الشبح .............. قصة قصيرة
يتراءى شبحا قبل ميلاد الشمس بقليل ، يهبط من مكانٍ ما و يختفي بين الأزقة الضيقة يحلّ في الجانب الغربي للمدينة ضيفاً ، يذوب في زحمة الأشياء المتراكمة .
كانت المدينة تلبس حلة قشيبة ، تتغطى بآهات شاهقة وترتعد خوفاً و برداً ، ترتدي قناعاً منسوجاً من سواد الصمت الرهيب لكن الرياح مزجتْ الجد باللعب ، كان الوقت مليئاً بالخوف والساعة تئن تحت وطأة انتظار ممل ، فجأة يسمع انفجاراً عنيفاً تدوي له أركان المدينة ، يرفع القوم نعاسهم ، يسقط النوم فوق رؤوسهم ثم يسود صمت رهيب ، تتآكل أحلامهم ونذوي ، يولي زمنهم إلى غير رجعة .
بين الفينة والفينة تأتي غيمة عاشقة ، فيعبث المطر بنواميس الطبيعة ويهطل بجنون عاصف غامر ، ما أعمق أن بجن المطر ويتحدث بلغة العابثين ، كانت مدينتهم وارفة الأحلام، قبل أن تنام ضمائر قومهم ، يضطرب طقسهم ، يفقد وطنهم تضاريس الخريطة ويجن مطرهم ، يكتب ليلهم آيات طغيانهم ويعلو بطشهم فوق قلق تربة أرضهم الطاهرة .
كانت مدينتهم وارفة قبل أن تلعنهم النخلة ، وتتبرأ الزيتونة من نسبها إليهم وتنزح الخروبة بعيدا ، يعلو صوت الرصاص في معسكر شهواتهم ، يتقدم الموت بعكازه ، يطرق أبوابهم ، يتخثر الدم في أوديتهم ، ترتع الأشباح في الطرقات تتصيدهم و تتمدد قبورهم
خيرية فتحي عبد الجليل / البيضاء / ليبيا .