تكاد تنحصر الغارةُ الليبرالية المعاصرة على الفقه الإسلامي في صورتين:

- الأولى: الزعمُ بأنّ الفقه الإسلامي -في غالبه- مبنيٌّ على اجتهاداتٍ بشرية، مقطوعة الصلة بالأصول النقلية والعقلية "فقه بلا أصول".

- الثانية: الزعمُ بأنّ قليله الذي بُني على أصولٍ = فإنّ أصولَه واهية واهنة، أو ظنيةٌ على أعلى المراتب (وانظر في مثل هذا الباب إلى الطعن في أصل الإجماع، والقدح في أخبار الآحاد مطلقا وفي أصل القياس المتفق على العمل به وفي أصل سد الذرائع وفي العُرف المعتبر والعادة المحكمة ... إلخ) 

وهذه دعاوى ومزاعم ضحلة عند أرباب المعرفة، لكنّها تروج على من كانت بضاعتُه من العلم التصفّح الشبكي، والإفضاء إلى كل مسموع ومرئي ومحكيّ، دون نظرٍ وبصرٍ، وتعقّل وتفكّر.. 

وأنت ترى أنّ كبح جماح هذه الدعاوى، وكفّ استطالة هذه المزاعم= مرهونٌ باستيفاء النظر في أمرين :

- الأول: بيان حقيقة ابتناء الفقه (قطعيّه وظنيّه) على أصولٍ كلية، هي عماده الذي يقوم عليه، ويستند إليه، وهذه حقيقةٌ ضرورية، لا مناصَ من التسليم بها؛ إذ لا يخلو كتاب فقهي من الأدلة التفصيلية التي تأرز إلى أصل من هذه الأصول الكلية.

هذا وقد نهضت كتب تخريج الفروع على الأصول ببيان هذه الحقيقة أوفى البيان.

- الثاني: بيان حقيقة أنّ هذه الأصول الكلية التي هي ينبوع الأحكام الشرعيّة، وجماع الفروع الفقهيّة = هي قوانين قطعيةٌ- سواءٌ كانت أدلةً أو دلالاتٍ- استفادت قطعيتها من الاستقراء التامّ للشريعة؛ لذا فإنَّ "مَنْ أراد القطع بقواعد أصول الفقه من الإجماع والقياس وغيرهما؛ فليتوجّه للاستقراء التامّ في أقضية الصحابة، ومناظراتهم، وأجوبتهم، وفتاويهم، ويكثر من الاطّلاع على نصوص السنة والكتاب، فيحصل له من جميع ذلك، ومن القرائن الحاليّة، والسياقات اللفظية = القطعُ بهذه القواعد، والغفلة عن هذا المُدرَك (=الاستقراء التام) هو الموجِب لقول من قال: "الإجماع ظني" ... وهذه قاعدةٌ جليلةٌ شريفةٌ ينبغي أن يُتفطن لها؛ فإنها أصلٌ كبيرٌ من أصول الإسلام" ‹١›. 

فتحقق من هذا: عظيمُ منزلة علم أصول الفقه، إذْ كان مرجع علم الفقه ليس إلا إليه، وليس تصحيحه وتنقيحه إلا عليه، فمنه بدأ وإليه يعود، فحُقّ له أن يكون سياج الشريعة، وحصن الملّة، والمعيار المُعرِب عن متانة الفقه ورسوخه وشموخه، والميزان المُقسِط لرتبته الشريفة ودرجته المنيفة.

دوّنه: 

أبو طارق

ليلة الجمعة 24-4-1436 هـ.

__________________________

‹١› نفائس الأصول، للشهاب القرافي.