ﻓﻲ ﺷﻬﺮ ﻳﻨﺎﻳﺮ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ ﺗﻄﻞ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺫﻛﺮﻯ ﺳﺠﻠﻬﺎ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺑﺤﺮﻭﻑ ﻣﺨﻀﺒﺔ ﺑﺎﻟﺪﻣﺎﺀ، ﻫﻲ ﺫﻛﺮﻯ ﺇﻧﺘﻔﺎﺿﺔ ﺍﻟﺨﺒﺰ ﻭ ﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ 1984، ﺍﻟﺘﻲ ﻃﺎﻟﺐ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺑﺎﻟﻌﻴﺶ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﻓﺘﻤﺖ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﻣﻄﻠﺒﻪ ﺑﺎﻟﺮﺻﺎﺹ ﺍﻟﺤﻲ، ﻫﻲ ﻭﺍﻗﻌﺔ ﺑﻘﻴﺖ ﺧﺎﻟﺪﺓ ﻓﻲ ﺫﺍﻛﺮﺓ ﺍﻟﻤﻐﺎﺭﺑﺔ، ﻭ ﻣﺎ ﺩﻣﻨﺎ ﻧﻘﺘﺮﺏ ﻣﻦ ﺫﻛﺮﻯ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻭ ﺍﻟﺜﻼﺛﻴﻦ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪﺙ، ﻓﻼ ﺿﻴﺮ ﺃﻥ ﻧﺬﻛﺮ ﺑﺒﻌﺾ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪ ﺍﻟﺘﻲ ﺷﻬﺪﺗﻬﺎ ﺍﻹﻧﺘﻔﺎﺿﺔ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﻭﺣﺸﻴﺔ ﻧﻈﺎﻡ ﻻﺯﺍﻝ ﺣﻴﺎ.

ﺇﻥ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻹﻧﺘﻔﺎﺿﺎﺕ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺩﺍﺋﻤﺎ ﺑﺎﻷﻭﺿﺎﻉ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻹﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ، ﻓﺎﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻔﻆ ﻟﺸﻌﺒﻬﺎ ﺣﻘﻮﻗﻪ ؛ ﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ، ﻭ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﺗﻘﻞ ﻧﺴﺒﺔ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺃﻭ ﺍﻹﻧﺘﻔﺎﺿﺔ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻓﺎﻟﺪﻭﻝ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻺﻧﺘﻔﺎﺿﺎﺕ ﻫﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﺒﻊ ﻓﻲ ﺍﻷﺯﻣﺎﺕ ﺍﻹﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، ﻓﺎﻷﺯﻣﺎﺕ ﺍﻹﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭ ﺗﺮﺩﻱ ﺍﻷﻭﺿﺎﻉ ﺍﻟﻤﻌﻴﺸﻴﺔ ﻗﺪ ﺗﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺇﻧﺘﻔﺎﺿﺔ. ﻭﺍﻷﻭﺿﺎﻉ ﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺇﻥ ﻫﻲ ﻟﻢ ﺗﺤﻔﻆ ﻟﻠﺸﻌﺐ ﻛﺮﺍﻣﺘﻪ ﻗﺪ ﺗﺆﺩﻱ ﻹﻧﺘﻔﺎﺿﺔ، ﻭﺍﻷﻭﺿﺎﻉ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺇﻥ ﻫﻲ ﻟﻢ ﺗﻮﻓﺮ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻟﻨﻘﺎﺑﻴﺔ … ﻭﻇﻠﺖ ﺗﺴﻴﺮ ﺑﻌﻘﻠﻴﺔ ﺇﺳﺘﺒﺪﺍﺩﻳﺔ ﺳﺘﺆﺩﻱ ﺣﺘﻤﺎ ﻹﻧﺘﻔﺎﺿﺔ، ﻓﺎﻟﺸﻌﺐ ﺣﻴﻦ ﺗﺤﻴﻂ ﺑﻪ ﺍﻷﺯﻣﺎﺕ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺍﻟﺠﻬﺎﺕ، ﻳﻜﺸﺮ ﻋﻦ ﺃﻧﻴﺎﺑﻪ ﻭﻛﻤﺎ ﻳﻘﺎﻝ ﺇﺫﺍ ﺭﺃﻳﺖ ﺃﻧﻴﺎﺏ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺑﺎﺭﺯﺓ ﻓﻼ ﺗﻈﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﻳﺒﺘﺴﻢ.

ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺷﺄﻥ ﺇﻧﺘﻔﺎﺿﺔ ﺍﻟﺨﺒﺰ ﺳﻨﺔ 1984 ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ، ﻓﺎﻟﺴﻴﺎﻕ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﻳﺆﻛﺪ ﻟﻨﺎ ﺫﻟﻚ، ﻭ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺩﺭﺍﺳﺘﻪ، ﺳﻨﻘﻒ ﺃﻣﺎﻡ ﺳﻴﺎﻗﻴﻦ ﺇﺛﻨﻴﻦ ؛ ﺳﻴﺎﻕ ﺇﻗﺘﺼﺎﺩﻱ، ﻭﺳﻴﺎﻕ ﺳﻴﺎﺳﻲ، ﻓﺄﻣﺎ ﺍﻟﺴﻴﺎﻕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻓﻘﺪ ﺃﻋﺘﺒﺮﺕ ﺍﻹﻧﺘﻔﺎﺿﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺇﻧﺘﻔﺎﺿﺎﺕ ﺷﻬﺪﺗﻬﺎ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ، ﺇﻧﺘﻔﺎﺿﺔ 1965 ، ﺇﻧﺘﻔﺎﺿﺔ 1981 ﺑﺴﺒﺐ ﻣﺎ ﺷﻬﺪﺗﻪ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﻣﻦ ﺗﻀﻴﻖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭ ﺍﻟﻨﻘﺎﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﻄﻼﺑﻴﺔ..

ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﻕ ﺍﻹﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺃﺳﺎﺳﺎ ﺑﺒﺪﺀ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﺘﻘﻮﻳﻢ ﺍﻟﻬﻴﻜﻠﻲ ﺍﻟﻤﻤﻼﺓ ﻣﻦ ﺻﻨﺪﻭﻕ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺃﺩﺕ ﺇﻟﻰ ﺇﺭﺗﻔﺎﻉ ﻛﻠﻔﺔ ﺍﻟﻤﻌﻴﺸﺔ، ﺇﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﺭﻭﺳﻢ ﺇﺿﺎﻓﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ.

ﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺃﺩﻯ ﺇﻟﻰ ﺇﺣﺘﺠﺎﺟﺎﺕ ﻭﺍﺳﻌﺔ ﻓﻲ ﻋﺪﺓ ﻣﺪﻥ ﻣﻐﺮﺑﻴﺔ ؛ ﺍﻟﺤﺴﻴﻤﺔ، ﺗﻄﻮﺍﻥ، ﺍﻟﻨﺎﻇﻮﺭ، ﻣﺮﺍﻛﺶ، ﻟﻘﺼﺮ ﻟﻜﺒﻴﺮ. ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻹﺣﺘﺠﺎﺟﺎﺕ ﺗﻼﻣﻴﺬﻳﺔ، ﻭﺇﻧﺘﻬﺖ ﺑﺈﻧﺘﻔﺎﺿﺔ ﺷﻌﺒﻴﺔ ﺑﻠﻐﺖ ﺫﺭﻭﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺮﺍﻛﺶ ﻭ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﺮﻳﻒ ؛ ﺗﻄﻮﺍﻥ، ﺍﻟﺤﺴﻴﻤﺔ، ﺍﻟﻨﺎﻇﻮﺭ، ﺭﻓﻌﺖ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺷﻌﺎﺭﺍﺕ ﺗﻄﺎﻟﺐ ﺑﺘﻮﻓﻴﺮ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻟﻠﺸﻌﺐ “ ﺿﺪ ﺍﻟﺰﻳﺎﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻷﺳﻌﺎﺭ ” ، “ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﻳﺮﻳﺪ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ".

ﺑﻌﺪ ﺇﺣﺘﺪﺍﻡ ﺍﻹﻧﺘﻔﺎﺿﺔ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺇﻻ ﺃﻥ ﺷﻦ ﻫﺠﻤﺔ ﺷﺮﺳﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﺸﻌﺐ، ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﺳﺎﺑﻘﺎ ﺧﻼﻝ ﺛﻮﺭﺓ ﺍﻟﺮﻳﻒ 1958 ، ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻬﺠﻤﺔ ﺃﺯﻳﺪ ﻣﻦ 400 ﻗﺘﻴﻞ، ﻭ ﺃﺯﻳﺪ ﻣﻦ 9000 ﻣﻌﺘﻘﻞ، ﺣﺴﺐ ﺍﻟﺘﻘﺎﺭﻳﺮ ﺍﻟﺼﺤﻔﻴﺔ ﻭﺍﻟﺤﻘﻮﻗﻴﺔ.

