تاريخ الإنجليز مع الدول العربية والإسلامية – عامة والعراق خاصة - في هذا العصر مليء بالخبث والحقد والاجرام والارهاب والمؤامرات المتنوعة في أماكن شتى من بلاد الإسلام والمناطق العراقية , فما من مصيبة تحل بهم إلا وتجد من ورائها كيد الإنجليز وتدبيرهم ، والشواهد على ذلك كثيرة لا أظنها تخفى على متابع ؛ حتى وصفهم الشاعر معروف الرصافي زمن احتلالهم للعراق بقوله - في ديوانه ( 3/240-243) - :
دع اللوم واسمع ما أقـول فإنـني *** قتلتُ طباع " التيمسيين " بالبحث
كأنهم والنـاس عُث وصــوفة *** وهل يستقيم الصوف في عثة العُث
فكم حرثوا في أرض مستعمراتهـم *** مظالم سودًا كن من أسوأ الحـرث
وكم أيقظوا والناس في الليل نُـوّم *** بها فتنًا كالدجن يهمي على الوعث
وهم يأكلون الزبد من منتجاتـها *** ويُلقون للأهــلين منهن للفرث
يقولون إنا عاملون لسعــدكم *** ولم يعملوا غير الكوارث و الكرث
إذا ما رأيت القوم في فخ مكـرهم *** رققت لهم تبكي على القوم أو ترثي
فلا ترجُ في الدنيا وفاء لعهــدهم *** فلا بد في الأيام للعــهد من نكث
و من قرأ تاريخ الاحتلال الإنجليزي للعراق في القرن الماضي وتابع خطواته وسياساته ، متأملاً ما تبين من سبيل المجرمين والمنكوسين من الغرباء والدخلاء وابناء الفئة الهجينة للوصول إلى سدة الحكم والسلطة والنفوذ والعمالة والخيانة ... ؛ وجد في ذلك الكثير من العِبَر التي تستحق التدوين والمراجعة ، ويمكن الاستفادة منها لمنع تكرار ما حدث ؛ والوقوف بوجه الانكليز وعملاءهم , و التصدي لمخططاتهم المشبوهة والهادفة الى تمكين الفئة الهجينة الاجرامية الارهابية الفاسدة العميلة مرة اخرى – لا قدّر الله - ؛ إن هذه الشواهد التاريخية والسياسية ينبغي أن تكون حافزا للعراقيين عامة و للمثقفين الوطنيين الغيارى خاصة ليتسلحوا بالوعي السياسي , ومعرفة ما يدار حولهم من مؤامرات وأن يحذروا من أن تستخدمهم قوى الاحتلال والاستكبار والاستعمار او قوى الخط المنكوس العميلة كأدوات لخدمة أجندتها المشبوهة ، وأن يعوا وينتبهوا لما يدبره لهم الانكليز وعملاؤهم من مكائد ودسائس ، خاصة في أيامنا هذه التي تشهد تحولات كبيرة تحدث بالخفاء من اجل ارجاع عقارب الساعة الى ايام الزمن الاغبر وعهود الدم والجوع والاعدامات والمقابر الجماعية والحروب العبثية ... .
ان الهدوء البريطاني في السياسة ،و الموصوف بالبرود وعدم ردّ الفعل المباشرة او السريعة هي ميزة لا تجانب الخبث والدهاء ، وإعمال التفكير طويلاً في وضع الخطط وحسبان النتائج ؛ فالبريطاني لا يخوض حربا خاسرة ، وكل ما يمر به العراق الان بل وما مر به سابقا ومنذ العام 1920 يصب في مصلحة بريطانيا ومن ثم امريكا والغرب ... ؛ فكل هذه المسرحيات السياسية التي تراها وتسمع بها وتبادل ادوار العمالة والسياسة المنكوسة بين الاقوام والجماعات والاحزاب المختلفة في العراق انما تخدم هؤلاء الاجانب الخبثاء وعملاءهم الاقزام ؛ وهي الأكثر والأشدّ خطورة على واقعنا العراقي ، ومن الضرورة أخذ كلّ أشكال الحيطة والحذر منها ، وتوعية الجماهير العراقية بها وحثهم على المطالبة الدائمة والمستمرة بحقوق العراق والامة العراقية ولاسيما الاغلبية العراقية المغبونة .
