ثورة مارسيلو بيلسا مع أوليمبيك مارسيليا وضعت الفريق الفرنسي متصدراً فقط بعد ستة شهور من انتهائهم في المركز السادس في الموسم الماضي. بعد تعيينه في شهر مايو، مهمته كانت إعادة مارسيليا إلى المجد الذي لم يحصل منذ فوزهم بالدوري في موسم 10-2009م.
بيلسا، يبلغ عمره 59 سنة, جلب معه أسلوبه العنيد وفلسفته الفريدة من نوعها التي انعكست على أبرز المدربين الآن، بما فيهم بيب غوارديولا، الذي وصفه قائلاً: "أفضل مدرب على الكوكب" في 2012م. حين تواجه بيلسا وغوارديولا في الليجا، جوارديولا تحدث عن المكائد التي صنعها له أسلوب أتلتيك بيلباو الشبيه بالعسكرية.
"فرق بيلسا عدوانيون جداً إنهم لا يسمحون لك بالتنفس،" قال غوارديولا. "سبعة يهاجمونك في منطقة جزائك، وعندما يفقدون الكرة تجد أمامك 11 مدافعاً. يلعبون صعوداً ونزولاً، صعوداً ونزولاً، بدون توقف."
الأرجنتيني الغريب الأطوار، الملقب بالمجنون، يلخص فكره الاستحواذي في كرة القدم، يحضر بالتفاصيل الدقيقة لكل مباراة وحصة تدريبية، يتحدث مطولاً في المؤتمر الصحفي وللاعبيه. يعطي محاضرات طويلة، في بعض الأحيان في منتصف التمارين، ويشاهد فيديوهات تستمر بالساعات الطوال، وفي بعض الأحيان أكثر من مرة في اليوم.
في التمارين، هو يصرخ بالأوامر بدون توقف مطالباً بنسبة 100% من المجهودات، التركيز والشدة من لاعبيه طوال الوقت. قد يكون مجنوناً، لكن كما أشار بيلسا نفسه، "رجل بأفكار جديدة هو مجنون حتى ينجح."
الأمور لم تكن مبشرة في بداية الموسم، عندما ألقى بيلسا باللوم على مجلس إدارة مارسيليا ورئيسه فينسينت لابرون، مدعياً "لقد قطع لي وعوداً لم يتمكن من الوفاء بها." هذا كان في بداية سبتمبر في أحد المرات القليلة التي تحدث فيها بيلسا مطولاً مع الصحافة.
المصداقية التي يزودنا بها نادرة، كما هي دقته في التفاصيل وتكتيكه. الجنون وطريقته لا ينفصلان، وما إن يفوز على فريق، اللاعبون سيدافعون عنه وسيفعلون أي شيء من أجله لمن يستمع لهم.
"التمارين حادة وقوية ولكنها مفيدة، تقنياً وتكتيكياً،" قال هداف الدوري أندري بيير جيجناك. "إنه يعلم كل شيء حتى التفاصيل الصغيرة، ألقيت نظرة خاطفة على جدول تمارينه: هنالك المئات منها، وكل واحد منها يقدم مباراة قام بتحليلها. لقد علمنا أسلوب كرة قدم حقيقياً نابضاً بالحياة."
مدرب أتلتيكو مدريد (دييجو سيميوني) كتب في كتابه الخاص (Partido a Partido) الكثير من المديح له والذي نشر في أكتوبر: "هو يعلم كيف يخرج أفضل مافي كل لاعب، عندما تدخل فريقه فإنك تخرج لاعباً آخر."
بالقليل من المداورة وعدم وجود منافسة أوروبية ساعدت مارسيليا لتطوير تناغم رهيب بين اللاعبين في فترة زمنية قصيرة جداً.
أوليمبيك مارسيليا بدأوا الموسم بتعادل خارج الديار مع (باستيا) وهزيمة على أرضهم من (مونتبيليه)؛ منذ تلك الهزيمة، لم يستطع أحد هزيمتهم ما عدا (ليون) و(باريس سان جيرمان)، محققين سلسلة انتصارات رائعة من ثماني مواجهات دامت لشهرين في الدوري الفرنسي.
