مما قاله الكاتب الكبير جبران خليل جبران : ( البارحة ذكرى اليوم، و الغد حلمه ) .
( إن الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك ) جملة شهيرة عرفها معظمنا ونحفظها عن ظهر قلب ، يرافقنا الوقت كالظل دوت أن نشعر ، لا يمكننا إدخار بعضه كالمال، فالـ 24ساعة التي تمتلكها يومياً ستنتهي مهما فعلت ، وهو الشيء الوحيد المشترك بين جميع البشر على اختلاف أعراقهم وأجناسهم وأعمارهم، فجميع البشر لديهم 24 ساعة في اليوم غنيهم و فقيرهم جاهلهم وعالمهم ، الا انني اقول : (( الوقت كالسيف ان وقعت عليه قطعك وان وقع عليك قطعك ؛ فأنت هالك لا محالة وهو ذاهب مهما حاولت الاحتفاظ به )) فالزمن الذي نلهو به يلهو بنا .. كما قال ليوناردو دافنشي ؛ والوقت الذي نلعب به قد يلعب بنا , ونحن اشبه بالنيام لا نعرف قيمة العمر الا باقتراب الموت ودنو الاجل ؛ ومن أروع ما قالته كارل ساندبرغ عن الوقت : ( الوقت عملة حياتك ، وهي العملة الوحيدة التي تملكها ، أنت وحدك تسطيع أن تحدد كيف يمكن أن ينفق ، فإحرص على ألا تدع آخرين ينفقونه بالنيابة عنك ) .
كما أن الوقت والزمن له أهمية كبيرة للغاية فهو الحياة عينها ؛ ولكن لابد من تنظيم الوقت، حيث أن الوقت من أكثر الأمور أهمية في الحياة بل اهمها لأنه من خلاله يستطيع أن يعرف الإنسان كل شيء ويعمل اي شيء , ويصحح المسيرة ويغير السيرة ؛ كما أن الوقت من الأشياء التي لا يمكن أن يتم استرجعها إلى الخلف أو يمكن تعويضها كما لا يمكنك استقدامه فما انت الا ابن يومك .
ولعل قصيدة عمر الخيام التالية تجسد هذه الملحمة الوجودية لبني البشر :
سَمِعتُ صوتًا هاتفًا في السَّحر ... نادى من الغيبِ غُفاةَ البَشَر
هُبّوا املأوا كأسَ المُنى قبل... أن تملأَ كأسَ العمرِ كَفَّ القَدَر
لا تُشغل البال بماضي الزمان... ولا بآتِ العيشِ قبلَ الأوان
واغنم من الحاضرِ لَذَّاتهِ... فليسَ في طَبعِ الليالي الأمان
غَدٌ بظهرِ الغيب، واليومُ لي... وكم يَخيبُ الظن في المُقبِلِ
ولستُ بالغافلِ حتى أرى... جمالَ دُنيايَ ولا أجتلي
القلبُ قد أضناه عشقُ الجمال... والصّدرُ قد ضاقَ بما لا يُقال
يا ربُ هل يرضيكَ هذا الظمأ ... والماءُ ينسابُ أمامي زُلال
أولى بهذا القلبِ أن يخفِقَ ... وفي ضِرامِ الحُبِّ أن يُحرَقَ
ما أضيَعَ اليومَ الذي مَرَّ بي ... من غيرِ أن أهوى وأن أعشقَ
أفق خفيفَ الظلِ هذا السَّحَر ... نادى دع النومَ وناغِ الوَتَر
فما أطالَ النومُ عمرًا ولا ... قَصَّرَ في الأعمارِ طولُ السَّهر
فكم توالى الليلُ بعدَ النهارِ ... وطالَ بالأنجمِ هذا المدارِ
فامشِ الهُوينا إنَّ هذا الثرى ... من أعينٍ ساحرةِ الإحورار
لا توحِش النَّفسَ بخوفِ الظنون ... واغنم من الحاضرِ أمنَ اليقين
فقد تساوى في الثّرى راحلٌ ... غدًا وماضٍ من ألوفِ السنين
اطفئ لظى القلب بشهدِ الرِّضاب ... فإنما الأيامُ مثلُ السّحاب
وعيشُنا طيفُ خيال، فَنَل ... حظك منه قبلَ فَوتِ الشباب
اختلف الناس وتباين موقفهم من الحياة ؛ فبعضهم اعتقد بانها دار مرور لا دار قرار فما هي الا جسر للعالم الاخر , لذلك جاء في التراث الاسلامي : ((وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور )) و (( الدنيا مزرعة الاخرة )) وهنالك مئات النصوص القرآنية والروائية التي تشير الى هذا المعنى ... ؛ وقد تعامل البعض مع هذه المفاهيم الدينية والميتافيزيقية كالتالي : الانصراف عن مباهج و طيبات الحياة والزهد فيها ؛ اذ لا يقيم لها وزناً، ولا يلقي لها بالاً ، وهي عنده لا تعدل جناح بعوضة ؛ واكثر من يسلكون هذا الطريق العرفاء والمتصوفة وغيرهما ... ؛ بينما ذهب البعض الى الايمان بالنصوص والمعتقدات التي تدعو الى الاعتدال والموازنة بين الامرين ؛ اذ جاء في التراث الاسلامي : ((ولا تنس نصيبك من الدنيا )) و ((ليس منا من ترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه )) وغيرهما من النصوص القرآنية والروائية الشبيهة بذلك , ومن يؤمن بهذا المعنى تراه مقتصدا في شأنها ويعمل لكلا الامرين ويربط بينهما ، فيآخذ منها بقدر يعينه على أمر دنياه وأخراه ... وهكذا .
