"بيب غوارديولا" يعتبر أفضل مدربي العالم حالياً. بعد أن درب أمثال برشلونة وبايرن ميونخ، يبدو كأن جوارديولا حصل على مهنة "سهلة". "هو كان أيقونة في برشلونة وهم أرادوا شخصاً من داخل النادي لقيادته، وبسبب أنه كان لديه فريقاً مميزاً بالإضافة إلى ميسي، فقد ربح كل شيء وبعد ذلك اقتنصه البايرن. لقد كان سهلاً بالنسبة له. هو لم يمر بأوقات عصيبة في أياكس أو بورتو مثل فان خال أو مورينهو." هذا النص تم التحدث عنه مراراً وتكراراً من قبل آلاف محبي كرة القدم بمختلف ميولهم. على الرغم من ذلك لماذا أنا، والكثيرون غيري، نظن أن غوارديولا قد أحدث ثورة في كرة القدم - تكتيكاً ونفسياً - في السنوات القليلة المنصرمة؟ ببساطة لأن غوارديولا وصل إلى أعلى الإنجازات وفي مناسبات مختلفة من خلال ابتكاره التكتيكي المهلك: ليس التيكي تاكا، لكن اللعب التوظيفي وما يطلق عليه بالإسباني "Juego De Posicion".
مشجع كرة القدم الحديثة قد لايدرك ذلك، لكن الابتكار التكتيكي الحقيقي لبيب غوارديولا كان اللعب التوظيفي. التيكي تاكا هي مجرد اسم "للتمرير بغرض التمرير" كما قال بيب غوارديولا في كتاب مارتي بيرنارو الحديث "بيب سراً"، حيث شرح بيب أيدولوجيات تكتيكه ومنهجيته. هنالك العديد من العناصر التي تشكل فلسفة غوارديولا، مع التشديد على المبادئ الرئيسية في اللعب التمركزي. بالعودة إلى نظرية التيكي تاكا؛ غوارديولا ادعى أنه إذا لم تكن هنالك سلسلة من 15 تمريرة أولاً، عندها "سيكون من المستحيل التحول من الهجوم إلى الدفاع. مستحيل" غوارديولا جهز نفسه بالأسباب، مكملاً بسلاسة أفكاره عن التيكي تاكا.
"ليس الاستحواذ أو اللعب من لمسة واحدة هو ما يهم، لكن النية من ورائها (بعثرة الخصم). كيف تقوم ببعثرتهم؟ بالتمرير السريع، المحكم، والتركيز العالي كجزء من سلسلة الـ15 تمريرة. على الرغم من أن اللاعبين سيتوجب عليهم المحافظة على المسافة بينهم ليقوموا بفتح المساحات في الفريق الخصم. استعمل 15 تمريرة لتتأكد من أن فريقك متمركز بشكل جيد وقريب من بعضه البعض حتى إن وصلت لنقطة تخسر فيها الكرة، سيكون من السهل أن تضغط وتكسب الكرة مرة أخرى." بيب غوارديولا.
الابتكار الحديث من الضغط العكسي يصبح أسهل كثيراً لأن فرق غوارديولا تمرر في مناطق أقصر وأضيق، وإذا أضفت لذلك أن حامل الكرة يحصل على مساندة من 2 أو 3 لاعبين حوله حينها التفوق في مناطق محددة خلال المباراة سيتحقق، وإذا خسرت الكرة بسبب خطأ ما، سيكون من السهل استعادتها مرة أخرى.
نظرية تكتيكية أخرى أتقنها بيب غوارديولا في السنتين الأخيرة هي استعمال الرجل الحر. أريين روبين، بلال ريبيري وماريو غوتزة هم بعض أفضل الأمثلة لهذه النظرية. هذا "الرجل الحر" ستجده إما في المنطقة المفرغة من الملعب (أبعد نقطة قُطرياً عن الكرة) أو يتحرك بحرية بين الخطوط، بهدف الاختراق بين خطوط الخصم. روبينهو مثال كبير للذهاب في المنطقة المفرغة من الملعب: ألابا، لام وألونسو قد يبدأون بسلسلة من التمريرات على الجناح الأيسر من الملعب ثم يمرروا تمريرةً قطرية إلى الجناح الأيمن حيث يكون روبين متاحاً لينقض عليها، ويدخل للعمق ويسدد.
