مما قاله المفكر جورج برناردشو : (( لا تناقش عاشق ولا متعصب فالأول يحمل قلبًا اعمى ، و الثاني يحمل عقلاً مغلق )) .
يعدُّ النقاش من أرقَى وسائل التواصُل مع الآخرين ، ومن خلاله يستطيع المرء ايصال ونقل افكاره واراءه للغير , وليس كل من تكلم احسن النقاش , اذ لا يُحسِن النقاش الجاد والهادف إلا أهلُ الدراية والخبرة والمعرفة والثقافة .
ولابد لنا من النقاش فهو الطريق المهم للتواصُل والتفاهم بين الناس، بل ومن أهم وسائل التعارف والتآلُف بينهم ؛ إذ نلتقي كل يوم بأنواع مختلفة من الأشخاص، فقد يتمخض من رحم هذه الاختلافات أحيانًا سوء فهم، ولا سيَّما إن اختلفت مظاهر الآخرين أو أفكارهم أو ممارساتهم عن مظهرنا أو أفكارنا أو ممارساتنا ... والناس اعداء ما جهلوا كما قيل قديما .
وقد نهى المفكر جورج برناردشو عن مناقشة صنفين من الاشخاص ؛ الاول العاشق ؛ لأنه لا يرى عيوب وأخطاء وهفوات المعشوق ؛ فعندما يغرم شخص بآخر ، فإنّه عادة ما يتغاضى عن هفواته وعيوبه وسيّئاته وذلك بدافع الحب والشّعور الجميل الذي يعيشه الفرد مع من يحب ، بل احيانا تذوب وتنصهر شخصية العاشق في المعشوق ؛ لأن كل تركيزه يكون بالحب والمشاعر والاحاسيس والشهوات واللذات ؛ وفي هذه الحالة لا يؤثر النقاش فيه ولا تغير الكلمات والانتقادات من موقفه , ولا يسمع لأقوال واراء الاخرين في حبيبه حتى وان كانت صائبة ومطابقة لواقع الحال ؛ وكأن في اذنيه وقرا ... ؛ وصدق الشاعر عندما قال :
وَعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ ... وَلَكِنَّ عَينَ السُخطِ تُبدي المَساوِيا
والصنف الثاني المتعصب ؛ فالعصبية الفكرية تعني : الايمان المطلق بأفكارنا والجزمية المطلقة بعقائدنا – ( الدوغمائية ) - ؛ حتى نجعل من انفسنا وطوائفنا واحزابنا وجماعاتنا ... معيارا للحق والباطل , فيصبح معيار الصدق والحق ما نؤمن به ونعتقد بصحته فحسب ؛ ولا نهتم لآراء وافكار وعقائد واقوال وحكم الاخرين مهما بلغ شأنهم ... , فالتعصب يجعل الإنسان أعمى العقل يبحث عن تبريرات لنفسه ليقنع نفسه أنه هو من يملك الحقيقة المطلقة مهما كانت مخالفة للمصالح الإنسانية والعقل والعدل والعلم والوجدان ... .
و البعض يريد الإنغلاق على ذاته والتحرك ضمن دوائر مرسومة ، وهذا الامر لا يفضي الى جديد , اذ سنبقى ندور في حلقة مفرغة ؛ بينما وظيفة النقاش تعني : عملية تشاور متبادلة هدفها السعي وراء تحقيق التفاهم المشترك عبر بوابة الاستماع الفعال والعاطفي من أجل اكتشاف أوجه التشابه وفهم الاختلافات في وجهات النظر المتنوعة , فالنقاش الجاد احيانا يقوض الافكار الخاطئة ويصحح المسارات السلبية ويعمل على احلالها بتلك الصحيحة والايجابية ؛ ولعل هذه الوظيفة المهمة للنقاش تنتفي عندما تتناقش مع المتعصب لان الحوار معه يصبح اشبه بحوار الطرشان ؛ وكأنك تكلم حائط فهو لا يسمع ولا يبصر ولا يعي ما يدور حوله ولا يصغي للآخرين ؛ وعليه لا تستغرب في ان اغلب الاجتماعات السياسية و اللقاءات الحزبية التي تشهدها مختلف المؤسسات والتجمعات السياسية والثقافية والدينية في دول العالم الثالث ... بصفة عامة ، أكثرها لا تسفر عن قرارات متفق عليها ، كما لا تخلو من رفع الأصوات وتبادل الاتهامات والانتقادات ، والتغول في فرض الرأي والارادة على حساب الآخرين، وهذا مرده إلى الانغلاق الفكري والتعصب السياسي والثقافي والديني والتقوقع على الذات وعدم رؤية الاخرين والمخالفين ؛ ففي هذه الحالة اكسب الجدال بأن لا تجادل المتعصب فكريا وسياسيا وثقافيا ودينيا ... الخ .