فتحت هجمات 11 أيلول/سبتمر 2001 الباب على مصراعيه لبدء حملة هوجاء على ما أسماه "جورش دبليو بوش" "الإرهاب"، حيث خاض الرئيس الأمريكي السابق حربا عابرة للقارات، تبعته في ذلك عدة دول غربية وعربية، لحد الساعة لا يزال تعريف مصطلح الإرهاب غير واضح المعالم، حيث تتدخل في حسمه الثقافة والعرق والدين. منذ 2001 إلى الآن ما تزال الحرب على الإرهاب قائمة، ولو أن إدارة الرئيس الحالي غيرت بعض الشكليات في الشعار "الحرب على الإرهاب"، لتصبح "الإرهاب الداخلي" أو حفظ الأمن القومي الأمريكي، وأكدت أنها "ليست في حرب عالمية على الإرهاب" أو "الإسلام"، بل هي في "حرب على شبكة محددة هي تنظيم القاعدة" وما يرتبط بها، بمعنى أن كل ما تقوم به أمريكا في الشرق الأوسط وأسيا وإفريقيا هو حماية أمنها القومي. بعد ظهور تنظيم الدول شكل تحالف دولي لمحاربته، وتهافتت الدول لأجل ذلك، لكن ما الذي يجعل بعض البلدان تتدخل في مواقع جغرافية بعيدة كل البعد عنها ؟
لم تجن واشنطن من "الحرب على الإرهاب" سوى الخسائر تلوى الأخرى، المادية منها والبشرية، ونقف هنا مع ما تكبدته خلال غزو العراق، حيث كشفت عدة تقارير، منها تقرير "اللجنة الاقتصادية المشتركة" التابعة للكونغريس الأمريكي، والذي تضمن كلفة غزو العراق التي وصلت إلى 1.8 تريليون دولار، إضافة إلى أن عددا كبيرا من المعدات تم تدميره ومنها ما يحتاج للإصلاح، ومجموعها وصل لنسبة 50%.
وفي الخسائر البشرية فعدد الجرحى الأمريكيين الذي حاولت أن تتستر عنه، قبل أن تكشفه بعض التقارير، وصل إلى 224 ألف جريح، إضافة إلى أزيد من 33 ألف قتيل، هذا فقط في العراق وهناك نماذج أخرى، لأن الإجرام الأمريكي مس عدة دول.
هذا ما لقن "بلاد العم سام" درسا مهما، وهو تفادي الدخول في أي حرب برية مهما كان السبب، لكن هذا لم يثنها عن المضي في "مكافحة الإرهاب"، فسخرت طرق أخرى للقتل، إما عبر تسليح مقاتلين على أرض الميدان، أو عن طريق الطائرات بدون طيار، هذه الأخير التي أصبحت وسيلة واشنطن للقتل في عدد من البلدان.
حسب تقرير لمنظمة "أطباء من أجل المسؤولية الاجتماعية"، التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، السنة الماضية، فإن عدد القتلى المدنيين خلال عشر سنوات من بداية ما سمي "بالحرب على الإرهاب"، يتراوح ما بين 1.3 مليون، إلى 2 مليون، جاء هذا التقرير في 97 صفحة، كشف النقاب عن الفجوة الهائلة بين ما يتم الإعلان عنه والوقائع الميدانية.
في أفغانستان وحدها، وخلال 6 شهور فقط، قتل ما بين 1300 إلى 8000 أفغاني، بقصف مباشر من الطائرات الأمريكية، وفي العراق، راح ضحية الإجرام الأمريكي، ما يزيد عن 116 ألف مدني خلال ثمان سنوات وقد يكون الرقم أكبر بكثير.
ويستمر عدد الضحايا المدنيين للحرب على الإرهاب التي تقودها "واشنطن" في الازدياد خلال هذا العقد، فرغم التغيير البسيط الذي لحق الشعار، ما زالت الطائرات الأمريكية بدون طيار تقتل المدنيين في دول مثل باكستان وأفغانستان واليمن، والعراق وسوريا، والصومال... مع تزيين الراية "مكافحة الإرهاب"، ولفه بالإغراءات، وذلك بإضافة عبارات من قبيل "حماية المدنيين من الإرهاب"، إلى الشعار السابق الذكر.
