بص حواليك كدة ، هتلاقي شكوى عامة من فئة عُمرية بتقول معادش في اي وقت ولامجال لأي علاقات اجتماعية ولا لأي حاجة ترفيهية لأ و كمان هتلاقيهم بيقولوا مفيش وقت نكمل بيه الإلتزامات والمسؤوليات الأساسية.

    مين الفئة دي و ايه اللي شغلها اوي كدة ؟ ما طول عمر اليوم ٢٤ ساعة وكان بيكفّي كل حاجة ؟ شغل ومواصلات وولاد وبيت وزيارات ومجاملات وطلبات ومسؤوليات وفسح وسهرات كمان !

    ما طول عمر مرتبات و أوقات الكل بتكفي لكل البنود دي وأكتر وبيعملوا بالباقي جمعيات وبيلاقوا أوقات فراغ كمان !

    الفئة دي هي مواليد السبعينات والتمانينات وهما بس اللي يوعوا كويس ازاي هما وأهاليهم عاشوا اللي أنا بقوله دة .. وهما لوحدهم برضه اللي مهووسين ومشتاقين ودايماً عندهم حنين لزمنهم القديم اللي كان فيه اليوم ٢٤ ساعة بخيرهم وبيفيض منهم وقت فراغ و نوم بعد الضهر و قراية و متابعة حلقات عربية واجنبية وأنشطة رياضية وحاجات كتير خارج حدود المية حاجة اللي ورانا وما بتخلصش وجنب الشد العصبي والضغط النفسي اللي بقينا كلنا عايشينه دلوقتي. 

       الجيلين دول مظلومين وسط أجيال كتيرة مرّت وأجيال أكتر هتيجي ، أصل دول بس اللي عاشوا واحتكوا واُجبروا واضطّروا يمتزجوا ويعايشوا أجيال سابقة وأجيال حالية بمعطياتها المختلفة .. خللي بالك إن الحياة من الاربعينات للسبعينات مكانش فيها تغيير كبير في الظروف والبيئة والمعطيات ؛ نفس الوظايف نفس المواعيد نفس الملابس نفس المأكولات نفس الفسح والمصايف نفس أساليب التمييز والصرف بين الطبقات ونفس وسايل الترفيه والرياضات كل واحد علي أد دخله ؛ طول التلاتين سنة تقريباً بتتكرر.

وخللي بالك برضه ان من التسعينات للألفين وعشرين تقريباً أهو برضه نفس المخترعات والاساليب وشكل ومواعيد معظم جوانب الحياة و الفروق الشاهقة بين طبقاتها في ممارسة كل جوانبها .. يبقى مين بقى اللي عاصر الاختلافات الجذرية بين الأجيال واندمج وانخرط  ؟ مين عاش اضطرابات وتحولات سياسية واقتصادية واجتماعية كتير في وقت قصير جداً ؟ مين اللي رقص علي السلم بين الأجيال وعاصرها ووقف علي رجليه بكل حرفية رغم كل الجديد اللي اتحدف عليه من كل جيل شوية ؟

ايوة بالظبط .. هما دول مواليد السبعينات والتمانينات.

      دي أجيال لا طالت جمال وشياكة و رقي زمن الأبيض وأسود بهدوءه وراحة باله .. ولا منسجمة مع زحمة وهيافة وتلوث وسرعة زمن النوتيفيكيشن .

- آديني هابتدي احشُر كلمات انجليزي كتير لزوم عصر الاختراعات ، وكلها أجنبية ومستوردة .. غصب عني -

     نرجع للجيلين المعذّبين .. مواليد السبعينات والتمنينات الذي سيطر الخلل البيئي والاسفاف والانحدار الأخلاقي علي عصرهم الحالي واللي خلاهم  وقت ما يحّبوا يحسّوا الجمال ويعيدوا الذي مضى مش بيلاقوه علي ألف قناة فضائية فاتحة ٢٤ ساعة فبيجروا يسمعوا قديم إيهاب توفيق وحميد الشاعري وحنان وعلي الحجار وعلاء عبد الخالق وأميرة ومدحت صالح وسميرة سعيد ولطيفة وياخدهم الحنين لوقت وذكريات محيطة بفرجتهم علي مسلسلات وبرامج  كان بتزرع قيم وأخلاق وترسخ مبادئ زي  هند والدكتور نعمان و ليالي الحلمية والراية البيضا و نصف ربيع الآخر و المال والبنون و رأفت الهجان ونادي السينما وإخترنالك ... ولما يحبّوا يضحكوا من قلبهم هيتنّحوا وكأنهم بيتفرجوا لأول مرة على البعض يذهب للمأذون مرتين أو البحث عن فضيحة أو العيال كبرت ويبقي بيسمع الإفيهات وبيضحك قبل الكلام بس مستمتع بمود وحالة بتخلقها مجرد الفُرجة علي حاجة من وقت عنده ليه حنين وشايله ذكريات كتير،  والعجيب ان الكل بيستدعي الذكريات دي بمنتهي السعادة حتي لو فيها بعض الحاجات الأليمة .. كل الجيل دة برضه بيقعد بنفس الأنبهار بتاع الإنطباع الأول لما شاف أواخر فوازير نيللي وعز مجد شيريهان و فطوطة اللي كان فهمي عبد الحميد حاطط فيها قمة تكنولوجيا الإخراج في زمانه ، كل الجيل دة حافظ عن ظهر قلب مقدمات ونهايات وتترات مسلسلات وأفلام وأغاني وإعلانات عاصرها واتذاعت في العصر دة ، عصر أواخر التمانينات و التسعينات كلها ؛ كان في سينما زاخرة ومسرحيات كتير وسوق كاسيت لم يشهد لها مثيل يمكن في العالم كله من غير بلطجي ورقاصة وادمان ومشاهد دم وعنف ومعارك وحوادث سيارات .. دة حتي الإعلانات حافظينها وبنعيدها وياخدنا الشوق فممكن نقضي ساعه وأكتر نتفرج علي المشهور منها واللي خرجت جيل من ممثلين متربعين على عرش النجومية دلوقتي ..

