مقال للكاتب محمد الصالح/باحث في العلوم السياسية و القانون الدولي 


جاء وعد بلفور في 2 تشرين الثاني 1917 ليجسد مجموعة من المتناقضات حيث أطلقت بريطانيا وعدا للحركة الصهيونية بأن تُقيم لليهود وطنا قوميا في فلسطين، في تجاهل تام للحقائق التاريخية والدينية والواقع القائم الذي يؤكد أن فلسطين يقطنها شعب فلسطين واليهود مجرد أقلية دينية كما هو حالهم في كل بقاع الأرض.


الحرب العالمية الأولى بكل توازناتها أدت إلى ترابط ما بين وعد بلفور واتفاقية سايكس–بيكو، حيث حضر وعد بلفور بقوة في صك الانتداب، وكل هذا يعود بالطبع للأمور المرتبطة بإنهيار السلطنة العثمانية. 


اليوم وبعد مرور أكثر من مئة و خمسة أعوام على وعد بلفور، لا بد أن نشير بأنه من دون أدنى شك يعد هذا الوعد وتبعاته أحد أكثر الوثائق السياسية تأثيرا في عالمنا، كما أن تبعاته جسدت إنتهاكات صارخة لحقوق الإنسان والقانون الدولي، وأدى إلى تغيير وجه الشرق الأوسط وتاريخه.


كان هذا الوعد بمثابة رسالة قصيرة، ما لبثت أن تحولت إلى كيان محتل ومغتصب للأرض الفلسطينية، وهو ثمرة جهود مناصري الصهيونية داخل الحكومة البريطانية آنذاك بمن فيهم وزير الخارجية آرثور بلفور، ورئيس وزرائه هربرت صاموئيل. 


وهنا، وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬وعد‭ ‬بلفور‭ ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬تشرين الثاني ‬من‭ ‬سنة‭ ‬1917‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬الإطار‭ ‬التاريخي‭ ‬الرئيسي‭ ‬لإستعمار أرض‭ ‬فلسطين‭ 

التاريخية ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬قرار‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬رقم‭ ‬ 181‭ ‬ كان‭ ‬متساويا.

ويتبنّى القرار خطة تقسيم فلسطين القاضية بإنهاء الإنتداب البريطاني على فلسطين وتقسيم أراضيها إلى 3 كيانات جديدة، كالتالي:


دولة عربية: تبلغ مساحتها حوالي 4,300 ميل مربع (11,000 كـم2) ما يمثل 42.3% من فلسطين وتقع على الجليل الغربي، ومدينة عكا، والضفة الغربية، والساحل الجنوبي الممتد من شمال مدينة أسدود وجنوباً حتى رفح، مع جزء من الصحراء على طول الشريط الحدودي مع مصر.

دولة يهودية: تبلغ مساحتها حوالي 5,700 ميل مربع (15,000 كـم2) ما يمثل 57.7% من فلسطين وتقع على السهل الساحلي من حيفا وحتى جنوب تل أبيب، والجليل الشرقي بما في ذلك بحيرة طبريا وإصبع الجليل، والنقب بما في ذلك أم الرشراش أو ما يعرف بإيلات حالياً.

القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة، تحت وصاية دولية.


وكانت المفارقة هنا أن الدولة التي منحت اليهود وطنا قوميا، قد إمتنعت عن التصويت على هذا القرار.


وإنطلاقا من هذا القرار، وقع الظلم التاريخي على الشعب العربي الفلسطيني بتشريده وحرمانه من جميع حقوقه، حيث أدى هذا القرار إلى إهدار وإنتهاك حقوق المواطنين الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، حيث شجع الإحتلال الصهيوني على إرتكاب الجرائم والمجازر التي تتناقض بشكل واضح و فاضح مع أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وغيره من الصكوك الدولية في مجال حقوق الإنسان، حيث أمعن كيان الاحتلال بالإستهانة بمنظومة حقوق الإنسان الدولية، حيث أنه بات لا يقيم له وزنا، ويعتبر أنه خارج القانون.


وأبرز إنتهاك لهذا القرار اليوم هو الحدود‭ ‬الحالية‭ ‬لكيان الإحتلال والتي ‬تتجاوز‭ ‬بكثير‭ ‬المساحة‭ ‬المخصصة‭ ‬له‭ ‬بموجب‭ ‬خطة‭ ‬التقسيم‭ ‬التي‭ ‬وضعتها‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة عام 1947،‭ ‬وهذا‭ ‬القرار بات يستخدم ‬غالبا ‬لتوفير‭ ‬أساس‭ ‬قانوني‭ ‬لوجود‭ ‬كيان الإحتلال.


وتعد الحدود الحالية للكيان مخالفة لميثاق الأمم المتحدة، والذي يحظر ضم أراضي الغير بالقوة، ويعتبرها أحد الأساسات التي تجيز تدخل مجلس الأمن وفق الباب السابع من الميثاق لحفظ السلم والأمن الدوليين، كما أنها إحدى الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وإن كان تعريفها لم يدخل حيز النفاذ بعد.


كما ويعتبر الإستيطان أحد جرائم الحرب التي نص عليها كل من إتفاقية جنيف الرابعة في المادة (49) منه،  وميثاق روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية وذلك في المادة (8) الفقرة (8).


في المحصلة، وبعد مرور مئة وخمسة أعوام على وعد بلفور

أين مكان حقوق الإنسان من هذا كله؟

الجواب للأسف و بكل وضوح ليس لها وجود على الإطلاق في مشاريع الدول الإستعمارية والإستيطانية. هم يريدون دائما إلباس هذه الجريمة وجها حضاريا وقانونيا. سعت بريطانيا إلى غطاء دبلوماسي لجريمتها، فألقت بقضية فلسطين في حضن الأمم المتحدة، التى خلفت عصبة الأمم، بعد أن ملأت فلسطين بالمهاجرين اليهود ودربت جيشهم.