطات التونسية كانت حسنة، هدفها الحفاظ على "سلامة عقول" المواطنين. على كل حال فهذا نموذج لشكل من أشكال الظلم، الموجه لعقل الإنسان "العربي".
من العقول إلى الأفواه، في أرض الكنانة مثلا، يتعامل النظام الانقلابي مع الشعب المصري، بعقلية، مع أو ضد، فمن كانوا في جانبه لا خوف عليهم، ومن اصطف مع الحق، صار من المغضوب عليهم، إضافة إلى من يملأ السجون من الصحفيين، والمعارضين، سنعطي مثالين الأول للإعلامي "أحمد منصور"، المحكوم عليه غيابيا من طرف "محكمة جنايات القاهرة"، ب 15 سنة سجنا نافذا، والثاني لزميله الدكتور "فيصل القاسم" المحكوم هو الآخر بالإعدام من طرف النظام السوري، رغم أن كلا النظامين، المصري والسوري، فاقدان للشرعية والمشروعية، وجرائمهما أكبر بكثير من "تكميم الأفواه"، لكن ما ذكرناه كان من باب التمثيل فقط.
في مثال مشابه لسابقه، دخل شاب مغربي يدعى "عبد الرحمان المكراوي" السنة الماضية السجن، بسبب نشره لفيديو على موقع "يوتوب" تحت عنوان "الزفت المغشوش" يفضح فيه الغش الذي طال الطرقات المغربية، لكن يبدوا أن "خدام الدولة"، استغلوا نفوذهم، كي يتم اعتقال من فضح الفساد، الذي يغذونه هم، وهذا شكل آخر للظلم، عنوانه العريض، "لا لفضح الفساد"، لأن القانون في بلداننا يعاقب على ذلك، بينما يترك الفاسدين لحال سبيلهم.
وفي السعودية يقضي عدد لا يستهان به، أحكاما بعشرات السنين، لأسباب لا تعدوا أن تكون، كالتي اعتقل على إثرها المئات في السجون المصرية والسورية، و"الإيرانية"، هذا مع تسليمنا أن ما خفي كان أعظم.
بعد الذي ذكرناه، ورغم أنه لا يمثل سوى جزء بسيط جدا، من حقيقة الظلم المسلط على الشعوب القاطنة في البلدان التي تحكمها "الأنظمة العربية"، فيمكننا أن نقول كما قال الشاعر:"الظلم أصله عربي"، لا أعتقد أن هناك فردا من هذه الأمة، لم يتعرض للظلم في هذه الديار، فالظلم لا يتجول في سوريا والعراق وحدهما، بل قد يكون في دول تتباهى بأموالها أمام العالم، أو في أخرى ما فتئت تتبجح بالاستقرار، الظلم يا سادة، يسكن في السعودية، ويجول في أنحائها، ثم يقصد تونس و يمر من الجزائر ليبيت في المغرب، قبل أن يواصل رحلته بين الدول "العربية".