    طب إحنا بنعمل كدة ليه ؟ بنقلب في عشرين سنة واكتر ورا وعايزين نرجع نعيش ولو يوم واحد منهم ليه ؟ .. حنين ؟ ذكريات وأحداث خاصة ؟ ريحة ناس بنحبهم ؟ زمن رايق ومستقر ؟ أيام اللامسؤولية الجميلة ؟ جايز .. بس الحقيقة إننا وكمواليد هذين الجيلين بنهرب .. أيوة بنهرب من ضغط هائل و تعب وتلوث أخلاقي ما عاشهوش جيل آبائنا رغم عدم توفر وسايل راحة كتير ما شافوهاش هما بينما عاصرناها احنا ؛ ولا هيعيشه جيل ولادنا اللي اتولدوا وكل واحد ماسك موبايله في إيد وريموت في الإيد التانية مهما كانت طبقته الاجتماعية .

     احنا جيل مالبسش الساعة إلا في اعدادي ولازم كانت تبقي ماركة محترمة لإن مكانش فيه علي ايامنا صيني ولا تايواني ولا تقليد ، وكانت بتيجي هدية في سنة  دراسية مفصلية أو مناسبة فوق العادية .. واحنا جيل مش أي واحد فيه امتلك راديو كاسيت خاص بيه لوحده ، وإحنا جيل عارف ومقدر قيمة نضارته الشمس ومحفظته عشان هي واحدة بس وغالية ومهياش مضروبة .. احنا جيل قدر تمن القرش عشان كان بيحوش عشان يجيب الووكمان و شريط الكاسيت وبوستر مغنّيه المفضل ... وجيل جمع وحفظ أسامي وصور لعيبة الكورة من أكياس غزل البنات مش من الجيمز والكافيهات والقنوات المتشفرة والنت العامر بصور متركبة وفضايح متفبركة .. احنا جيل عملنا زينة رمضان والعيد وطيارات ورق ولعب ورق وخشب وميداليات بايدينا ، ولعبنا صيادين السمك ، وشد الكبس ، وبنك الحظ وسط جيراننا وصحابنا الحقيقيين مش الافتراضيين .. جيل كان بيحلم بلبس العيد عشان اللبس مكانش بيجي عمال علي بطال ، وارتبط بعيلته كبير وصغير عشان كان في تجمع في بيت العيلة ، وطعم كحك العيد بتاع تيتة لسة في لسانه لحد دلوقتي عشان شك صباعه مُنقاش الكحك أو اتلسع في الصاج وهو بيناوله لصبي الفرن .. جيل اتربي واحترم وخاف من نظرة أبوه اللي كانت بتجيبله رعشة في عموده الفقري لو برق له أدام الناس ، و تهديد أمه كان بيجيبله كوابيس أيام وليالي .. جيل طلع عينه في سلك وسبت وعدة التليفون الرمادي أبو قرص ، ياما خطط وسهر وإتضرب عشان مكالمة تليفون واحدة ؛ مش تليفونه في إيده في السرير وباص المدرسة والحمام وبرضه مش راضي ولا قانع .. احنا جيل انتظمت مواعيده تلقائي لما نام الظهر عشان التليفزيون كان بيقفل ويعمل وشششش ، وحفظ السلام الجمهوري من ختام التليفزيون بالليل ، وتيتر نشرة أخبار التاسعة كان أقوي من صفارات الإنذار في حياته ؛ يعلن معاد النوم بدري عشان الصحيان بدري عشان بكرة مدرسة .. مش اطفال بتنام واحدة واتنين الصبح وترجع من المدرسة تنام بالتلات ساعات الضهر ! واحنا جيل كان بيحلم بالنتيجة عشان الولاد فينا مستنية الافراج عن كمبيوتر صخر أو كام شريط الأتاري المتشالين طول الدراسة لحد ما تيجي الاجازة ، والبنات مستنية صندل بكعب و زبدة كاكاو لونها غامق شوية وعدة الكاناڤاه والتريكو  .. جيل رافض أغاني المهرجانات وافلام السبكي وكليبات العرايا وقرفان من خروجات الكافيهات ؛ عشان عاش وشاف أحياء قديمة وشعبية نضيفة وأهلها ولاد أصول و عشان عاصرنا مواصلات عامة نضيفة وركوبها ما يقللش من مستوي ولا يهين حد ، وياما اتصور وجري وعاش احلى أوقاته في جنينة الحيوانات وعند سفح الهرم لما كانوا نضاف وكانوا مكان للتنزه ممكن يضم كل طبقات المجتمع ، جيل عاش مسببات الزحمة وقت خروج الموظفين والمدارس مش وقت زفة موتسيكلات بسلاح وبلطجية ... واحنا برضه جيل ربط الأبيض وإسود بالملوّن وربط أغاني التسعينات وإعلاناتها بنا تبقى من نجومها في حفلاتهم وافراحهم و ربط كومبيوتر صخر والنادي وومبي والميريلاند بالموابايلات والاكس بوكس والكافيه والسوشي ، وقدرنا نبلع ان الشيشة والشات مع مجهول ممكن تضيع وقت بدال الكلمات المتقاطعة والطاولة والشطرنج ، واتعاملنا و اشتغلنا بورق واقلام حبر وكتابة زي ما اشتغلنا بالفاكس والايميل والسكانر .. احنا جيل مسك كل العُصي من النص واتضغط وشال مسؤوليات شغل فترتين و لونج داي وشيفتات وأجازات إسبوع ملغية رغم إنه داق حلاوة وعز و رحرحة الفترة واحدة واليومين أجازة اسبوعية والبارت تايم .. احنا جيل سافر شوية منه الخليج مع أهله ورجع وأجبرته الحياة يندمج وينصهر ويعيش .. وعاش ونجح ... جيل اتفعصت كل ستاته في شغل برة البيت وجوة البيت عشان التزامات وفواتير ومتطلبات الولاد والحياة كترت وغليت تنام زي الزكيبة عشان تصحى تكمل الدوامة وهي ناسية نفسها وشكلها واللي يرضيها، واتضغطت فيه رجالتة بين شغلتين أو شغلانة بفترتين يروّح بعدهم مش شايف ولا طايق كلمة أو طلب أو شكوى أو أي التزام جديد .. 