وعمل البريطانيون للسيطرة على الاعلام العراقي والاعلام العالمي والعربي الموجه ضد العراق بالتعاون مع بعض الانظمة ومن ثم السيطرة على الجيش والقوى الامنية في العراق ؛ والسيطرة على الحياة السياسية والاقتصادية والوزارات المهمة والمواقع الحساسة ؛ وبمجرد القاء نظرة سريعة على وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام والفضائيات والصحف والمواقع الالكترونية على الشبكة العنكبوتية ؛ تتعرف على ملامح الظاهرة الصدامية الطاغية وتأثيرات الدعايات البعثية والتوجهات المنكوسة القومية وما شاكلها على الاعلام بمختلف وسائله ؛ وفي الوقت نفسه تشن تلك الوسائل الاعلامية حملات تشويه ودعايات تمويه ضد الاغلبية العراقية والتجربة الديمقراطية وهوية الامة العراقية العريقة بالإضافة الى مخططات تغييب العقل العراقي الجمعي وزرع القناعات المنكوسة في نفوس المواطنين ومخاطبة العواطف الشعبية واللعب بها من خلال مسرحيات شيطانية وسيناريوهات اعلامية مفبركة وتضليلية ,و مع استمرار فقدان الجماهير العراقية للمصداقية في الإعلام المرئي والمسموع بمختلف اشكاله ، ستظل وسائل الإعلام المنكوس والعميل والدخيل – والممولة والمدعومة من بريطانيا وقوى الشر - ذات الطبيعة الإخبارية والثقافية والسياسية ، هي المؤثر الحقيقي في مسألة إخبار العراقيين بشؤون وطنهم وأحوالهم العامة ، وبالتالي ستظل اللاعب الرئيسي في التأثير على توجهات الرأي العام العراقي ؛ فلابد من التصدي وبحزم للإعلام الصدامي والبعثي والمنكوس والهجين – المدعوم دوليا وعربيا - من قبل احرار ومثقفي واعلاميي العراق الغيارى الوطنيين , و السعي لإحداث ثغرات في النظام الإعلامي المنكوس القائم و العمل على إنتاج بدائل اتصالية ومعرفية واعلامية وثقافية جديدة وفتح مواقع وقنوات عديدة لتجسيد رؤى وتوجهات وتطلعات ابناء الامة والاغلبية العراقية ... ؛ ومن ثم مواجهة الاعلام الوطني النبيل للإعلام الصدامي والبعثي والقومي المنكوس الهجين وافشال مخططاته وفضح مؤامراته وكشف عيوبه للعراقيين الغيارى ولاسيما لابناء الاغلبية العراقية الاصيلة .
و ربما يقول القارئ إن هذا شيء معروف، لكن ما مناسبة هذا المقال الآن ؟!
اقول له : قد تناهى الى سمعي خبر جلل وامر خطير ؛ الا وهو انسحاب الامريكان من المعمعة السياسية العراقية – ولو بشكل جزئي – وتسليم الملف العراقي للمحتل القديم الخبيث ابو ناجي – ( البريطانيين ) - ؛ اذ يقال إن الملف العراقي الان بيدهم فضلا عن ان بعض السياسيين والأمنيين البريطانيين يعملون مستشارين بل شبه صانعي قرار في العراق ، ويضعون ألاعيب وخطط لتغيير المعادلة العراقية الحالية لصالح عملاء الامس من مجرمي وقتلة الفئة الهجينة , ويحيكون المؤامرات للوصول الى مبتغاهم الجهنمي ... .
ومن منا ينسى ما فعله الانجليز بالمنطقة والعراق ؛ فكل ما أصاب منطقتنا وعراقنا من تمزيق وصراعات وحروب وانتكاسات وازمات ... ، يوضح للجميع أنّ الخبث والدهاء والتخطيط البريطاني بعيد المدى كان السبب الرئيس في كل ذلك ؛ ولعل اقتطاع الأحواز التي تتحكم بجزء كبير من الساحل الشرقي للخليج ومنحها للدولة الصفوية بالاتفاق مع العثمانيين , ثم التآمر على امارة كعب مع الدولة الشاهنشاهية … , واقتطاع الكويت وتنصيب ال الصباح عليها ... ؛ ما هي الا إجراءات بريطانية خبيثة تهدف الى خنق العراق وتطويقه وتضييق الخناق عليه بخصوص منافذه البحرية ؛ وقد زاد الطين بلة عندما تنازل جرذ الحفرة الجبان صديم بن صبحة عن الجزء الشرقي من شط العرب لايران باتفاقية عام 1975 وتنازله عن اراضي البصرة للكويت عام 1991 في خيمة سفوان خيمة الخزي الصدامي اللعين والعار البعثي الهجين ؛ ناهيك عن اتفاقهم المشبوه مع الفرنسيين - اتفاقية سايكس بيكو - وبالتفاهم مع الاتراك لاقتطاع اراضي عراقية شاسعة واضافتها الى تركيا وسوريا .