ﻧﺸﺮﺕ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﺍﻟﺒﺎﻳﻴﺲ ﺍﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﻳﻮﻡ 24 ﻳﻨﺎﻳﺮ ﺳﻨﺔ 1984 ﺧﺒﺮﺍ ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮﺍﻥ ﻋﺮﻳﺾ: “ ﺇﺿﺮﺍﺏ ﻋﺎﻡ ﺑﺎﻟﻨﺎﻇﻮﺭ، ﻭ ﻣﻘﺎﺑﺮ ﺟﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﻄﻮﺍﻥ، ﻭ ﺗﺤﺮﻛﺎﺕ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﻫﻲ ﻣﺠﻤﻞ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﺘﻲ ﻃﺒﻌﺖ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﺮﻳﻒ ” ، ﻭﻧﺸﺮﺕ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﺇﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻳﻮﻡ 25 ﻳﻨﺎﻳﺮ ﻣﻦ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻣﻘﺎﻻ ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮﺍﻥ “ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺘﻞ ﺍﻟﺠﻴﺶ 400 ﻣﺘﻈﺎﻫﺮ ” ، ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻨﺎﻭﻧﻴﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺸﺮﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﺤﻒ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﺘﺒﻌﺔ ﻟﻠﺤﺪﺙ ﻣﻦ ‏(ﺑﻌﻴﺪ)، ﻳﺘﻀﺢ ﻟﻨﺎ ﺗﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﺘﻈﺎﻫﺮﻳﻦ، ﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﺳﻤﻊ ﻟﻴﺲ ﻛﻤﻦ ﺷﺎﻫﺪ ﻭﻣﻦ ﺷﺎﻫﺪ ﻟﻴﺲ ﻛﻤﻦ ﺷﻬﺪ، ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﻄﻠﻖ ﺳﻨﺤﺎﻭﻝ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺑﻌﺾ ﺷﻬﺎﺩﺍﺕ ﻣﻦ ﻋﺎﻳﺸﻮﺍ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﺃﻥ ﻧﻌﻄﻲ ﻧﻈﺮﺓ ﻭﺍﻗﻌﻴﺔ ﻟﻬﺎ.

ﻳﻘﻮﻝ ﺃﺣﺪ ﺃﺑﻨﺎﺀ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺯﺍﻳﻮﺍ ‏( ﺇﻗﻠﻴﻢ ﺍﻟﻨﺎﻇﻮﺭ ‏) ، ﻣﻤﻦ ﻋﺎﻳﺸﻮﺍ ﺗﻠﻚ ﺍﻹﻧﺘﻔﺎﺿﺔ، ﻭ ﻣﻤﻦ ﺷﻬﺪﻭﺍ ﻭﺣﺸﻴﺔ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺃﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﺸﻌﺐ : “ ﻛﻨﺖ ﺃﺑﻠﻎ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﺣﻴﻨﻬﺎ ﺣﻮﺍﻟﻲ 15 ﺳﻨﺔ، ﻛﻨﺖ ﻻ ﺃﺯﺍﻝ ﺻﻐﻴﺮﺍ، ﻭ ﻟﻢ ﺃﻛﻦ ﺃﻫﺘﻢ ﺑﻤﺎ ﻳﺤﺪﺙ، ﻭﻻ ﺃﻋﻠﻢ ﺣﺘﻰ ﻣﺎ ﻳﺤﺪﺙ ﺟﻴﺪﺍ، ﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﺃﻋﻠﻤﻪ ﺟﻴﺪﺍ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻀﺞ ﺑﺎﻟﺠﻨﻮﺩ، ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﺍﻷﻣﺮ ﻣﺮﻋﺒﺎ، ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﺮﻛﺒﺎﺕ ﻭ ﺍﻟﻤﺪﺭﻋﺎﺕ ﺗﺠﻮﺏ ﺷﻮﺍﺭﻉ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ، ﻭ ﺭﺃﻳﺖ ﻣﺮﻭﺣﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ، ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﺍﻷﻣﺮ ﻣﺮﻋﺒﺎ، ﻣﺮﻋﺒﺎ ﺟﺪﺍ ﻋﻠﻰ ﻓﺘﻰ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺴﻦ".

ﺣﺴﺐ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﺁﻥ ﺫﺍﻙ ﻻﺯﺍﻝ ﻃﻔﻼ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﺸﺮﺓ ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻩ، ﻓﺈﻥ ﺍﻷﻣﺮ ﺃﺷﺒﻪ ﺑﻤﺎ ﻳﻔﻌﻠﻪ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﺑﺸﻌﺒﻪ ﺣﺎﻟﻴﺎ، ﻓﻘﺪ ﻧﺰﻝ ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺪ ﻭﺍﻟﻨﺎﺭ ﻭﻟﻢ ﻳﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﻭﺍﻟﻜﺒﻴﺮ.

