سؤال البحث؟
هل من احتفلوا في بريطانيا الليالي القليلة الماضية بليلة 5 نوفمبر باطلاق الألعاب النارية كانوا يحتفلون بنجاة الهوية الدينية (البروتستانتية) للملكية في انجلترا ؟؟ أم يحتفلون بمحاولة (قاي فوكس) كبطل ورمز لمحاولة تقويضها!؟؟ أم كانوا يحتلفون فقط بهذا اليوم كمناسبة شعبية وعادة اجتماعية دون النظر للشق الديني والسياسي منها ولا يلتفتون حتى للأصل التاريخي لها !!؟؟ 
(هذه محاولة للفهم!)
*****************

ليلة (قاي فوكس)!!؟
ليلة مشاعل النيران والألعاب النارية (بون فاير)!؟
ليلة مؤامرة البارود !!
ليلة محاولة الانقلاب الكاثوليكي الكبير الفاشلة!...
ليلة عيد الشكر !!.......... إلخ إلخ
سمها ما شئت !!

فبغض النظر عن التسمية فإن (الكثير!؟/ أو البعض؟)) من البريطانيين - وخصوصًا الانجليز (البروتستانت) - يحتفلون ابتداءً من هذه الليلة، 4 نوفمبر، أي ليلة الخامس من نوفمبر، من كل عام، بإحياء ذكرى حادثة تاريخية هزت أرجاء القطر الانجليزي (انجلترا) منذ ما يزيد عن 400 عام - وتحديدًا عام 1605م - وكادت تؤدي يومها إلى تغيير جذري في (الدين الرسمي) لمملكة انجلترا (ولا نقول مملكة بريطانيا أو المملكة المتحدة، فقد حدث ذلك قبل نشوء المملكة المتحدة بالاتحاد بين انجلترا واسكوتلندا عام 1707!) حيث خططت مجموعة متطرفة من (الكاثوليك) في ذلك الوقت (4 نوفمبر 1605) لاغتيال (جيمس الأول) ملك إنجلترا المعتنق للمذهب المسيحي (البروتستانتي) وإحلال محله (ملك كاثوليكي) !!
كان المخطط يقوم على تفجير مبنى البرلمان الانجليزي بالكامل في وجود الملك (جيمس الأول)، وكان منفذ التفجير الكبير يُدعى (قاي فوكس)....وكان البرلمان يومها، أي في عام 1605، يتمثل فقط في غرفة واحدة  لا في غرفتين كما هو اليوم، وهي غرفة (مجلس اللوردات) الذي كان يومها بمثابة (مجلس شيوخ المناطق وشيوخ الدين) حيث أن (مجلس العموم/الشعب) لم يكن له في تلك الآونة وجود بعد!، (فمجلس العموم تأسس عام 1801)
 وفي اللحظة التي كان تنفيذ تلك (العملية/المؤامرة الانقلابية الدموية) يسير على قدم وساق، وقبل لحظة التنفيذ بوقت يسير، وصل بلاغ من ((مجهول!؟؟؟)) يُنذر حرس البرلمان من اقتراب حدوث الكارثة!! فتم على الفور القاء القبض على (قاي فوكس) الذي كان يستعد لتنفيذ عملية التفجير الكبير من خلال براميل البارود المزروعة تحت مبنى البرلمان!!... واضطر تحت التعذيب الرهيب إلى الاعتراف بقادة تلك المؤامرة (الكبار) ومنهم رجال من الكنيسة الكاثولكية، حيث تم القبض عليهم جميعًا وتم اعدامهم!... وانطلقت على أثر ذلك الحدث احتفالات شعبية عارمة  في انجلترا للاحتفال بنجاة مليكهم (جيمس) خصوصًا لدى الانجليز ((البروتستانت))، وصدر منذ ذلك العام قانون يعتبر يوم نجاة الملك من هذه المؤامرة عيدًا وطنيًا وعيدًا دينيًا للشكر (!!)
وبذلك أصبح عام 1606 هو أول عام يشهد الاحتفال بتلك الذكرى من خلال  أداء صلوات الشكر لله في الكنائس البروتستانتية وباشعال النار وحمل المشاعل في الشوارع للاحتفاء بنجاة الملك وفشل تلك المؤامرة لاغتياله واغتيال (اللوردات) وتقويض الحكم البروتستانتي للبلاد !!.. كما تعرّض على أثر تلك المحاولة الفاشلة (الكاثوليك الانجليز) للمزيد من التضييق عليهم والشك في ولائهم للملك بسبب تابعيتهم لكنيسة (روما) وليس للكنيسة الانجليزية الوطنية التي يترأسها الملك والتي أعلنت قبل ذلك الانفصال عن الكنيسة الأم في (روما) وعن (البابا)!! ، حيث كان الكاثوليك الانجليز يُجبرون - إذا أرادوا تولي مناصب حكومية - على تقديم قسم ولاء الطاعة للملك ليس بأعتباره ملكًا لمملكة انجلترا وحسب بل وكرئيس للكنيسة الوطنية الانجليزية المتمردة على كنيستهم الأم في (روما) وهو أمر كان يشق على الكاثوليك المتدينين كثيرًا!!