والى هذه اللحظة يتامر البريطانيون ضد الامة العراقية ويحاولون مجددا خنق مشروع ميناء الفاو الكبير وافشاله بكافة السبل ؛ و اليكم واحدة من هذه المؤامرات البريطانية الكويتية المستمرة : ميناء مبارك الكبير – المشروع التامري الخطير - ؛ اذ صرح السفير البريطاني فرانك بيكر عام 2011 بما يلي : ((: للكويت الحق في بناء ميناء مبارك الكبير... وما يثيره العراق غير منطقي )) .
اذ أكد السفير البريطاني في الكويت فرانك بيكر على أحقية الكويت في تنفيذ وبناء مشروع ميناء مبارك الكبير لأنها «دولة تتمتع بسيادة مطلقة على أراضيها» ، لافتا الى ان ما يثيره العراق حول هذا الموضوع غير منطقي مبينا انه تحدث مع السفير البريطاني في العراق ؛ وشدد على ضرورة حل الخلاف عبر اللجنة المشتركة وبعيدا عن التصعيد ؛ من جهته اعتبر رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي تصريح السفير البريطاني حول قضية إنشاء ميناء مبارك في محله ؛ وقال الخرافي في تصريح صحافي في مجلس الأمة : (( ان بريطانيا ساهمت في رسم الحدود، وموضوع الميناء هو موضوع سيادي للكويت... )) .
وليتذكر العراقيون أن الإنجليز بعد احتلال بلاد الرافدين من البلاد عاثوا فيها فساداً في جميع المجالات : السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية ، مستعينين في ذلك كله بالمتعاونين معهم من المرتزقة الغرباء والدخلاء ؛ وعلى رأسهم ابناء الفئة الهجينة من بقايا العثمنة ومن ذوي الاصول الاجنبية والغريبة فهؤلاء كان لهم الدور الابرز في تذليل العراق وترويض العراقيين للقبول بكل المطالب الاستعمارية والاستكبارية واجبار العراقيين على الرضا بالواقع المعيشي المأساوي والتكيف مع الازمات والانتكاسات والاختناقات والارهاصات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحروب العبثية وانتهاكات حقوق الانسان .... .
و منذ أن احتل الإنجليز العراق وهم يعملون على إضعافه بشتى الوسائل ؛ فتارة بمحاربة الاغلبية العراقية واطلاق لقب (( الشراقوة )) عليهم ، وأخرى بنشر الحركات الثقافية والاجتماعية الهدامة وذات الاصول الاجنبية والغريبة ، وثالثة بخلق الأحزاب السياسية والزعامات الدينية التي تفرق الأمة العراقية ورابعة من خلال التنازل عن الاراضي العراقية ونهب ثروات الاغلبية العراقية لصالح الغرباء والدخلاء والاجانب ... .
ينبغي ان تعي الحكومات العراقية النزيهة والمنظمات الوطنية العراقية الاصيلة والشخصيات الوطنية أن ما يسمى : بـ"الحرية الإعلامية" – سواء في الصحافة أم في غيرها - لا تعني التغني بجرائم صدام والبعث الفاشي او السخرية من تاريخ وحضارة الامة العراقية او تسفيه ومحاربة الاغلبية العراقية كما تفعل الان بعض القنوات الفضائية المنكوسة والتي تصف العراقيين الاصلاء واصحاب الثروات والخيرات الوطنية ب : (( العتاكة والصفوية والولائية ... الخ )) فالسماح لكل مريض وطائفي وهجين ودخيل بالجرأة على شخصيات وتاريخ وارث وحضارة الامة العراقية ورجالات الاغلبية العراقية والذين يمثلون العراق في المحافل الدولية هي فكرة مخادعة ضارة بالبلاد ؛ لأنها تؤدي إلى بث الاختلافات المتنوعة بين الناس وتغذية النـزاعات والخصومات، وشحن النفوس، وتهييجها وتحزيبها، وتمهد بتمزق البلاد فكرياً قبل تمزقها سياسياً بل والاطاحة بالتجربة الديمقراطية الجديدة والعودة الى عهود وعقود حكم ابناء الفئة الهجينة المجرمين السفاحين الفاسدين الحاقدين .
فلتحد الحكومات العراقية الوطنية النزيهة من هذه الحرية المزعومة والتي يروج لها الأعداء بخُبث ؛ لأنهم يعلمون ما يجنونه منها، ولتوجه وسائل إعلامها إلى ما ينفع الناس ويجمعهم على مبدأ المواطنة والهوية العراقية العريقة .