جلست أتامله بروعته باتساعه، بهدير أمواجه ، بشاطئه الممتد، بهدوءه وغموضه؛ كنتُ تائها، مهموما ..

أتسائل .. لماذا كلما ألمّ بي شئ، ألجأ اليه؟!

سألته .. ما الذي يريحني فيك؟

أجابني: أنت من تعرف ماذا أمثل بالنسبة لك.

- ماذا تمثل بالنسبة لي...، أعرف

أنظر الى امتدادك السحيق فأخاف من المجهول ..

وحينما أفكر في سطوة أمواجك أشعر بالضعف ..

عندما أرى قاربا صغيراً على مرمى بصري .. أخشى الضياع في تيارات الحياة ..

رأيتُ فعلك بالشطآن والصخور .. عرفت أنه لا شئ يظل على حاله

لكني .. أراقب الشمس تشرق من بين طياتك .. فأحس بالأمل ..

أشاهد لهو الناس على شواطئك .. فأتذوق بهجة الحياة فيهم !

أتسمع لصوت أمواجك .. أحسه لحن الخلود ..

بقايا موجة تداعب قدماي برقة .. أشتاق الى حبيتي

وأراقب احمرار الشمس وهي تهوي إليك في حمرة الشفق .. أحاول اللحاق بها كي لا ينتهي اليوم

لأرى القمر بازغاً فوقك..  أود لو أخرج لك لساني .. فالحياة باقية برغمك

أخشى قوتك وأفكر .. يا ترى  من هو اقوى منك ؟!

- أقوى مني الريح .. حركت أمواجي، وأقوى منا من سار على صفحتي بعكس تياري، ويتحدى الريح.

- تقصدني أنا ..نحن البشر .. ربما !

لكنك لا صديق لك!

- صادقت صياداً رقيق الحال، وتاجراً معروفاً، وسباحاًجريئاً،

وصادقت رجلاً حنوناً .. وسيدةً رقيقة .. والكثير من الأطفال ..

- لكن .. لا أحد منهم يأمنك! فما رأيت من هو أشد غدرا وفتكا منك.

- بل رأيتَ .. من البشر من يفتك بأحبابه ، ويغدر بأخاه. إنما سطوتي على من استهان بي وظن أنه في مأمن.

- أخبرني . ماذا يؤلمك؟

- يؤلمني فساد البشر

- وأين أنت من فساد البشر ، نحن من نعاني منه .. على اليابسة ..

- (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ)

- فما أكثر ما تتعجب منه؟

- من يراني ويعرفني ويتأملني، ثم لا يتغير ،بل ويتجبر في الحياة.

- لكنك موجود منذ الأزل لا تتغير ولا تنتهي!

- قليلٌ محدودٌ في الملكوت .. "قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْجئنا بِمِثْلِهِ مَدَدًا"

- بهذا الله خلد ذكرك على مدى العصور، ولم يخلد غيرك

- "هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً" .. ثم خلقه و علّمه وكرمه !

- حيرتني .. لديك إجابة على كل سؤال!

- أنت من تجاوب على نفسك!!

- لماذا إذن اناجيك ، لماذا جئتك، لماذا ألجأ إليك؟

- لأني أمثل كثيراً مما بداخلك.

- لا أفهمك!

- نعم ، أنت متقلب الأحوال مثلي، ألست تشعر بالضعف ، بالخوف ، بالمجهول، بالأمل، بالحنان، بالبهجة عندما تراني؟

- صمتُّ ولم أجاوب ! هل أنا البحر؟ هل أنا مثله؟؟


26-02-2010