في زماننا أصبحت أهمية الأحداث لا يرجع إلى مركزيتها أو أهميتها؛ بل للتغطية الإعلامية المصاحبة لها، ولا أضخم من التغطية الإعلامية المصاحبة لكأس العالم، وقد علا صوته صوت أخبار المجاعات والكوارث والاكتشافات بل وحتى الحروب، فهو حرب عالمية إلا أن السلاح مختلف، وهنا بعض الهمسات والتأملات هذا الحدث الذي يتابعه – للأسف- الصغير قبل الكبير، والغني وقبله الفقير، ويدخل معظم البيوت تقريبا، ويحضر في معظم المجالس ولو كانت في بيت من بيوت الله، وهذه الهمسات مخصصة لكأس العالم والإشارة إلى ما بعض ما فيه من بلايا:
- أول ما يسترعي المرء حول كأس العالم أنه حديث معظم الناس، وشغلهم الشاغل، ولذلك أسباب أهمها الآلة الإعلامية الضخمة، والتركيز الهائل على هذا الحدث بشكل غير عادي، أما إذا كانت الدولة ضمن المتأهلين فيصبح قضية البلاد الأولى والأخيرة، وهذا يقودنا إلى أهمية الإعلام سواء في الخير أو الشر، فالإعلام مؤثر وبقوة في الناس، وبه يمكن ارتفاع الأسافل، وتخوين الأمين، وإظهار المجرم بصورة المشفق، والفحش في شكل النزاهة والطهر، فالإعلام يشكل آراء معظم الناس خصوصا من الطبقة المتوسطة وهي أوسع الطبقات في كل مجتمع.
- مما يصاحب كأس العالم أيضا الحديث عن التكلفة المرتفعة لتهيئة البلد المستضيف، فكل مسابقة تزيد عن سابقتها تقريبا، وتنفق مليارات الدولات سواء في منشآت رياضية أو غير رياضية لكن الهدف منها كلها خدمة الكرة الصغيرة ومتابعيها، وهكذا جعل العالم من لا شيء شيئا عظيما، ولا أحد يتكلم عن سفه من ينفق طائل الأموال لمجرد لعبة تقام لمدة شهر، فاصبح الناس وكأنهم مخدرين، ويكون الحديث عن هذه الأرقام للتباهي وليس للحزن، وينسون أو يتناسون المآسي الموجودة في كثير من المجتمعات والتي لو حصلت على عشر ما ينفق على الرياضة لأصبحت متقدمة وغنية ونفضت عن كاهلها غبار الجهل والفقر فضلا عن الجوع والعجز عن قيمة العلاج.
- يزعم البعض أن انفاق البلد المستضيف للبطولة له عوائد اكثر من الإنفاق، والجواب فيه تفصيل: أما العوائد المادية فلا، ولكن الدول تبحث عن عوائد أخرى أبرزها السياسي، وربما التاريخي، فهم يدركون موقع كأس العالم من نفوس شعوبهم، وبالتالي استمالة قلوب الناس، وجعل لهم شيء يفخرون به عن طريق المحاولة بشتى الطريق للحصول على (شرف) استضافة هذا الحدث، والظفر بالمجد الموهوم والتاريخ المزيف، وهذا يظهر جليا في الاهتمام بالإحصائيات الدقيقة لكل صغيرة وكبيرة بما فيها عدد رميات التماس، وعدد التسديدات غير المباشرة.
- (إطعام جائع خير من بناء ألف جامع) هذا عبارة كثيرا ما ينبح بها الذين في قلوبهم مرض من علمانيين وليبراليين وأذنابهم وذلك عند الحديث عن انفاق المال في الإسلام، سواء لبناء مسجد، أو تكريم حافظ قرآن، أو تكاليف عمرة أو حج، أو ذبح هدي أو أضحية، عندها يبدأ التباكي على بطون الفقراء ومرضى المساكين، وهي في الحقيقة سموم ثعابين ودموع تماسيح، أما عندما يتعلق الأمر بالترفيه المحرَّم أو التافه، بما فيه التمثيل والغناء والرقص والتعري والمسابقات الرياضية وما ينفق عليها من أموال طائلة كفيلة بانقراض الفقر فضلا عن الجوع، فلا تسمع لهم صوت، بل قد يوصف من ينتقد ذلك بالخيانة (الوطنية)، وفي هذا دلالة واضحة على أن عداء هؤلاء للإسلام والمسلمين، وليس من أجل بطون الفقراء والمساكين، فلسان حالهم: بناء ملعب رياضي كبير، أولى من تعليم وإطعام إنسان فقير.
- شرف المسلم في خضوعه وعبادته لله الواحد القهار، وهذا يظهر جليا في الصلاة لذا جاء في الحديث: (واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل)، وأيضا أعلى مواطن الشرف القيام بمهمة الأنبياء وهي الدعوة إلى الله تعالى، أما الشرف المقلوب والمزيف لعالم اليوم فهو في محاولة دولة ما إقناع العالم ومنافسة دول أخرى في أن تحظى بـ (شرف) استضافة البطولة، وتنفق في ذلك أموال كثيرة، وجهودا جبارة، وحملات إعلامية ضخمة، كل ذلك للوصول إلى ذلك (الشرف) ولا يتوقف الشرف عند البلد التي حظيت بالضيافة بل يشمل ذلك كل بلد متأهل، ويتبعه كل لاعب مشارك حظي (شرف) اللعب في الكأس، وبعضهم يبكي بكاء مريرا إذا تم استبعاده، وتستمر سلسلة الشرف لتنال كل من حضر في المدرجات ولو لمباراة واحدة، وهكذا أصبح شباب المسلمين يلهثون وراء هذا (الشرف) الفقاعي المزيف، الذي يضاهي بل يزيد عند كثير من الناس على شرف العلم والدعوة والعبودية لله عز وجل.
