ر
رياض سعد

كاتب وباحث : مهتم بالشأن العراقي و تأصيل مشروع الأمة العراقية والدفاع عن الاغلبية العراقية الأصيلة

مدة القراءة: 5 دقائق

واذا المقهورة قتلت

بدأت قصة العمة الظالمة (سعدية ) عندما توفى زوجها ( ناظم ) وقد انجبت منه طفلا واحدا ؛ اسمه ( محمد ) ... , فقد اراح الله الزوج  من زوجته سيئة الطباع  ... , وكان لها إخوة أربعة , وعاشت على معاش زوجها ( تقاعده ) وعانت من شظف العيش والعوز احيانا , وتربى محمد في احضان هذه الام المصابة بكل الامراض والعقد  النفسية , اذ دفعت به نحو الشوارع والاسواق لبيع  الاكياس ( العلاليك) منذ الصغر ... ,  نشأ محمد بين ابناء الشوارع  البؤساء وشب معهم  , وانتقل من عمل الى اخر ... ؛ وكلما مر الزمان وتقدمت بالعمر سعدية ازدادت قسوة وصلافة وحقارة ... ؛ وعندما يعود محمد الى البيت البائس  - ( نص قطعة , مساحته 70 متر ) – منهكا من التعب عند المساء كل يوم ؛ تقوم سعدية بإفراغ جيوبه من النقود ولا تسمح له بصرف دينار ... , وقررت سعدية وحسب مزاجها بتزويج ابنها ومن دون اخذ رأيه ... , وبدأت رحلة البحث عن  زوجة  او بالأحرى خادمة لها – ( اشبه بالوصيفة – العبدة – او الفصلية ) - ؛ و وقع الاختيار على الفتاة ( سعاد ) التي تسكن مدينة اخرى بعيدة , اذ تم هذا الزواج عن طريق  سؤال وتوصية المعارف والاصدقاء والاقرباء كما هو معتاد في المدن والقرى الشعبية ... , وكانت سعاد نسخة من سعدية فكلاتهما سيئتان وقحتان متنمرتان ... ؛ وتجرع محمد السم والحنظل من الام والزوجة معا ؛ اذ اتفق الاعداء عليه و بمعونة الدهر ... , ومرت الايام واحتدم الصراع بين سعاد وسعدية وعلا الصراخ , واصبحت اجواء المنزل لا تطاق بسبب الشجار المستمر – وان كانت اجواء المنزل منذ البدء تعيسة الا ان وتيرة التعاسة  بعد اقتران محمد بسعاد ارتفعت الى معدلات لا يطيقها الحمار - , ... وقد سرقت سعاد مبلغ ( 10 مليون دينار ) من عمتها سعدية وهربت الى اهلها ؛ ردا على ظلم وتجاوزات  سعدية , و وقع الطلاق بين الزوجين , ونجت سعاد من ( ضيم وقهر سعدية ) ... ؛ ولان زوجها محمد لا حول ولا قوة , ... تدرج محمد في العمل -  فهو كالثور للناعور مربوط – حتى اشترى سيارة حمل كبيرة الا ان وضعه لم يتحسن فكل ما يحصل عليه يذهب الى خزينة امه ... , وعادت سعدية مرة اخرى تبحث عن زوجة او بالأصح خادمة ذليلة تعمل في البيت , و وقع الاختيار هذه المرة على بنت اخيها صادق واسمها سعيدة  – ( وكانت : اسم على غير مسمى ) - ؛ اذ توفت امها ولم تنجب لها اخت تساعدها على جور الزمان كعادة الاخوات  (الحنينات ) ... ؛ نعم انجبت ستة اخوان الا انهم كإخوة يوسف ... ,و كانت طيبة القلب , بشوشة الوجه, حلوة اللسان – ( خوافة فقيرة تستحي من خيالها ... ) -    على خلاف طباع عمتها الحاقدة  , العبوسة, العصبية المزاج   , السليطة اللسان   ... ؛ وما ان وطئت قدماها جحر سعدية وقفص الزوجية ... ؛ حتى بدأت رحلة العذاب والالام الطويلة ... , فقد دخلت عالم العمة سعدية الرهيب  حيث المكان الضيق الوسخ ,  وقلة الطعام ورداءة ما هو موجود منه  , وطلبات واوامر سعدية التي لا تنتهي , بالإضافة الى الفقر والعوز والحرمان ؛  لان سعدية تصادر كل اموال ابنها محمد كالعادة   ... , ومرت الايام و وضعت سعيدة  طفلها الاول حسين  ثم بعده وضعت طفلة تدعي ريم  ثم بعدها انجبت ثلاثة اولاد وهم : كرار وغيث وفضل ...  وخلال هذه السنوات  الطويلة البائسة والمريرة تجرعت سعيدة من عمتها شتى صنوف العذاب والالم بل طالت دوامة العذاب ابناءها ايضا ؛ وزوجها محمد كالعادة ان حضر لا يعد وان غاب لا يفتقد , وهو مصداق للمثل الشعبي العراقي : ((   اسمك رجل يا هواي عن وحشة الليل    ))  ... فطالما  جلدت سعدية  سعيدة واطفالها بالسوط ( الصوندة ) وفي احدى المرات  جلبت سعدية حديدة وادخلتها في ( الصوندة ) واستخدمتها لتأديب وتعذيب سعيدة واطفالها , ناهيك عن جرها من شعرها وعضها كما تفعل الكلاب بالفريسة ...  .