التشكيلة والأرقام لم تعد تهم، وهو السبب في أنني قد خلصت إلى أنه - في عقلية هجوم غوارديولا - بايرن ميونخ يتحولون إلى ما يشبه نظام الـ 5-3-2 حين يهجمون (وهو ما يفعلونه طوال المباراة) بغض النظر عن "تشكيلتهم التي بدأو بها" سواءً كانت 1-4-1-4 أو 1-2-4-3. غوارديولا عادةً يختار بين طريقتين في الوصول للمباراة القادمة: من خلال "التحكم" أو "الهجوم". الأول يدل على الاحتفاظ بالكرة والبقاء في الجانب الآمن، بينما الآخر يطلق على تسجيل الأهداف، الأهداف والمزيد من الأهداف. الفصل الأول بدأ في ميونخ، 8 أبريل، 2014.
الفصل الأول: ميونخ | 8 أبريل 2014 |
"سنقوم باستعمال 2-3-3-2"، تمتم المهووس بكرة القدم المدرب بيب غوارديولا إلى مجموعة لاعبيه المتفاجئين، لكنهم متشجعين، الذين كانوا جاهزين للعب المباراة الثانية من ربع النهائي ضد مانشستر يونايتد. التشكيلة قبل المباراة كانت تعتبر البديل الهجومي لتشكيلة بايرن المعتادة 1-4-1-4، مع الظهيرين لام وألابا والممكن صعودهم مباشرة بجانب توني كروس بدلاً من الهجوم على الخط الموازي للمرمى. على الرغم من أن تلك لم تكن القضية في المباراة، حيث أن لام وألابا كانوا مشتركين مباشرة في صناعة اللعب من المنتصف في معظم المباراة، بانضمامهم لكروس بشكل فعال كزوج من لاعبي الوسط (تجاهلوا النسب المئوية، فهي خاطئة):
قبل بضعة أسابيع من مواجهة مانشستر يونايتد، بايرن واجهوا هوفنهايم مع رافينها وكونتينتو كأظهرة:
يمكنك أن ترى الاختلاف بين الظهيرين واختلاف التعليمات في اللعب: كمية لعبهم مع الكرة من ناحية ألابا ولام كان نادراً مقارنة برافينها وكوتينتو وكيف أمرو أن يلعبوا. الصورة السابقة توضح جناح خلفي متحول (التي توضح كيف لعب لام وألابا، بالرغم من الحرية الهجومية) والأخرى توضح ظهيراً تقليدياً والذي يعانق خط التماس.
هكذا كان بايرن يبني الهجمة من الخلف: كروس يسقط بين قلبي الدفاع ويلعب تمريرات خط ثالث لألابا ولام الذين سقطوا كثنائي محور بينما كروس شكل قلباً ثالثاً. لام وألابا كانوا سيعودون لمراكزهم الدفاعية السابقة كأظهرة حين يهاجم مانشستر (نادراً)، وعلى الرغم من أن تحركاتهم الهجومية أظهرت أساليبهم وتصرفاتهم كأظهر متحولة.
وبينما كان اللعب يبنى، يصعد كروس بين المحاور "الوهمية" لام وألابا ويدور الكرة بنجاح بينما يتحرك خلال المساحات بسبب أسلوب مانشستر يونايتد الغير فعال؛ قابعين في خطين مكونين من 4 لاعبين مخططين أن يلعبوا لفالنسيا الذي ينضم لروني وويلباك.
الدوائر الـ4 بالإضافة إلى السهم هم المهاجمون الخمسة الذين يقحمون أنفسهم في أماكنهم. روبين وريبيري بعيدين عن الأظهرة، بينما ماندزوكيتش ومولر يحومون حول المساحات وغوتزة يتسلل بين الخطوط.