منذ سنوات تسابقت الدول الغربية ومعها العربية في طابور "مكافحة الإرهاب"، لأن هذه الراية تعطي للمنضوين تحت لوائها امتيازات عديدة، أبرزها حمايتهم من شعوبهم في الغد القريب، حين تنتفض في وجه الاستبداد، كما يحصل الآن في سوريا.
ويمكن أن تصل الامتيازات المقدمة إلى حد "التأثير" في المجتمع الدولي في حال كان الطرف الذي يحارب الإرهاب، يقتل عشوائيا، ودون أن يفرق بين المدنيين وغيرهم، نحن أمام سباق أممي بعنوان؛ من سيقتل أكثر ؟ والذي يفوز هو من يتزعم المنتظم الدولي، أضف إلى ذلك المساعدات المادية المقدمة من "الماما أمريكا"، والتي تقدر بملايين الدولارات، ما يجعل لعاب البعض يسيل، لذلك يتسارعون للتسجيل اسمهم في الدول المكافحة للإرهاب.
وفي الجانب المقابل، فروسيا مثلا من ضمن الدول التي أعلنت منذ زمن أنها تكافح الإرهاب، كما أنها تقوم "بالعمليات الإنسانية" في سوريا منذ أزيد من سنة، ليس للحصول على الدعم المادي، لكن وعيا منها بضرورة القيام بذلك في هذه المرحلة الحساسة، لسحب البساط من تحت أقدام "العم سام"، لأن تاريخ البلدان الغربية، يؤكد بأن صدارة المنتظم الدولي تأتي بالقتل والإجرام، فأكبر مجرم هو من سيقود الدول.
يستيقظ "الطفل" فرحا بصباح جديد، ويستأذن "والدته" أن يخرج للعب مع أطفال الجيران، تقبله أمه وتقول له، حسنا، يا بني، لكن بشرط ألا تبتعد، فيطمئنها ويخرج مبتسما تملأ عيونه البراءة، وبعد نصف ساعة تسمع الأم صوت افنجار هز الأرجاء، تتمالك نفسها من هول الصدمة، وتخرج مسرعة لتفقد ابنها، لتكتشف أنها "غارة جوية" من "طائرات أمريكية" بدون طيار، تصرخ مرددة إسم إبنها، تفتش بين الركام، عن جزء منه، فقط لتدفنه ويكون لابنها قبر تزوه، هذه أقل الخسائر، لكن للأسف، غادر الطفل هذا العالم للأبد، ولم يبق منه شيء، تستسلم الأم للحقيقة المرة، وتغرق في دموعها لتسقط مغشية عليها، بعد أن فقدت فلذة كبدها.
حاولت من خلال هذا "السيناريو"، أن أصور جريمة من جرائم الطائرات الأمريكية، تهدد ألاف الأطفال حول العالم. والتي تستخدم فيها أبشع الطرق. الجرائم التي ارتكبتها دول بموسساتها خلال القرن الماضي، والتي حدثت في هذا القرن التي تحت راية محاربة الإرهاب، لا تعد ولا تحصى ولا مجال لمقارنتها مع تلك التي يقوم بها "الإرهابيون"، لا من حيث العدد، ولا من حيث الضحايا، ولا من حيث المعدات والأسلحة المستعملة.
الذريعة العمياء، جعلت مدنا تصير خرابا، وطارت بسببها أشلاء الأبرياء في أسيا وإفريقيا، دون أن تخلص الشعوب من الإرهاب، وما تزال الحرب على هذا الأخير مستمرة لسنين طوال حسب تعبير واشنطن. ما يشكل خطرا على الشعوب هي الطائرات الغربية التي تحلق فوق المدنيين، دون أن يأمنوا مكرها وإجرامها.
الإرهاب يا "من تحاربونه" لا يستخدم طائرات بدون طيار "لحفظ الأمن" في أوروبا، ولا أمريكا، ولا في روسيا أو أي مكان آخر، كما تفعل الطائرات الغربية. ولم يسبق له أن غزا دولة ما بذريعة "إنقاذها من الديكتاتور الذي يحكمها" أو "لمنعه من امتلاك السلاح النووي" كما فعلت واشنطن في العراق، كما أن الإرهابيين لا يقومون "بعمليات إنسانية" في أي دولة، كما تفعل روسيا في سوريا، ولا "يلعبون" مع الأطفال في الأحياء الشعبية باستخدام "صواريخ جو-أرض" أو غيرها من "الألعاب" القاتلة، كما تفعل أمريكا.