فقد المكارم
..(وفاة خالي عبد الرحمن )..
حين سرى خبر الحادث على استحياء، كان هناك من يشارك أهله مشاعر الخوف والفزع ويضع يده على قلبه لتساعد عبارات الطمأنة ومفردات التهدئة في تسكين ارتجاف القلب، وقلق المشاعر.
ولقد كان الكرم والوفاء والتواضع وحسن الخلق، مع البشاشة والأمانة والنزاهة... في حال من قال:
بأبي أنت مريضاً بأبي ...
ليت يا ليث الوغى ما بك بي
وأشرقت شمس الجمعة مسرعة إلى مكانها المعتاد من كبد السماء، وتلك المكارم في اصطفاف تترقب لسان ابن الأخت المثقل بالفاجعة وهو يرمي بها على من حوله من أب وأخ.
سمعتُ حديثاً أحسدُ الصمَّ عنده...
ويذهلُ واعيه ويخرسُ قائلُهْ
فإني أرى فوقَ الوجوهِ كآبةً ...
تدلُّ على أن الوجوهَ ثواكلُهْ
دعوني فما هذا بوقت بكائه…
سيأتيكم طَلُّ البكاء وَ وابلُهْ
لقد كنّ على موعد مع الخبر الفاجعة والنبأ الصاعقة، إنه خبر فقدانها للجسد الطاهر، الذي طالما تمتعت فيه خمسين عاما ويزيد...
فإنا لله وإنا إليه راجعون… يقيناً ببقائه، واستعداداً للقائه، وتسليماً لنازل قضائه.
ويبقى مشهد المفارقة لذلك الجسد - الذي طالما تجلَّد في تحمل أعباء الحياة بعصامية لا حدود لها، وتماسكٍ لا نظير له - يبقى صعب التخيل، بعيد التوقع، غير مرتسم في الذهن.
حتى جاء أوان الوداع ، وطبع قبلة على ذاك الجبين الزاكي برائحة السدر والعود، فلم يعد هناك فسحة لأمل ولا موقع لتكذيب.
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر…
فزعت فيه بآمالي إلى الكذبِ
حتى إذا لم يدع لي صدقه كذباً…
شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
يتبع...
وفي مشهد البيت الذي لا بد من سكناه، ينعقد اللسان إلا من الاستغفار للفقيد والدعاء له بالتثبيت.
بكيتك يا حبيب بدمع عيني ...
فما أغنى البكاء عليك شيّا
كفى حزنا بدفنك، ثم إني...
نفضت تراب قبرك من يديّا
وكانت في حياتك لي عظات...
فأنت اليوم أوعظ منك حيّا
وقد آن الأوان لتذكر المحاسن وتطوى ما سواها، فلا تجد إلا مثنياً ومادحاً، وهؤلاء شهداء الله في أرضه.
ولتلك المكارم أن تفخر:
- بوفاء الذي بادل جوهرته حبا بحب، فآثرا تلك المودة على ضمة الولد.
- بوفاء الذي ما غرّهُ بُهرج الرياض وزينتها، فآثر البقاء بمسقط رأسه، إعمارا لأرضها، وتعليما لأبنائها، وإدارة لمدرستها، وإمامة للتراويح بجامعها
عليك سلام الله وقفا فإنني …
رأيت الكريم الحر ليس له عمر.