ومع مرور الوقت تعددت التسميات للاحتفال بهذه الليلة (ليلة ال5 من نوفمبر) ما بين من أطلق عليه أسم (عيد الشكر)!، ومن أطلق عليه اسم (مؤامرة البارود) ومن أطلق عليه (ليلة ايقاد المشاعل) ومن أطلق عليه اسم (قاي فوكس) أي اسم منفذ تلك المحاولة الانقلابية (؟؟؟!!) 
وظل الاحتفال بهذه الذكرى - بشكل رسمي ووطني وديني وقانوني - مستمرًا لعدة قرون إلى أن جاء عهد الملكة (المستنيرة) (فيكتوريا)، التي ترأست المملكة المتحدة من عام 1837 حتى عام 1901، حيث شهد عهدها الكثير من التسامح الديني والاصلاحات القانونية والاجتماعية والعمرانية ومنها الغاء الاحتفال بشكل رسمي بهذه المناسبة (ليلة البارود) بسبب ما تحمله في طياتها من حساسيات طائفية بين المواطنين البريطانيين (البروتستانت والكاثوليك)، ولكن على المستوى الشعبي والاجتماعي ظل (بعض؟ أو كثير؟) من البريطانيين يحتفلون بهذه الذكرى كلما حلت ليلة الخامس من نوفمبر... ومع ذلك لا يمكننا هنا القطع بشكل يقيني بأن من يحتفلون بهذه الليلة - باطلاق الألعاب النارية - كلهم يحتفلون بها بدوافع دينية كمسيحين بروتستانت يتبعون الكنيسة الانجليزية، أو يحتفلون بها فرحًا بنجاة الملك (جيمس الأول) (!!؟؟) من تلك المؤامرة التي كانت لا تستهدفه في شخصه بل تستهدف تبديل ((الدين الرسمي لمملكة انجلترا)) من (المسيحية البروتستانتية) إلى (المسيحية الكاثولوكية)!!، إذ ربما بعض من يحتفلون بها، والذين ربما يكون بعضهم من الكاثوليك أو حتى المناوئين للملكية - قد يكون الدافع الحقيقي لاحتفالهم بها هو التذكير بتلك (الحادثة) باعتبارها ((محاولة بطولية وثورية!!)) - حسب وجهة نظرهم - من أجل التغيير وتقويض الملكية، وقد شاهدنا أفلامًا خيالية تناولت هذا الحدث في هذا الاتجاه ومنها الفيلم الشهير (V for Vendetta 2005)، وهم بالتالي يعتبرون (قاي فوكس) بطلًا ثوريًا أو وشهيدًا ثوريًا راديكاليًا أو ربما حتى شهيدًا كاثوليكيًا (!!) .... ولكن - حتى مع غياب معرفة المقاصد الحقيقية لدى كل من يحتفلون بهذه الليلة - ليلة 5 نوفمبر - فإن الشيء المؤكد أن معظمهم انما يحتفل بها اليوم في زماننا كعادة اجتماعية وشعبية موروثة من آبائهم - عبر القرون - لمجرد التسلي والمرح بإطلاق الألعاب النارية في السماء لا غير، وبمعزل تام عن ملابساتها التاريخية والسياسية والدينية!!.
*********************
سليم نصر الرقعي
مواطن بريطاني من أصل عربي
ملاحظة : 
لاحظت أن اطلاق الألعاب النارية هذا العام لم يكن بالصخب الذي كان عليه كل الأعوام الماضية، ولا شك أن وفاة ملكة بريطانيا (المحبوبة) من جهة ومن جهة أزمة الطاقة والحبوب الناتجة عن الحرب الروسية الاوكرانية كانا وراء انحسار الاحتفال (الناري) بهذه الذكرى!.. أزمة الطاقة والحبوب التي ألقت بكلكلها على كاهل وصدر الكثير من البريطانيين من خلال حالة ارتفاع الاسعار التي معها تصبح الأولوية للخبز وفواتير الغاز والكهرباء والماء وثمن المواصلات ورخصة التلفزيون لا للألعاب النارية!!