ﻭﺃﺿﺎﻑ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻗﺎﺋﻼ : “ ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺮﺻﺎﺹ ﺍﻟﺤﻲ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺧﺮﺝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﺎﺭﻉ، ﺣﺘﻰ ﻭﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﺤﺘﺞ، ﻟﻘﺪ ﻓﺮﺽ ﺣﻈﺮ ﺍﻟﺘﺠﻮﻝ، ﻭ ﻣﻨﻊ ﺍﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ، ﻻ ﺧﺮﻭﺝ ﺃﺑﺪﺍ".

ﻛﻞ ﻫﺬﺍ ﻟﻢ ﻳﻨﻜﺮﻩ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺑﻞ ﺃﻛﺪﻩ ﻛﻤﺎ ﺟﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺍﻟﺮﺍﺣﻞ ﺣﻴﻦ ﻗﺎﻝ: “ ﺳﻜﺎﻥ ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ ﻳﻌﺮﻓﻮﻥ ﺟﻴﺪﺍ ﻭﻟﻲ ﺍﻟﻌﻬﺪ، ﻭ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﻣﺼﻠﺤﺘﻬﻢ ﺑﺄﻥ ﻳﻌﺮﻓﻮ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ .” ﻳﻘﺼﺪ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺠﻴﺪ ﻟﻮﻟﻲ ﺍﻟﻌﻬﺪ، ﺇﺷﺮﺍﻓﻪ ﻋﻠﻰ ﻗﻤﻊ ﺛﻮﺭﺓ ﺍﻟﺮﻳﻒ ﺳﻨﺔ 1958.

ﻭ ﻗﺎﻝ ﺷﺨﺺ ﺃﺧﺮ ﻋﺎﻳﺶ ﺍﻟﺤﺪﺙ ﻭ ﻫﻮ ﻳﺤﻜﻲ ﻛﻴﻒ ﻧﺠﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺕ : “ ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ ﺷﺎﺑﺎ ﻋﺸﺮﻳﻨﻴﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ، ﻭﻛﻨﺖ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ ﺃﺻﺪﻗﺎﺋﻲ، ﻭ ﻧﺤﻦ ﻧﺴﻜﻦ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﺒﻠﺪﺓ، ﻭﻟﻢ ﺗﺄﺕ ﺑﻨﺎ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺇﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﻧﻘﻀﻴﻬﺎ، ﻭ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻭﺟﺪﻧﺎ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﻭﺳﻂ ﺍﻟﺮﺻﺎﺹ، ﺑﺪﺃ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺗﺴﻮﺀ ﻓﻔﺮﺭﻧﺎ، ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺮﺻﺎﺹ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﺸﻮﺍﺋﻴﺎ ﺩﻭﻥ ﺗﻤﻴﻴﺰ، ﻭ ﻟﻮﻻ ﺑﻌﺾ ﺳﻜﺎﻥ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻔﺘﺤﻮﻥ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﻣﻨﺎﺯﻟﻬﻢ ﻹﻳﻮﺍﺀ ﺍﻟﻔﺎﺭﻳﻦ ﻗﺼﺪ ﺇﻧﻘﺎﺫﻫﻢ ﻟﻘﺘﻠﻨﺎ".

ﻭ ﻫﻨﺎ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﻷﺣﺪ ﺃﺑﻨﺎﺀ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺯﺍﻳﻮ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺷﻬﺪﻭﺍ ﺇﻏﺘﻴﺎﻝ ﺍﻟﺸﻬﻴﺪ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺍﻟﺮﻭﺗﺒﻲ ”: ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺎ ﺗﻼﻣﻴﺬ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ .. ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺸﻬﻴﺪ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺍﻟﺮﻭﺗﺒﻲ ﺃﻣﺎﻣﻲ ﻓﺈﺫﺍ ﺑﺮﺻﺎﺻﺔ ﻻ ﺗﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺻﻐﻴﺮ ﻭﻻ ﻛﺒﻴﺮ، ﻭ ﻻ ﺷﻴﺦ ﻭ ﻻ ﺇﻣﺮﺃﺓ، ﺗﺼﻴﺒﻪ ﻓﻲ ﺻﺪﺭﻩ .. ﻗﺘﻠﺘﻪ ﺍﻟﺮﺻﺎﺻﺔ ﺍﻟﻐﺎﺩﺭﺓ، ﻟﻘﺪ ﺫﻫﺐ ﺷﻬﻴﺪﺍ ﻭ ﺑﻘﻲ ﺇﺳﻤﻪ ﺧﺎﻟﺪﺍ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ".

ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺍﻟﺮﻭﺗﺒﻲ ﻫﺬﺍ ﺷﻬﻴﺪ ﺳﺠﻠﻪ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺯﺍﻳﻮ، ﻭﺳﻤﻴﺖ ﺳﺎﺣﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺑﺈﺳﻤﻪ، ﻟﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺷﻬﺪﺍﺀ ﻟﻢ ﻳﺴﺠﻠﻬﻢ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ، ﻫﻨﺎﻙ ﺍﻟﻌﺸﺮﺍﺕ ﻗﺘﻠﻮﺍ ﻭﺑﻴﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺩﻓﻨﻮﺍ ﺃﺣﻴﺎﺀﺍ ﻓﻲ ﻋﺪﺓ ﻣﻘﺎﺑﺮ ﺟﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻳﻒ، ﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﺬﻛﺮﻫﻢ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺑﺄﺳﻤﺎﺋﻬﻢ..

ﺗﻢ ﺇﺟﻬﺎﺽ ﺍﻹﻧﺘﻔﺎﺿﺔ، ﻭﻗﻤﻊ ﺍﻟﺸﻌﺐ، ﻭﻗﺘﻞ ﻭﺇﻋﺘﻘﺎﻝ ﺃﺑﻨﺎﺋﻪ، ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺇﻋﻼﻡ ﻟﻴﺮﻱ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﺎ ﻳﻘﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ، ﺑﺈﺳﺘﺜﻨﺎﺀ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺼﺤﻒ ﺍﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ، ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﻳﻤﻨﻊ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﻤﻨﺎﻃﻖ، ﻻ ﺃﺣﺪ ﻋﻠﻢ ﻣﺎ ﺣﺪﺙ، ﺗﻌﺘﻴﻢ ﺭﻫﻴﺐ، ﻗﺘﻞ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﺪﻡ ﺑﺎﺭﺩ، ﻗﺘﻠﻮﺍ ﻭ ﺗﻢ ﻧﺴﺎﻳﻨﻬﻢ ﻭ ﻃﻴﻬﻢ ﻓﻲ ﺻﻔﺤﺎﺕ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ، ﻗﺘﻠﻮﺍ ﻭ ﻫﻢ ﻳﺼﺮﺧﻮﻥ ﻣﻄﺎﻟﺒﻴﻦ ﺑﻌﻴﺶ ﻛﺮﻳﻢ، ﻻ ﺷﻲﺀ ﻛﺒﻴﺮ، ﻣﻄﻠﺐ ﻋﺎﺩﻝ ﻭ ﻣﺸﺮﻭﻉ ﺗﻢ ﻗﺘﻞ ﺍﻟﻤﺌﺎﺕ ﻷﺟﻠﻪ، ﺑﻞ ﻭ ﺗﻢ ﻭﺻﻔﻬﻢ ﺑﺄﺑﺨﺲ ﺍﻷﻭﺻﺎﻑ، ﻓﻤﻦ ﻳﻨﺴﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺍﻟﺮﺍﺣﻞ ﻭﺻﻒ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﻤﺤﺘﺞ ﻓﻲ؛ ﺍﻟﻨﺎﻇﻮﺭ، ﻭﺍﻟﺤﺴﻴﻤﺔ، ﻭﺗﻄﻮﺍﻥ، ﻭﻟﻘﺼﺮ ﻟﻜﺒﻴﺮ “ ﺑﺎﻷﻭﺑﺎﺵ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﻴﺸﻮﻥ ﺑﺎﻟﺘﻬﺮﻳﺐ ﻭ ﺍﻟﺴﺮﻗﺔ".

ﺇﻧﺘﻔﺎﺿﺔ ﺍﻟﺨﺒﺰ ﻭ ﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ، ﻣﺤﻄﺔ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ، ﻭ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻤﺨﺰﻧﻲ ﺑﺎﻟﺸﻌﺐ . ﻻ ﺯﺍﻝ ﻋﺪﺩ ﺍﻟﻀﺤﺎﻳﺎ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﻴﻦ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻹﻧﺘﻔﺎﺿﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺆﻛﺪ، ﻭﻻﺯﺍﻟﺖ ﺍﻟﻤﻘﺎﺑﺮ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﺃﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﻳﺪﻓﻨﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺨﻔﻲ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ، ﻟﻮ ﺃﻥ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﻛﺎﻥ ﻣﻨﺘﺸﺮﺍ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﺑﺎﻟﺸﻜﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻟﻜﺎﻥ ﺗﺼﻨﻴﻒ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻤﻐﺮﺑﻲ ﺳﻴﺘﻐﻴﺮ.


05/01/2016