النهاية .. هي تلك اللحظة المتوقعة بعد كل شيء، والتي من الممكن أن تمنعك من العديد من التجارب .. لمجرد تجنُّبِها .. !

الحقيقة أنه ربما لا توجد نهايات فعلية .. كل حدث هو نهاية وبداية .. حتى الموت .. هو بداية حياة أخرى .. كذلك الولادة والبعث .. 

نخشى النهايات غالبا لمشاعرها .. وآلامها .. لكنها نظرة قاصرة إلى حد ما .. نحن نحتاج النهايات .. أحداثها تغير شيئاً ما بداخلنا .. ووجودها يجدد وجودنا بصناعة بدايةٍ ما .. 

نحتاج إلى النهاية كلمسةٍ رقيقةٍ تضيف إلى وجودنا .. إلى أنفسنا .. إلى حياتنا .. إلى كينونتنا وأفكارنا ومشاعرنا .. لكنها لا تأتي كلمسةٍ أبداً .. ربما جاءت كبلاء ننتظر وقوعه .. أو كفرحة عارمة صادمة - لا تلبث أن تنتهي أيضا - أو كصفعة لتفيقنا من سكرة .. أو تقتلنا بلا رحمة .. 

أنظرُ إلى النهايات التي ظننتها فجةً .. نظرة سخرية أحيانا .. ونظرة فهم أحيانا .. لكن دوماً يظل طعمها في حلقي .. مُرّةٌ أو حلوة .. النهايات مهما كانت بساطتها .. تترك أثراً لا ينمحي حياتياً، نفسيا، و روحياً .. 

أثر يخنقك أو يثبتك مكانك كلما حاولت البداية من جديد .. أو حاولت العودة لما قبل النهاية ..

محاولات العودة لما قبل النهاية .. هي مجرد تأكيد على حدوثها .. لذا تأتي ماسخة كئيبة .. ولا تجدي غالباً سوى تعميق الأثر .. فالنهايات محرقة .. ولن يجتمع الرماد بعد أن تذروه الرياح .. وإن اجتمع .. سيظل رماداً .

مع كل بداية جديدة تجد نفسك محملاً بكمّ من النهايات - تسميها تجارب أو خبرات - تطبع نفسها تلقاءيا على البدايات الجديدة. وإن لم تفعل في البداية .. رغما عنا .. نجدُ أنفسنا نستدعيها بإرادتنا ..

نستدعيها اتقاء نهاية مُرة لا تريد خبرتها أن تفارقنا .. أو رغبة في طعم جميل نود العودة لتذوقه .. وما يحدث أن البدايات والنهايات لا تستنسخ أبدا .. كل من سردوا تجاربهم أنت تجربتك تختلف عنهم .. حتى عندما تحاول إعادة تجربتك .. تختلف النهاية حتما .. وإن ثبَّتّ المعايير !!

نحرص على أن لا تأتي النهاية .. لكنها تأتي .. نتألم أو نفرح .. يزول الفرح سريعا .. ويحل معه ألم نهاية الفرح .. ربّما لهذا تبدو كل النهايات أليمة .. 

نكره النهايات وقسوتها برهة من الزمن .. ثم نشتاق إليها ..  نشتاق لذكراها بمعنى أصح .. نود لو أن ذلك الحديث لم يُبَتّ .. رغم ألمه .. وربما دموعه .. نتمنى لو أن ذلك العناق استمر للابد .. لو ان تلك المكالمة لم تأتِ أبدا .. أو لم تنتهي .. 

أصعب النهايات في رأيي .. تلك التي تنتهي فيها النهايات قبل أوانها المتوقع .. أن يموت المحتضر قبل ان يلقي كلماته الأخيرة التي ينتظرها من حوله .. أن ينتهي شحن هاتفك وأنت في أوجِّ غضبك أو ضعفك .. فلا يرد محدثك بعدها أبداً .. ان ترحل قبل وصولهم بدقيقة .. فتظن انهم تعمدوا تجاهلك .. ويظنون أنك استعجلت الرحيل كي لا تلقاهم !!

وأقسى النهايات على الإطلاق .. هي عندما تنتهي العلاقات .. لأسباب واهية .. أو بدون أسباب معلنة .. ولا تنتهي المشاعر .. ولا تنتهي التساؤلات .. نهايات تتسم بالبرود والجفاء .. أن نصبح غرباء عن بعضنا في لمحة من الزمن .. لا ذنب .. لا عذر .. لا عتاب .. وأيضا لا تجاوز .. فقط صار كل منا وحيدا في حضور الأخر .. وغريبا في غيابه !

يوشك حديث الخواطر أيضا على الانتهاء .. أنظر إلى بدايته فأستغرب كيف جاءت .. و إلى اكثر علامات النهاية تعبيراً .. نقطة .

06-03-2019