هنا هي لقطة سنركز عليها في المقال لاحقاً، حينما دخل روبين للمنتصف كالعادة بينما بقي لام ليشوش على الجناح لتجنب التصادم فيما بين الخطوط. الخط الأسود المنقط يظهر تحرك لام بدون الكرة، بينما الخط الأخضر يظهر تحرك روبين مع الكرة. ألابا ومولر (محاطين بالمربع الأسود) يبحثان عن المساحة لإستغلالها في الجهة اليسرى لمانشستر يونايتد. التحرك الدائم، الكثافة واللعب التمركزي التي يمتلكها البايرن سيطرت ونمت خلال القسم الثاني من موسم 14-2013 والقسم الأول من موسم 15-2014 كانت متعة بالنسبة للمحايدين لمشاهدتها.
الفصل الثاني: روما | 21 أكتوبر 2014 |
الابتكار الخاص بالجناح الخلفي المتحول كان يجب أن تتزامن مع تحرك الجناح، وبما أن روبين وريبيري يتجولان كـ"الرجل الحر" قبل أن يدخلا للعمق عندما يحصلان على الكرة على الظهير أن يكون في خطٍ مختلف أفقياً أو عمودياً. هنا بعض الأمثلة على تحركات الجناح والظهير المتناغمة:
تمريرة خلف المدافعين من لام حينما يعيدها إلى روبين، ويمكننا أن نرى حالة 8 ضد 5 تصب في مصلحة روما. هنالك مدافعان مشغولان بروبين بينما يوضح الصندوق الأحمر كيف أن مولر يشغل مدافعين آخرين.
بينما يدخل روبين للعمق، يمكننا أن نرى لام على حافة الصندوق للدعم والقدرة على الضغط العكسي. الأشكال قد تكون مربكة قليلاً، لكن دعوني أبين مدلولاتها. هذه الزيادة العددية تصب في مصلحة روما، وبالرغم من ذلك بايرن استطاعوا التسجيل في المساحة خلال ثواني. كيف؟
مولر (في الدائرة الخضراء) يسحب مدافعاً في بحثه الدائم عن المساحة بينما ليفاندوسكي وغوتزة يشغلان اثنين من المدافعين للواحد (في المربع البنفسجي والأزرق). هذه الحركة الدائمة، والمنظمة هي ما تجعل بايرن خطراً للغاية. روبين حصل على فرصته للتسديد و، إن لم يسجل (وقد فعل)، لام ومولر قادران على الضغط العكسي بالمساعدة من ألابا من الخلف. لكن يجب أن تنصف إنهاء روبين، وهو عامل غير تكتيكي في كرة القدم يفشل الناس في فهمه.
هذه الفرص تصنع بسبب الوقت الذي يُسمح للبايرن بالبقاء في ملعب خصومهم، والذي يتكون بسبب المسافة الطبيعية بين خط الدفاع والمرمى كونه 43.5 متر. بيب غوارديولا متعنت دائماً للعب في ملعب الخصم.
هذا هو مدى ارتفاع خط البايرن الدفاعي - بالقرب من خط منتصف الملعب - مع ألونسو الذي يقوم بواجبه آخذاً الكرة من الدفاع (كما كان يفعل كروس السنة الماضية) ويوزعها حول الملعب.
نظرية الرجل الحر، لماذا هي مهمة جداً؟ وكيف تستغلها؟
لا يوجد رجل حر محدد في تشكيلة البايرن. يمكنه أن يكون ريبري أو روبين متمركزين في أبعد نقطة قطرياً عن الكرة، أو يمكن أن يكون غوتزة مخترقاً الصفوف، أو مولر باحثاً عن المساحة كالعادة، ألابا أو لام يمكنهما أن يكونا الرجل الحر في مثل هكذا حالات، بتجولهما قريباً من الصندوق أو التبديل المستمر مع أحد لاعبي الهجوم.
المفتاح في فلسفة غوارديولا عن الرجل الحر هي أن لا يستعمل هذا الرجل ضده. لا يوجد مغزي من استعمال غوتزة كرجل حر في مباراة مهمة، إذا لم يستطع غوارديولا استغلال نقاط ضعف الرجل الحر للفريق المنافس. الرجل الحر قد يكون تهديداً في حالات الهجوم العكسي، تهديداً في التسديد عن بعد، تهديداً في التمرير، أو حتى لاعباً يمكنه حماية الكرة لفريقه ليحصل على كمية اللاعبين المناسبة في حالتهم الهجومية. هذه النوعيات من اللاعبين أو حتى الفرق يتم دراستهم وتحليلهم بكثرة من قبل بيب غوارديولا، كبير محللينه للفرق التي سيلعب ضدها كارليس بلانشارت وفريقه في التحليل.