- ضيوف كأس العالم ليسوا كأي ضيوف فلهم شروط كثيرة عليك أن تنفذها قبل أن تنال شرف مجيئهم، ومن أبرز هذه الشروط السماح لهم بالعري والفواحش والخمور والمسكرات، بل وتوفير ذلك لهم، وتتعهد مسبقا بوجود ذلك في الفنادق ، وتسمح لهم بالعري في الشواطئ، وتوفير ذلك قد يكون مخالف لقوانينك، ولكن لا بأس، يجب عليك أن تدخل قوانينك وعاداتك بل وعقيدتك في سبات مؤقت، حتى يرضى ضيوفك الثقلاء ويرحلوا وقد شبعوا عربدة وسكرًا، ولا تنسى أن توجد قوانين لحمايتهم، حتى لا يكدر أحد راحتهم، وهذا باختصار يعني أن تكون الكلمة العليا للقانون الدولي للعبة (فاعتبروا يا أولى الأبصار) وهذا لا ينطبق على كأس العالم فقط بل يشمل كل منافسة دولية كبيرة.
- الاهتمام الكبير بكرة القدم يعكس جليا اهتمام الناس بالتوافه على حساب الأمور المهمة والجوهرية، وأيضا تكريم التافهين والإغداق عليهم أكثر من غيرهم حتى من العلماء والمخترعين والأطباء والمهندسين، لذا لا نتعجب كثيرا فهذا حال أكثر الناس، فقد يدرس الطالب عشرين سنة من عمره ويتفوق ويخدم الناس بعلمه ولكن ما يحصل عليه في شهر يحصل عليه لاعب ما في دقيقة أو ربما ثانية، وهذا مشاهد ومعروف، فالعادة أن يقاس دخل العامل بالشهر، أما كثير من اللاعبين والمدربين فتقاس عوائدهم بالثواني، هذه هي الدنيا (والآخرة خير وأبقى).
- المتأمل في حال الرياضة عموما وكرة القدم خصوصًا يجد أنها تهدم مبدأ الديمقراطية القائمة على أغلبية الناخبين، فتجد في المعلب أكثر من ستين ألف انسان، والكلمة العليا لواحد فقط ومعه مجموعة صغيرة جدا تعينه، وهذا الواحد محكوم بمرجعية قانون وضعه مجموعة صغيرة جدا من المخصصين، وما عليه سوى تطبيقه وعلى الناس الانصياع لأوامر وقرارات هذا الحكم، أي أنه لا مكان للأغلبية ولا وزن لرأيها، ولو أننا طبقنا المبدأ الديمقراطي في مباراة لفسدت هذه المباراة واختل نظامها، فكيف يريد منها كهنة الديمقراطية وأذنابهم وأعداء الأمة التخلي عن مبدأ: أن كلمة الله هي العليا ويريدون بدلا من ذلك الاحتكام إلى صندوق اقتراع أو قبة برلمان بينما هذا المبدأ لا يصلح حتى لتسيير مباراة كرة قدم، فما أعظم تناقض دعاة الديمقراطية العمياء.
- لكل بطولة كأس عالم ما يميزها، والتميز هذه المرة مختلف تمامًا، التميز هنا في القذارة والتخنث، فمع أن الحدود الشرعية معطلة رسميًا أو عمليًا في معظم مجتمعات المسلمين إلا أن دعاة الرذيلة لا يكفيهم ذلك، ومع أن كثير من الحكومات لا تنكر عليهم ما داموا يتهارشون في الخفاء، في فندق ماجن، أو شاطئ عاري، وليس على قارعة الطريق، لكن كل ذلك لا يرضيهم، بل يريدون تعديل القوانين حتى ولو كانت شكلية، ويريدون أن يفرضوا قذاراتهم وأن يسميها الناس حقوقًا، ولا يكتفوا بالكف عنهم بل لا بد من تأييدهم، والترويج لنجاستهم واعتبارها مصدر للفخر والتسامح والرقي والتقدم، ومع كثرة التصريحات أن المثليين (المخنثين والخرئين ) مرحب بهم وبالجميع، إلا أنهم لم يرضوا ما دامت الحكومة لا تؤيدهم بشكل رسمي ومعلن وتسمح لهم وبالقانون أن يدنسوا بلاد المسلمين جهارا نهارا، في المقابل هناك من ينتقد التساهل مع هذا المجتمع القذر والتأكيد مرارا وتكرارا أنهم مرحب بهم وبقذاراتهم، وصدق الله (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) وقال جل شأنه أيضا(وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً).
في الحقيقة كأس العالم صورة واضحة لضعف المسلمين وتبعيتهم واستسلامهم لهوى أعدائهم حتى ولو كان مخالف للعقيدة، وهوه صورة حية أيضا لجشع كهنة العلمانية والليبرالية والديمقراطية الذي لا يرضون بالسماح لباطلهم بل يريدون منا أن نفتخر بباطلهم وشركهم وقذاراتهم ونروج لها ونحارب من يمسها بسوء، ثم نفتخر بذلك الإنجاز، وفي كأس العالم كذلك تساهل في عقيدة الولاء والبراء، فيطغى الولاء للقميص على الولاء للعقيدة الصحيحة، والواقع أن قلوب كثير من الناس معلقة بكأس العالم، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.