مارسيليا سجلوا 36 هدفاً ليتصدروا الدوري الفرنسي ويكونوا متعادلين مع برشلونة في المركز الثاني من بين أندية الدوريات الأوروبية الخمس الكبرى (ريال مدريد هو قائد هذه السلسلة بأهداف وصلت إلى 51 هدف من 14 مباراة).
بيلسا كان معروفاً بأسلوبه المتطرف 3-3-1-3 مع منتخب تشيلي وأتلتيك بيلباو. مارسيليا الخاص به لعب بها في منافسات عديدة، لكن بيلسا فضل بشكل عام رسم 4-2-3-1 في فرنسا. حتى وإن تغيرت أعدادهم في المراكز، تبقى الفلسفة نفسها.
الصفة المميزة الواضحة في كل فرق بيلسا هو معدل عملهم والزيادة العددية بدون الكرة، لكنه ليس كله عن الضغط العالي فقط. إنه عن صنع مواجهات مواتية لاستعادة الكرة في أسرع وقت وأبعد مكان عن منطقة دفاعه.
إنه عن التمركز الذكي كما هو بالنسبة لمعدل العمل: لاعبو الوسط يتواجهون واحداً لواحد، بحيث يصعبون اللعب للأمام. مدافع واحد يبقى حراً في الخلف، وهو السبب في أن بيلسا فضل اللعب بأربعة مدافعين وثلاثة في الدوري الفرنسي وأجنحة سريعين وثلاثي في المقدمة.
مارسيليا يستجيب لسلسة من المحفزات للضغط على خصمه. العدد بالتحديد من الصعب معرفته إلا إذا كنت مطلعاً على ما يقوله المدرب لفريقه بخصوصية في ملاعب التدريب، لكنه على الأرجح عدد أكبر مما يتصوره البعض. على العموم، بيلسا قال مرة: "هنالك 36 طريقة مختلفة من التواصل من خلال تمريرة واحدة."
من خارج الملعب، تنظيم مارسيليا الدفاعي يبدو فوضوياً بعض الأحيان، يجرون في ملعب الخصم يطاردون اللاعب أو الكرة. بهذه الفوضى التي تفيد مارسيليا، الخصوم لا يجدون الوقت لبدء الهجمة من الخلف أو الربط من خلال التمريرات القصيرة بسبب الضغط، بدلاً عن ذلك هم يمررون الكرات الطويلة التي يمكن لمارسيليا استعادتها بسهولة أكبر.
إذا استطاع مارسيليا استعادة الكرة في منتصف الملعب أو أعلى من ذلك، فهي مباشرة تعتبر هدف (أو droit au but والتي تعني في الصميم). الترانزيشيون أو الانتقالات (هجومياً ودفاعياً) تحصل بسرعة، وأولمبيك مارسيليا يحاولون اللعب عمودياً مبكراً وكلما يستطيعون، عادة عن طريق المهاجم جيجناك.
لديه الحرية في الثلث الأخير، كما يملكها الوسط المتقدم ديميتري باييت في دور اللاعب رقم 10. تبادلهم للمراكز وأخذ كل واحد منهم مركز الآخر، يبقون في الأعلى إذا بدأ مارسيليا بالدفاع في منطقتهم. (بهذه الزمالة والطريقة، يبدو تشكيل مارسيليا أحياناً 4-4-2).
كل الأجنحة في التشكيلة - فلوريان ثاوفين، أندريه آيو، روميان أليساندريني وعبدالعزيز برادة لعبو حتى استنفذوا طاقتهم هذه السنة - دينامكيين مع الكرة وهي معهم ويغطون المساحات بسرعة بدونها كذلك. هم يقدمون المساندة في المساحة للاعبي الوسط. ثاوفين كان الأكثر ملائمة من لاعبي الأطراف، فيما عاني كل من: آيو وأليساندريني بسبب الإصابات.
الأظهرة برايس دجا دجيدجي وبينجامين ميندي يركضان على طول خط التماس. هما يجسدان طلبات بيلسا من ناحية معدل العمل الدفاعي، يلاحقان الكرة الثانية ويعرقلان بشراسة قبل أن يمررا الكرة للاعبين الذين يكونون أمامهم ويسرعان للالتحاق بالهجوم.