وهنالك الجاحد بالآخرة والمنكر لوجود عالم اخر , والكافر بكل المعتقدات و الادعاءات الدينية والميتافيزيقية ؛ وهذا من شأنه الانكباب على الدنيا والركض وراء ملذاتها وشهوتها، والاستمتاع بالحياة لآخر نفس , وخوض كل التجارب والمغامرات الوجودية والايمان بالفناء والعدم بعد الموت ؛ ف لسان حال هؤلاء يقول : ((وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ)) فما الحياة إلا حياتنا الدنيا التي نحن فيها لا حياة سواها تكذيبا منهم بالبعث والعالم الاخر بعد الممات ؛ وما يهلكنا اي ما يفنينا إلا مرّ الليالي والأيام وطول العمر, إنكارًا منهم أن يكون لهم ربّ يفنيهم ويهلكهم ... ومنهم من يعتقد بوجود خالق الا انه ينكر الاديان ويعتقد بكونها صناعة بشرية ... وهكذا دواليك .
الا ان الكل اتفقوا على ان عمر الانسان قصير , و ان الحياة على هذا الكوكب فانية لا محالة , والموت هو النتيجة الحتمية لحياة البشرية بل جميع الكائنات الحية ... , وعليه لابد من اغتنام الحياة والاهتمام بالوقت ؛ فالعمر أوقات : أيام وشهور وسنوات، والوقت أثمن من الذهب والمال ؛ لأن المال قد يعوض أو يستعاد، لكن الوقت من حيث يمضي لا يعود ؛ إنه وعاء العمر والحياة، من اغتنمه فقد اغتنم عمره وحياته، ومن أضاعه خسر الدنيا - بالنسبة للملحد – والآخرة – بالنسبة للمؤمن - ، وقال العراقي الحسن البصري في هذا الصدد : "أيها الإنسان، إنما أنت أيام، كلما ذهب يومك ، ذهب بعضــك"... ؛ وكما قال الشاعر :
أَلَيسَ مِنَ الخُسرَانِ أَنَّ لَيَالِيًا *** تَمُرُّ بِلا نَفعٍ وَتُحسَبُ مِن عُمرِي .
صحيح إن العمر مهما امتد وطال فهو ليس إلا لحظات زمنية عابرة و ومضات وجودية اشبه بالحلم والوهم والخيال ، ولكنها فرص ثمينة لكلا الفريقين ، اذ قد أفلح من اغتنمها وهو حازم عاقل، وقد خاب من أضاعها وهو واهم غافل ؛ لذلك قال توماس إديسون : ((الوقت هو في الواقع رأس المال لأي إنسان ، والشيء الوحيد الذي لا يستطيع أن يخسره )) ؛ وكذلك قل جيم رون : ((الوقت أثمن بكثير من المال فأنت يمكنك أن تكسب المال لكن لا يمكنك أن تكسب المزيد من الوقت )) .
العمر يجري إلى اخر العمر او ارذله مسرعا الا ان النفس هي هي والروح لا زالت تهوى ملاعب الصبا ... وقد سألت الحاج ( ابا جاسم الساعدي والبالغ من العمر 95 عاما ) : صف لي عمرك بإيجاز ؟ ... فأجاب قائلا : اني اتذكر ايام الصبا كأنها البارحة الا انني نسيت مرها وحلوها وركض العمر بي سريعا وتوالت السنوات والعقود كلمح البصر الا ان الروح تبقى ( خضرة ) ... ؛ وصدق الشاعر العراقي احمد الصافي النجفي عندما انشد قائلا :
عمري إلى السبعين يركض مسرعاً ... والروح ثـابـتـةٌ عـلى العشرين