احنا جيل الوسط اللي ربطنا أهالينا بولادنا وربطنا الشطرنج والطاولة بالبلاي ستيشن وربطنا المعمورة وخالد ابن الوليد بمارينا والساحل وشرم الشيخ ، وقدرنا نستعمل الموبايلات وكل أبليكيشناتها بحرفنة زي ولادنا .. بس وسط كل دة مش لاقيين وقت لنفسنا ، نسينا كلمة وقت الفراغ لإن مابقالهاش معني ولا وجود وسط حياة شبه الخلاط ، ونسينا كارنيهات النوادي في أدراج البيت ؛ لإن مفيش وقت حتي للرياضة ولإن الكافيهات حلّت محل النوادي ؛ عشان كدة بقينا بنهرب للماضي ونحن لأغانيه ومسلسلاته وجواباته وسهراته لدرجة إن منتجات كتير لما حبت تجذبنا وتحقق من مواليد جيلنا مبيعات بقت بتخاطبنا بلغة الحنين دي وتجيبلنا ممثلين ومغنيين التمنينات والتسعينات اللي هو زماننا الرايق الهادي المستقر زمن ثانوي وجامعة و أول حب و أحلى صحاب وبقت بتحقق من ورا استرجاعنا لحنيننا أعلى المبيعات ... 

احنا جيل داق طعم الروقان وعاش الضغط والسرعة لما اتّطحن في النص .. ريّحته الحداثة واختراعات التطوير وتسهيل وسرعة الحياة .. وطحنته تطلعاتها وفواتيرها وبنودها اللي ما بتنتهيش  لما اتلهي وسط كل دة عن نفسه وعن اللي بيريّح أعصابه وبيهدّي باله المشغول ليل ونهار بتلبية احتياجات البيت والشغل والولاد والحياة العصرية السريعة.

      عزيزي القارئ وبما إن محدش لسة اخترع ريموت يهدي أو يوقف ريتم حياة التيك آواي ، الحياة البلاستيكية السريعة اللي احنا عايشنها ؛ فإذا كنت من مواليد السبعينات أو التمانينات وكنت تبحث عن شوية روقان أو حبة فصلان أدامك حل من إتنين : 

يا تدوس زرار الذكريات وترجع تقلّب في شوية أغاني واعلانات وصور وأفلام التسعينات وما قبل .. يا تطفي الراوتر وتقوم تنام والسلام ختام .