قبل سنوات وقبل أن أبدأ بنشر بعض من أفكاري هنا، تراءى لي أنها فكرة جيدة أن أقوم بتدوين مجريات حياتي في كومة ورق أو في "نوتة بسيطة" على أمل أن أجد بعض من المعنى، لا أستطيع القول أنني حللت أخيرًا معضلة تناقضاتي ولكن بدأت على الأقل بفهمها والتنبؤ بوقت حدوثها. عند الرجوع لتدويناتي السابقة سواءً الرقمية منها أو المخطوطة بخط يدي، أرى مدى تطور شخصيتي بالتدريج! أرى كيف بدأت بنسج كلماتٍ تليق بوصف مشاعري أكثر من المرات السابقة، وجدتني قادرة على أن أكتب بشكلٍ أدق ما أشعر به، قادرة على اختيار مصطلحات تمثل بالفعل ما كنت أشعره بداخلي. وجدتني أرى خلال كتاباتي تحول الخاطئ إلى صحيح والصحيح إلى خاطئ، وإلى هذا اليوم أعيد تصحيح مفاهيم كثيرة كنت أمقت أن أتفوه حتى بها. وهكذا دواليك! أراقب تكوّن شخصيتي ومدى عظمة هذه الرحلة التي آمل أن لا تنتهي الدهشة بها.
لذا إن كنت سأترك نصيحة واحدة لأي شخص فنصيحتي هي، "أكتب". أكتب إلى أن تُرجع اللون البنفسجي إلى أزرقٍ وأحمر، أكتب إلى أن ترى مشاعرك تتحلل لأبسط صورة من الممكن الوصول إليها! أعتقد أننا نحتاج حقيقةً أن نكرس هذا الوقت وهذه الشفافية مع أنفسنا! وهذا الوقت ليس رفاهية فقط وإنما ضرورة، ضرورة قصوى! الله سبحانه وتعالى أقسم بالنفس وذكر أن الإنسان كان أكثر شيءٍ جدلا، وأوصى أن نتدبر ونتفكر ونتمعن بخلق ذواتنا، فقط لنعي مدى جمالية وعُمق وتناقض وتعقيد هذه النفس ومدى عظمة خالقها!
خالق النفس أعلم بها منا ولهذا نسأله دومًا أن يعيننا على فهمها وترويضها، ولكن أين السعي؟ السعي الحقيقي لفهمها، لضبطها، لمراقبتها وتأمل مدى غرابتها! عند فهم أنفسنا نفهم غيرنا، عندما نرحم أنفسنا نرحم غيرنا وعندما نقدّر تقلباتنا وتناقضاتنا نقدّر تقلبات غيرنا ولا نسرع بالحكم عليهم. نفسك إن لم تروّضها ملكتك هي، فمن باب أولى أن تبدأ أنت بترويضها، والترويض لا يعني فقط أن تكون صارمًا معها وتكبت صوتها، لا على العكس تمامًا! تقبلها تمامًا وتقبل أن جميع تناقضات الكون داخلها، تقبل هفواتها وزلّاتها تقبّل مدى ضعفها وهشاشتها، تقبل احتياجاتها وطلباتها، تقبّل أن كل هذا جزء منها وليس عليك دومًا تلبيته لها. وإن لم يكن بالنفس كل هذا لما أغدقنا الله برحمته ولطفه ومغفرته، لأنه يعلم، يعلم وهو خالقها وخالق كل المشاعر التي تلوّنها.
هل هذا يعني أنه يجب أن تتقبل نفسك بعيوبها وترضى بها؟ لا طبعًا! تتقبلها نعم، لكن دائمًا تسعى للنسخة الأفضل منها وللأمر الصائب. من معاني حب النفس هو أن تقوم بتطويرها وتزكيتها وتتحداها أن تكون دائمًا في أفضل حالاتها!
حُب النفس لا يعني التهاون وعمل فقط "اللي يريحك"! المريح من الأمور ليس بالضرورة أن يكون الصائب منها. والكتابة هنا تجعلك عارٍ من كل قناع لأنك تكتب لنفسك وبنفسك، فلن تنمق صورتك آملًا أن يراها شخصًا ما، وهذا ما يجعلك واعٍ بهفواتك.
كن رحيمًا مع نفسك وخذها في رحلة تفتح بها أبواب من الإمكانيات والاحتمالات التي لم تكن لتعلم أنها بداخلك لو لم "تكتب".
تم نقل تدويناتي لمدونتي الخاصة دانة محمد – مدونة (danamohammed.blog) تسرني زيارتكم!