من المهم ملاحظة أن طبيعة اللعب العامودي في هجوم مارسيليا لا تعني أن يلعبوا كرات عامودية يائسة. في الواقع، أولمبيك مارسيليا يتواجدون في المركز الثاني في الدوري الفرنسي من حيث معدل طول التمريرة، على 21 متر، ونسبة نجاح التمريرات عامةً، بنسبة نجاح وصلت إلى 84%.
إذا كان عليهم التراجع لمناطقهم، فبإمكان مارسيليا بناء الهجمة من الخلف. ثنائية المحور المكونة من ماريو ليمينا وجيانلي إيمبولا تتحكم بمنتصف الميدان على نحو فعال، وحارس المرمى ستيف مانداندا يوزع الكرات بارتياح بمختلف الأطوال والصعوبات للاعبين من حيث يقبع في المؤخرة.
من بدايتها كـ 4-2-3-1، مارسيليا بالعادة يبنون هجومهم بطريقة 3-2-3-2، مع إيمبولا الذي يسقط أمام قلبي الدفاع. يتقدم الظهيران، ويملأ لاعبا الوسط المبدعان الفراغات بين الخطوط.
إمبولا، الذي لعب خمس مباريات مع المنتخب الفرنسي في محاولته الفاشلة للتأهل إلى بطولة يورو 2015م U-21، أثبت أنه اللاعب الأكثر أهمية في المتصف الدفاعي في فريق مارسيليا.
عندما تم طرذه بشكل غير عادل أمام فريق الـ(PSG) وهم مهزمون بنتيجة 1-0 في بداية نوفمبر بعد تدخل غير عنيف البتة، ساهم ذلك بشكل كبير بفتح المساحات في الفريق وليستقبلوا هدفاً قاتلاً ويهزموا بنتيجة 2-0.
هذا المارسيليا أظهر التعدد في الأساليب والمرونة التكتيكية أكثر من كل فرق بيلسا السابقة، بينما هو بحكم العادة سيلعب بنفس التكتيك مهمن كان الخصم. ويتبقى السؤال الكبير، كم سيدوم تأثير بيلسا؟
إنه أسلوب صعب للمحافظة عليه، لأن اللاعبين لا يمكنهم إعطاء 100% دائماً من الكثافة والجهد لمدة موسم كامل من دون وجود خطر التعرض للإصابة. الـ"بيلسياست" سيقول المشكلة ليست في تدريبه، لكن المشكلة أنه لا يوجد من هو جيد كفاية ليلعب بالطريقة التي يطالب بها.
ربما فلسفة بيلسا تنفع أكثر للمنتخبات الوطنية، بسب عقودها قصيرة الأجل. في كأس العالم 2014م، خورخي سامباولي أكمل عمل بيلسا مع تشيلي، بداية مع نظام الثلاثة مدافعين، الذي جعل "اللا روخا" يتأهل إلى بطولة 2010م والتأهل إلى دور الـ16 في مجموعة ضمت إسبانيا وسويسرا. تحت قيادة سامباولي في هذا الصيف، تشيلي هزمت وأخرجت إسبانيا من دور المجموعات وأخرجتها البرازيل في ضربات ترجيح تخطف الأنفاس في دور الـ16.
بيلسا لديه عقد لموسمين مع مارسيليا، لكنه ومجلس الإدارة بدأوا بطريقة سيئة، كما أوضح في مؤتمره في سبتمبر. الثورة التي أحدثها تسير بأبطئ مما كان يريد لأنه لا يملك السيطرة الشاملة التي يرغب بها.
فقط مع بقاء نصف موسم لبيلسا في موسمه الأول في هذه التجربة الاحترافية في فرنسا. مارسيليا هم على أعتاب إنطلاقة جيدة، بينما يتربع على عرش الدوري الفرنسي متقدماً على أقوى الفرق (PSG)، لكن المؤشرات الأخيرة تظهر أن الجزء المثير للاهتمام من الموسم لم يأت بعد.
رابط المقال الأصلي: http://www.si.com/planet-futbol/2014/12/11/marcelo-bielsa-marseille-tactics
تمت الترجمة من قبل: @nedhal_1420_N7