بسم الله الرحمن الرحيم


قاربنا النهاية في مسيرتنا في (مبادرة البكور) 

سنكمل عامًا من رحلتنا


كنت أتساءل

ما سرّ مبادرة البكور؟ كيف استطاعت أن تنقلني مِن كرسي (الموعظة) إلى (ميدان العمل)؟

مِن التعرف على العبادات والنظر في أُجورها و(تمني تجربتها مع تأجيل تلك الأمنية) إلى تطبيقها وتذوقها وأدائها حقًا؟

ما الذي كان ينقصني في الأعوام الماضية؟



هذه الماكينة التي اسمها (أنا) والمكونة من ثلاثة أجزاء (قلب وعقل وجسد) هل كانت فيها تروس ناقصة فجاءت مبادرة البكور وأعطتني إياها؟ ما هو الترس الناقص إذن عندي؟

كلا البكور لم تعطني شيئًا من الخارج

لم تستحدث عبادة جديدة!

إنما جاءت فأعادت صياغة تروسي الموجودة ترسًا ترسًا

وشغلتها بالشكل الصحيح 

فجعلتني أندهش لهذا الانسجام الذي حصل داخلي! 

ما هذا الترتيب؟ 

لقد وجدتني هنا!

هذه (أنا الضائعة) التي ما كانت تدرك أنها ضائعة!



تأملت فوجدت أن السر يكمن في هذه المرتكزات:

قوة ترتيب الأولويات

بعد أشهر من البكور أدركت تمامًا أن أولى الأولويات في قائمة يومي هو خمس صلوات مقامة على وقتها مسبوقة بدعاء بين الأذان والإقامة ومختومة بجلسة ذكر.

ثم مهما وضعت تحت هذا الهدف في يومي أي شيء فإنه سيكون يومًا رائعًا وستسير خطواتي فيه نحو الاتجاه الصحيح.

كنت قبل البكور أحياناً بل كثيرًا ما تتبعثر أولوياتي فأقدم عمل تطوعي مثلا أو مجاملات على فرائضي وواجباتي مع فهمي النظري لمعنى الأولويات وأهمية ترتيبها!

أي لم يكن ينقصني أن أعرف الترتيب الصحيح للأولويات إنما كان ينقصني تطبيق هذا الترتيب كما ينبغي والمداومة عليه.. وكلمة (المداومة) تنقلني للمرتكز الثاني الذي نهض بنا في البكور إنه قوة العمل اليومي.


قوة العمل اليومي

أن تجرب مرة واحدة هذا لا يكسبك عادة، أما أن تكرر فأنت لا تكتسبها فقط أنت تكتسب معها تفاصيل سرية تجعلك تحسن أداءها بشكل أفضل كل مرة

تجعلك تتعامل معها بهدوء الشخص المتمكن

أن تجلسي على سجادتك بعد الصلاة لإتمام الأذكار مثلاً

عملٌ في مرّته الأولى يبدو شاقًا وكأن مغناطيس من كل اتجاه يجذبك (عن) السجادة

بعد مراتٍ ومراتٍ ومرات تصبح تلك الدقائق هي واحة الطمأنينة التي نرتاح أن نطيل المكث فيها

العمل اليومي يتكتل ويصبح جبلاً ثابتًا في يومك في مكانه المناسب

قوة العمل اليومي نلمسها ونحن نرى ذلك التغيير الذي حدث في أعماق الأعماق لم يحدث بالعنف ولكن بالتكرار.


قوة الجماعة

أن أكون ضمن مجموعة

 (القاسم المشترك الوحيد بينها هو السعي لتحسين العبادة)

 وأفتح في نهاية اليوم الجدول لأسجل نقاطي فأرى النقاط ممتلئة وأرى النقاط تفوق نقاطي!

 وأنا؟ 

ألم يكن بإمكاني تحسين عبادتي مثلهم؟

لا أعرفهم ولا أرى منهم غير رموزهم السرية

شعور مختلط بين الفرح برؤية سواد الصالحات (أحب الصالحات ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة)

وبين الندم على تفويت الفرص وبين الأمل والطبطبة على النفس بأن غدًا يوم جديد وأمل جديد.

أن أراهم في المجموعة يتحدثون عن نجاحهم أو إخفاقهم أو حتى لو كانوا صامتين تمامًا وجودهم يشعرني أني وسط حزمة تمسكني وأني لست وحدي في هذا العالم الإنسانة التي تريد أن تحسن عبادتها 

وأني حين أفتح شبكات التواصل مثلاً وأرى فيها صورًا أو منشورات لأشخاص فارغين أشعر أن التفاهة ليست هي كل العالم فهناك الكثير جدًا من العمل الصالح والخيّر مما يحدث من حولي وإن كنت لا أرى صورًا ومنشورات عنه.


قوة التذكير

ولأن الشعور مهما توقد فإنه قد ينطفئ كان للتذكير في الإسلام عناية

{وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}

نتعلم ثم ننسى

نقرأ القرآن وبعد فترة بسيطة نمر على نفس الآية فنجدها لمست فينا إحساس لم ندركه من قبل

تأتينا الموعظة التذكيرية من البكور فنجدها كسحابة ماء تنعش أرض الإيمان فينا


قوة الحكايات الشخصية

للحكاية الشخصية سحرها الأخّاذ 

قد نقرأ كتب أو نسمع محاضرات ودروس ونعم يظل ما ذكر فيها في عقولنا

لكن لما تأتي (الحكاية الشخصية) فكأن المعلومة تتجسد وتمسك بأيدينا وتأخذنا إلى أرض (الممكن) وتقول لنا هيا حتى أنت بإمكانك أن تسيري على هذه الأرض

تخبرنا (الحكاية الشخصية) أن ما تعلمناه قابلٌ لأن يكون

وها هو قد حدث! وها هو قد تمّ بفوق ما تصورناه!

أو قد تخبرنا عن التحديات والصعوبات وخيبات الأمل عند صاحب التجربة فنشعر كأن شيئا في أرواحنا يقبض يديه يهزهما مع الرأس بتأييد مع صوت يضرخ: أنت مثلي وأنا مثلك! وجدتُ أحدًا يشبهني!

في البكور تتدفق الحكايات الشخصية وتحولها أ.نور الهدى إلى مجموعة (قناة منازل البكور) فتتلقاها أعيننا كأنها أهم المشاهد في الفيلم الواقعي.

هذه بعض أسرار قوة التأثير في البكور ولا شك أنها قد تختلف في درجتها وفي نوعها حسب تطبيق كل واحدة