15 تمريرة محكمة، قليلة وسريعة هي محيية للنظام بسبب كل هذه العوامل مربوطة ببعضها البعض. اللعب في منتصف ملعب الفريق الآخر يقلل من فرص تحكم الخصم بالمباراة (بالرغم من أنه يجعل البايرن معرضاً لخطر الهجمات العكسية)، بينما بناء اللعب من 15 تمريرة يمكنهم من التحكم في الحالة، قادرين على استغلال اللعبة بشكل أفضل بسبب أن الخصم سيكونون خارجين عن شكل تشكيلتهم، بينما الهدف الأساسي من الإبقاء على الكرة سيمنع الخصم من إيجاد المساحات واستعمال رجلهم الحر.
"بالنسبة لفريق يريد السيطرة على الكرة والمباراة ويكون بطل المباراة، بالتحكم بالفراغ أو الخصم المفتوح هو الهدف الدفاعي الرئيسي." بيب غوارديولا
ضد مانشستر يونايتد: خط الدفاع المكون من دانتي وبواتينغ بينما كل من لام، ألابا وكروس لعبوا كخط الوسط. ألابا يميل إلى أن يكون جناح أيسر خلفي في الصورة بسبب أنه يعود لمركز الظهير الأيسر متجهاً إلى نهاية المباراة، بينما رافينها ذهب إلى مركز الظهير الأيمن. ماندزوكيتش وغوتزة سقطا للعمق الهجومي أكثر وجعلا الخطة الدفاعية تشبه 3-2-3-2 أكثر، على الرغم من أن ماندزوكيتش وغوتزة كانا في الخط الأمامي؛ غوارديولا سمح لغوتزة "بالانضمام للهجوم كمهاجم فوضوي" كما قال مارتي بيرارنو.
الـ 2-3-5 الحقيقية ظهرت بشكلها الحقيقي هنا ضد روما(7-1)، مع بواتينغ وبنعطية يحميان المرمى مكونان أفضل ثنائية دفاعية ممكنة في العالم. لام، ألابا وألونسو كونوا الـ3 بينما بيرنات أضاف حيوية هجومية ناحية خط التماس (مظهراً مهاراته التكنيكية بعرضية رائعة لليفاندوسكي أسفرت عن الهدف الثالث). ليفاندوسكي، مولر وغوتزة استمروا بالتجول في الأنحاء بينما خلق روبين فراغاً كبيراً، بصفته الرجل الحر في هذه المباراة. روبين كان بإمكانه إنتظار الكرة بدون أي واجبات دفاعية:
"هؤلاء اللاعبين كان عليهم التكيف مع الهجوم التمركزي. على سبيل المثال، أنا معجب بالأجنحة ولدي مثالين كبيرين لهذا السبب. ولكن من أجل أن يحصلوا على الأفضلية عندما يحصلون على الكرة يجب علينا أن نبني بشكلٍ صحيح من الخلف لكي يحصلوا على الأفضلية من الخصم من لحظة استلامهم للكرة. وذلك يتطلب صبراً." بيب غوارديولا.
هذه جمالية اللعب التوظيفي أو (Juego De Posicion)؛ أنها لا تحتوي على إبتكار محدد، لكنها تحتوي على الكثير من المتغيرات المختلفة التي تتطلب وقتاً ليتم تنفيذها بشكل مثالي. بقول ذلك، كان سيكون من الرائع مشاهدة بايرن هذا الموسم يواجه أتليتكو الموسم السابق(2013-14) الذين كانوا الأفضل في التحكم بالمساحة وإعطاء الخصم الاستحواذ على الكرة.
كتب المقال: @Hamoudi_LFC8.
تمت ترجمة المقال من قبل: @nedhal_1420_N7.