رفع الغطاء عنه ، رمى عليه حزمة الاوراق من يده ، كل ورقة كانت تنزل متراقصة في الهواء ، مع الحان اغنية لأم كلثوم ، كانت تصدر من مذياع على احدى الرفوف ، سقوط الورق في جوفه اصدر حمرة غامقة ، راح الورق يجول بين احشائه ، عبقت تلك الرائحة في المكان كله ، اصوات الناس ، خطوات السائرين في الخارج ، حديث الجالسين بين الدكك ، صوت رنين طرق المعالق الصغيرة للاطراف الداخلية من القدح ، دفع السكر الخجول للتمازج مع الشاي ، انبثاق الترحيب من بين الجالسين لكل من يدخل في هذا المكان العجيب ، مكان يجذب كل الاعمار ، لا يفرق بين الامي و الدكتور ، تنمزج فيه الثقافات بصورة عجيبة ، و فجئة تجد شخصين في وسط حديث عن السياسة او كرة القدم ، تتعالى فيه الاصوات ، و الكل يستمع لما يدور بينهم بتجهم و خوف و ترصد و انتباه ، حتى تتعالى الضحكات فجئة ، و يرحب الكل ببعضهم و يحتسون مشروبهم الاحمر الساخن ، و يعم الهدوء فجئة ، و تعود الاصوات المتداخلة مع بعضها البعض ..
رائحة اوراق الجريدة ، افضل بكثير مما تحملة من اخبار و عنواين ، أُقلب بين صفحاتها باحثاً عما يلهي عقلي الشارد ، محاولاً الهروب من واقعي المرير ، لاجد نفسي ادور في حلقة مفرغة ، و اصدم في خبر اخر يجبرني ان اطوي صفحات الجريدة ، لاعود مرة اخرى الى هذا الازعاج الممتع ، رحت ارشف من قدحي قليلاً ، و اتكئ بظهري على الحائط ، و اغمض عيني لبرهة ، اسمع ما يدور حولي من ضجة ، اتعجب على هذا الشعب ، باختلاف الاديان و الطوائف و الطبقات ، يتركون كل ما لديهم على عتبة باب المقهى ، و يدخلون الى هنا طاهرين ، ينسجمون مع بعضهم و كأنهم كيان واحد ، كيان يشبه اوراق الشاي على الماء الساخن ، يُخلطون في نفس المكان الذي يخلط فيه الشاي مع السكر ، ليقدموا نفس المتعة ..
حيدر الجبير
12-11-2022