الاولاد كبروا وكبرت همومهم وازدادت معاناتهم وتعرضوا لنفس المأساة التي تعرض لها اباهم وامهم من قبل ... ؛ فقد اشترى حسين ( تك تك ) وامتهن سياقة ( ال تك تك ) , بينما اشتغل كرار  بمهنة ( العمالة – عامل بناء ) ؛ وجرى عليهما ما جرى على ابيهما , اذ يتم تجريدهما من كل الاموال التي يحصلوا عليها في العمل ... ؛ وفي احدى المرات تأثر حسين لحال امه واخته واخوته واساءه  حالهم ؛ فقرر ان يخيط ( جيب مخفي ) في لباسه الداخلي ؛ يدخر فيه بعض المال لشراء الاحتياجات الضرورية لامه واخوته كالحليب والملابس والدواء وبعض الغذاء ... الخ ؛ وبما ان سعدية خبيرة في التجسس والبحث في اشياءهم والتلصص على خصوصياتهم ؛ عرفت بالأمر , فقررت معاقبة حسين وطردته من البيت في اجواء باردة وممطرة ولمدة يومين ... ؛ بعدها سمحت له بالعودة بعد توسل الام واخوته بشرط الا يكرر ما فعله ... , على الرغم من تضحيات والام سعيدة وهمومها وعملها الجاد في تنظيف المنزل واعداد الطعام وتربية الاطفال وغسل الملابس ... ؛  لا زالت عمتها  تكن لها العداء وتتربص بهذه المسكينة المظلومة , وفي احدى الايام امرتها عمتها بالصعود الى السطح ونشر الغسيل , وصعدت خلفها عمتها وقالت لها : ( هذا المطيرجي  يباوع عليج ) ... فردت عليها سعيدة : انا صعدت انشر الغسيل ولم انظر الى سطوح الجيران ولم اشعر بوجود هذا ( المطيرجي  ... مالي وماله ؟ ) وما شأني به ؟ .

ظنت سعيدة ان الامر عابر , وان عمتها اشتبه عليها الامر او توهمت شرا وساءت الظن بها  , ولم تعلم ان سعدية قد دبرت امرا بليل ... ؛ ومرت ايام حتى احتدم الصراع بينهما وتشاجرا وتشابكت الايادي وضربت سعدية سعيدة ب ( بوري ) على رأسها  ؛  فخرجت  سعيدة  بسرعة الى الشارع- ( الفرع او الدربونه ) - تستنجد الجيران ... ؛ وفجأة سقطت  وارتطمت بحائط بيت الجيران وفقدت الوعي وسالت الدماء من رأسها ... ؛ عندها اسرع جارها الشاب عباس مع اخته فاطمة لنجدتها ؛ اذ حملوها الى المستشفى وعادوا بها بعد ان استقرت صحتها الى بيتهم الى  ان جاء اخوتها واخذوها الى بيت زوجها  وعمتها وكأن شيئا لم يكن , بل وبخوا اختهم واتهموها بالتقصير ازاء عمتهم وعمتها ...   .

واخيرا وجدت سعدية بغيتها في  جارهم عباس والان اكتملت فصول المسرحية بالنسبة لها ... ؛ لم تمض ايام حتى اتهمت العمة الشريرة سعدية زوجة ابنها ( المكرود محمد  ) سعيدة بأن لها علاقة بجارهم عباس وانها سمعتها تتصل به من خلال جهاز ( الموبايل ) ؛ علما ان سعيدة لا تمتلك جهاز ( موبايل ) ... ؛ نعم ابنها حسين يمتلك جهاز ( موبايل ) لا يفارق ( جيبه ) ؛ وقسمت سعدية على ذلك وشقت جيبها وصرخت بأعلى صوتها ... ؛ فأنقض اخوتها عليها وذهبوا بها الى مكان مهجور واراد الاول منهم خنقها الا انه لم يستطع فرجع ؛ ثم لحقه ابوه باكيا ... ؛ ثم تقدم اشقاهم واحقرهم فقام بخنقها ورميها بالقرب من القمامة ( الزبالة ) ... ؛ وعندما تركوها في العراء ورجعوا ؛ وعلم اولادها بالأمر ؛ ذهبوا من الصباح الباكر الى المكان علهم يجدونها حية -  ( بيه نفس اي على قيد الحياة ) – الا انهم لم يعثروا لها على اثر ؛ فقيل لهم ان الشرطة وجدوا امراة مخنوقة في ( بطانية ) وشعرها مكشوف وحجابها بالقرب منها ... رجعوا يبكون امهم الشريفة المظلومة المقهورة  ويندبون حظهم العاثر ... ؛ وعندما سأل بعض اطفال الجيران اخاهم الاصغر الطفل فضل عن امه ؛ فأجابهم : ( ماما بالزبالة شمروها ) ... !! 

شر المصائب ما جنته يد ** لم يثنها عن ظلمها رحم

ر

رياض سعد

كاتب وباحث : مهتم بالشأن العراقي و تأصيل مشروع الأمة العراقية والدفاع عن الاغلبية العراقية الأصيلة

أهلاً بكم في مدونتي! أنا كاتب شغوف أشارككم أفكاري وتجربتي في الحياة من خلال تدوينات أسبوعية. أستكشف فيها التوازن بين القيم والمغريات التي نواجهها يومياً، وكيف يمكننا أن نعيش حياة مليئة بالمعنى والعمق. انضموا إلي في هذه الرحلة الأدبية!

انضم الى اكتب

منصة تدوين عربية تعتد مبدأ البساطة في التصميم و التدوين

التعليقات